تشديد من الأمم المتحدة على أهمية المساواة في احتفالها بـ {يوم المرأة الدولي}

نساء لبنان يتظاهرن في المناسبة للمطالبة بحمايتهن من «العنف الأسري» * شيرين وناهد.. تتحديان الإعاقة وقيود المجتمع في مصر

أم محمود لاجئة سورية تغسل أواني الطهي في مخيم الزعتري في بلدة المفرق الأردنية (رويترز)
أم محمود لاجئة سورية تغسل أواني الطهي في مخيم الزعتري في بلدة المفرق الأردنية (رويترز)
TT

تشديد من الأمم المتحدة على أهمية المساواة في احتفالها بـ {يوم المرأة الدولي}

أم محمود لاجئة سورية تغسل أواني الطهي في مخيم الزعتري في بلدة المفرق الأردنية (رويترز)
أم محمود لاجئة سورية تغسل أواني الطهي في مخيم الزعتري في بلدة المفرق الأردنية (رويترز)

سلطت الأمم المتحدة الضوء على الصلة التي تربط بين تحسن حال المرأة وتقدم المجتمع بصفة عامة، وذلك بمناسبة اليوم الدولي للمرأة. ورحبت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، التي ألقت كلمة في الحدث احتفالا باليوم الدولي للمرأة، بالتقدم الحاصل حتى الآن، مشيرة إلى أن عدد الفتيات اللائي يلتحقن بالمدارس وعدد النساء اللواتي يشغلن مناصب عامة زاد عن أي وقت مضى.
وقالت كلينتون «عندما تزدهر النساء والفتيات، يزدهر المجتمع برمته». وأضافت أن «أيا من دول العالم لم تحقق المساواة الكاملة بين الجنسين، وحثت هذه الدول على احترام حقوق المرأة، واصفة الوقت الحالي بأنه «نقطة محورية في هذا النضال».
وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن «تقدم المرأة يساهم في تقدم المجتمع ككل».
وأضاف «الدول التي تشهد مستويات أعلى من المساواة بين الجنسين تتمتع بنمو اقتصادي أكبر.. والشركات التي تضم عددا أكبر من النساء في مجالس إدارتها تحقق عائدات أعلى. واتفاقيات السلام التي تضم نساء تكون أكثر نجاحا».
ويوافق يوم السبت اليوم العالمي للمرأة الذي يتم الاحتفال به منذ عام1909 في الولايات المتحدة. وبحلول عام 1911، امتد الاحتفال بهذا اليوم إلى النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا، ثم إلى دول أخرى.
وفي إسبانيا شهدت الكثير من المدن خروج مظاهرات نسائية الإسبانية الذي تحتفل به إسبانيا باعتبار «يوم المرأة العاملة» للمطالبة بالمساواة التامة وبالحد من العنف ضدهن. وقد جاء في أحدث دراسة حول العنف ضد النساء في إسبانيا، بأن 22 في المائة من الإسبانيات تعرضن في حياتهن للعنف أو للتحرش الجنسي. وقالت بلانكا تاببيا، المتحدثة باسم الوكالة الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي، إن «13 في المائة من حوادث الاضطهاد تجري على يد الزوج أو الخطيب، كما أن 33 في المائة من الإسبانيات تعرضن للاضطهاد النفسي، و11 في المائة تعرضن للتحرش الجنسي قبل أن يبلغن الـ15 من العمر، وأن 16 في المائة منهن تعرضن للتحرش عن طريق اللمس».
وفي عمان أعلن رؤساء التحرير الصحف اليومية الأردنية الكبرى عن ترك مواقعهم لصالح صحافيات يشغلن رئاسة التحرير ليوم واحد.
خطوة اختيار إحدى الصحافيات كرئيسة للتحرير خطوة تكريمية للمرأة الأردنية بمناسبة يوم المرأة العالمي. وتحرص الصحافيات اللواتي يقع الاختيار عليهن لرئاسة التحرير في يوم المرأة العالمي على ممارسة دورها كرئيسة تحرير بالكامل في هذا اليوم، كما يحرص الصحافيين والصحافيات على التوجه إلى مكتب رئيس التحرير للتهنئة بهذا اليوم، وتناول «الحلوى» كتعبير عن الاحتفال بهذه المناسبة.
