طفرة في الأفلام وكثرة في المهرجانات.. وتراجع في عدد دور السينما بالمغرب

33 قاعة في عشر مدن.. بعدما كان عددها 300 قبل 40 سنة

قاعة سينمائية واحدة لكل مليون مغربي ({الشرق الأوسط})
قاعة سينمائية واحدة لكل مليون مغربي ({الشرق الأوسط})
TT

طفرة في الأفلام وكثرة في المهرجانات.. وتراجع في عدد دور السينما بالمغرب

قاعة سينمائية واحدة لكل مليون مغربي ({الشرق الأوسط})
قاعة سينمائية واحدة لكل مليون مغربي ({الشرق الأوسط})

في سبعينات القرن الماضي، كان المغرب يتوفر على أكثر من 300 قاعة سينمائية، توجد بكل مدن المملكة، تقريبا، كما كان بوسع سكان القرى مشاهدة أفلام سينمائية، من خلال قوافل متنقلة. لكن، الوضع تغير كثيرا، بين الأمس واليوم، إذ ستظهر تقارير المركز السينمائي المغربي، أن عدد هذه القاعات قد تراجع إلى 33 قاعة سينمائية فقط، تتوزعها عشر مدن فقط، هي أغادير التي تتوفر على قاعة واحدة، والدار البيضاء بتسع قاعات، وفاس بقاعتين، وخمس بمراكش، وثلاث بمكناس، وقاعتان بوجدة، وثلاث بالرباط، وقاعة واحدة بسلا، وأربع بطنجة، وقاعتان بتطوان.
وليس التراجع الكبير والمقلق، على مستوى عدد القاعات السينمائية هو ما يثير الانتباه والحيرة، بل أيضا انقراضها من عدد من المدن، كالجديدة وآسفي وورززات وسطات والقنيطرة وبني ملال وخريبكة وطانطان، التي تبرمج ببعضها مهرجانات سينمائية ذات صيت قاري، كما هو حال مدينة خريبكة التي ينظم بها مهرجان السينما الأفريقية، أو ورززات التي تحتضن أحد أهم استوديوهات التصوير في العالم والتي صورت وتصور بها أضخم الإنتاجات السينمائية العالمية.
وحين يمعن المتتبع النظر في عدد القاعات التي يتوفر عليها المغرب، اليوم، يجد نفسه أمام مفارقة لافتة، إذ يبين هذا العدد، عند مقارنته بعدد سكان المغرب، أننا بصدد قاعة سينمائية واحدة لكل مليون مغربي.
ومن المفارقات اللافتة، أيضا، أن تراجع عدد القاعات السينمائية يترافق مع تزايد في عدد المهرجانات السينمائية، وكذا في عدد الأفلام التي يجري إنتاجها على الصعيد الوطني.
ويبلغ عدد المهرجانات السينمائية التي تنظم بمختلف مناطق المغرب، والتي صار لبعضها إشعاع عالمي، كما هو شأن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش نحو 60 تظاهرة، مختلفة الأحجام والأنواع، منها المهرجانات الدولية والوطنية والملتقيات الوطنية والجهوية والأيام السينمائية وغيرها، فيما وصل عدد الأفلام المنتجة في 2013 إلى 22 فيلما طويلا وما يفوق 60 فيلما قصيرا.
ويتوقع نور الدين الصايل، مدير المركز السينمائي المغربي، أن تتصاعد وتيرة الإنتاج السينمائي المغربي لتصل في 2014 إلى 27 فيلما طويلا وما يفوق 100 فيلم قصير.
هذه المفارقة اللافتة بصدد عدد القاعات المفتوحة وعدد الأفلام المنتجة تبين أن الإنتاج السينمائي لا يتوازى ووجود قاعات للعرض، فيما تجد مفارقة برمجة تظاهرات ومهرجانات سينمائية بمدن لا تتوفر على قاعات سينمائية، من يدافع عنها بالتشديد على أن هذه «المهرجانات تنوب عن فقدان المدن المغربية للقاعات السينمائية، وتجعل الناس على علاقة دائمة بالسينما».
وعن تفسيره للتراجع الكبير المسجل في عدد القاعات السينمائية بالمغرب، قال محمد أشويكة، الباحث والناقد السينمائي لـ«الشرق الأوسط»، إن «تراجع عدد القاعات السينمائية بالمغرب يؤشر على تراجع الثقافة السينمائية بصفة عامة والتي كانت تؤطرها الأندية السينمائية بالمغرب في وقت سابق مما جعل الناس يكتفون باستهلاك الأفلام داخل منازلهم من خلال التلفزيون وعن طريق اقتناء الأفلام المقرصنة. ومرد ذلك، أيضا إلى عدم قدرة المنظومة التربوية على التحسيس بقيمة المنتج الفيلمي في حياة الناس وقيمته في الرقي بالمجتمع، وخاصة أن المغرب في حاجة اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى استهلاك صوره التي تعكس همومه وأزماته. فالقاعة السينمائية هي فضاء للتواصل والنقاش وهي أيضا محل تجاري ينعش الإنتاج السينمائي، لأن القاعة هي آخر حلقات الصناعة السينمائية قبل التلفزيون وغيره».
وبخصوص مفارقة اختفاء أو غياب قاعات سينمائية عن مدن تحتضن تظاهرات سينمائية دولية (خريبكة مثلا) أو استوديوهات لتصوير أضخم الأعمال السينمائية العالمية (ورززات، مثلا)، قال أشويكة، إن «المشكل ليس في اختفاء أو عدم وجود قاعات بمثل هذه المدن، وإنما يتعلق بالرؤية السياسية والاستراتيجية الثقافية للمدينة اليوم، فبعض المدن المغربية لا تتوفر نهائيا على بنى تحتية قابلة للعرض فما بالنا بالسينما التي يمكن أن تستوعب، بالإضافة إلى العروض الفيلمية أنشطة أخرى تتعلق بالعروض المسرحية والسهرات الفنية، ولمَ لا الاهتمام بعروض تخص الفن التشكيلي والنحت والفوتوغرافيا، فيصبح فضاء القاعة نقطة جذب تسهم في نشر الثقافة وخلق تواصل حولها ودعم الفن المغربي».
وحمل أشويكة الدولة «مسؤولية اختفاء بعض القاعات السينمائية التاريخية التي كانت علامات بارزة في جغرافيا بعض المدن، ومعالم تاريخية معروفة، مثل سينما (بالاص) وسينما (إيدن) بمراكش»، من دون أن يستثني أرباب القاعات السينمائية من المسؤولية «لعدم قدرتهم على تطوير تقنيات لتسويق الفيلمي واشتغالهم وفق منظورات تجارية تقليدية، فمتفرج اليوم يمكن خلقه من خلال برمجة مدروسة تراعي انفتاحا على المدارس والجامعات ولمَ لا مؤسسات الأعمال الاجتماعية بكل القطاعات الاجتماعية. لذلك نعتقد أنه صار من الواجب على الدولة، اليوم، أن تدفع المجالس الجماعية إلى الانخراط في اقتناء القاعات السينمائية المغلقة بالمدن المغربية وتسليمها إلى هيئات المجتمع المدني وإدارات المهرجانات السينمائية للتكفل بها ونشر الفيلم المغربي أولا والأفلام العالمية ثانيا، لمساعدة المنتجين المغاربة على استعادة جزء من الأموال التي دعمتهم بها الدولة كي يكون لهذا الدعم معنى، وإلا فما معنى قيمة أفلام لا يراها الجمهور ولا تسترجع جزءا ولو بسيطا من إنتاجه الذي يبقى مالا عاما».
ويصل متوسط سقف الدعم الذي توفره الدولة للمخرجين المغاربة إلى نحو 500 ألف دولار. ويحدد مرسوم وزاري شروط ومساطر لدعم إنتاج الأعمال السينمائية ورقمنة وتحديث وإنشاء القاعات السينمائية وتنظيم المهرجانات السينمائية، حيث يخصص دعم مالي لفائدة هذه العمليات، تحدد شروط ومعايير منحه وطرق صرفه بقرار مشترك للوزير المكلف بالاتصال والوزير المكلف المالية. وهو يهدف إلى دعم الإنتاج السينمائي الوطني ورفع جودته وترويجه وتنمية الإنتاج المشترك الدولي، وتطوير بنى الصناعة السينمائية واستعمال التقنيات الحديثة الرقمية، وتشجيع حرية الإبداع والانفتاح على العالم والتجارب الإنسانية وصيانة تعددية تيارات الرأي والفكر، وتثمين مكونات ومقومات الهوية المغربية وتعزيز إشعاع حضارة وثقافة وتاريخ المغرب، وتمكين وتقوية التعبيرات الثقافية الجهوية والمحلية على مستوى الإبداع السينمائي وإبراز التنوع الجهوي والمجالي الجغرافي، وتقوية الاشتغال على قضايا المجتمع، وتشجيع الإبداع السينمائي للشباب وتوفير شروط ترويجه ودعمه.
وتأسف أشويكة لـ«تحول بعض قاعات السينما بعدد من مدن المغرب إلى فضاءات للتجارة، أو أن تهدم لتحل محلها عمارات إسمنتية لا جمال في هندسيتها ولا عمق ثقافيا، أو أن يتحول بعضها إلى خراب موحش، كما حال سينما (بالاص)، بمراكش، بعد أن كانت في السابق، رمزا للجمال ومحجا لعشاق الفن والثقافة».
وعن تحول عدد من القاعات السينمائية إلى قاعات لعرض مباريات «الليغا» وغيرها من البطولات الكروية الشهيرة، قال أشويكة، إن «ذلك يبقى خيارا أمام أرباب عدد من القاعات السينمائية لتحقيق التوازن، لمواصلة البقاء وتأجيل قدر وقرار الإغلاق ولو إلى حين».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».