وتقول رانيا تادرس وهو جالسة على كرسي رئيس التحرير في صحيفة «الرأي» إنها «تمارس عملها كرئيسة للتحرير بالكامل وهي قامت بمنع نشر مقالة يومية لكاتب رئيسي في الصحيفة، كما طلبت من رسام الكاريكاتير عماد حجاج تغيير رسمته التي تنشر في الصفحة الأخيرة، وأن يكون الكاريكاتير عن واقع المرأة في الأردن».
وتشير في تصريحات إلى الشرق الأوسط إلى أنها اكتشفت أن رئيس التحرير في الأردن وخصوصا في صحيفة كبرى يجب أن يمتاز بدرجة كبيرة من «المجاملة» لكثرة الاتصالات التي يتلقاها من الشخصيات السياسية والمواطنين الذين يكون لديهم قضايا.
وترى تادرس أن الخطوة فيها نوع من التكريم للمرأة الأردنية ولكنها تلفت الانتباه إلى الحوار الدائر في مكتب رئيس التحرير ولذا تتعدد الآراء حول هذه الخطوة بين ما يراها خطوة تكريمية لدور المرأة الأردنية وبين من يتمنى أن يرى فعلا المرأة تتبوأ رئاسة تحرير صحيفة كبرى مثل «الرأي» أو «الدستور» التي تعاقب على رئاسة تحريرها الرجال فقط.
إحدي الصحافيات قالت إن «هذه الخطوة هي مجرد ديكور ولا تشكل أي قيمة إضافية للمرأة بل إننا نأتي هنا من باب المجاملة فقط».
رئيس تحرير صحيفة «الرأي» سمير الحياري الذي حضر إلى مكتب رئيس التحرير كمبارك في هذا اليوم، كان يحرص على الإعلان أن مسؤولية التحرير اليوم للزميلة التي اختيرت رئيسة للتحرير.
وأوضح أن الخطوة تكريما لدور المرأة في المجتمع، وأن المرأة الأردنية لديها القدرة على تبوء المواقع العليا. ويضيف أن المرأة الأردنية شريكة للرجل في التنمية والبناء، كما أن المرأة موجودة في الوزارة ومجلس النواب ومجلس الأعيان والأحزاب وأثبت قدرتها القيادية في جميع المواقع التي تسلمتها.
وفي بيروت سارت أكثر من ألفي امرأة ورجل، تقدّمهم أهالي النساء اللواتي قتلن نتيجة العنف الأسري، جنبا إلى جنب من أمام المتحف الوطني إلى قصر العدل في بيروت مطالبين في «يوم المرأة العالمي» بإقرار قانون حماية النساء في لبنان حيث يسجّل مقتل ما بين 12 و16 امرأة سنويا نتيجة العنف الأسري.
مطلب وإن كان المجتمع المدني قد أطلقه منذ نحو 5 سنوات، فإنّ تزايد عدد اللواتي قتلن على يد أحد من أقربائهن، ولا سيّما أزواجهن في الفترة الأخيرة، كان كفيلا بتحريك مشاعر اللبنانيين وضمائرهم، «على أمل أن لا يطول الوقت ليصل إلى ضمائر النواب ومشاعرهم»، وفق ما يقول سامر (39 عاما) حاملا شعار «أطالب بإقرار القانون ليحمي طفلتي من أي عنف قد تتعرضان له في المستقبل».
«أنا هنا لأنني تعرّضت للضرب والعنف أكثر من 8 سنوات قبل أن أتمكّن من الحصول على الطلاق. لكن رغم ذلك أنا على يقين أن إقرار القانون لا يعني في مجتمع مثل لبنان أنه قابل للتطبيق»، بهذه الكلمات تعبّر سيّدة أربعينية عن معاناتها مع العنف الأسري، رافضة الكشف عن اسمها. وتقول لـ«الشرق الأوسط» «أحببته وأنا في سن الرابعة عشرة، ووقفت في وجه أهلي إلى أن تزوجنا. كان عنيفا منذ البداية لكن حبي له جعلني لا أرى هذا العنف. عدد سنوات الزواج لا يعنيني ولا أذكر كم هي، ما أعرفه هو أنني حرّة منذ عشر سنوات، وإن كانت هذه السنوات الأليمة تؤرق أيامي».
تستعيد السيدة الثلاثينية ما كانت تتعرّض له من زوجها والمجتمع والقانون قائلة «ذهبت مرات عدّة إلى مركز للقوى الأمنية كل ما كانوا يقومون به هو نصيحتي بأن أعود إلى البيت، وهو الأمر نفسه والتفكير عينه لا يختلف في المجتمعات اللبنانية، التي تقف إلى جانب الجلاد وليس الضحية، من دون أن أنفي أنّ بعض أفراد العائلة وقفوا إلى جانبي ودعموني في قراري».
أما عن نصيحتها إلى ابنتها التي أصبحت الآن على أبواب الجامعة، فتقول «لا أنصحها بالزواج، وإذا قرّرت ذلك فسأدعمها ليكون خيارها صائبا وأقف إلى جانبها دائما».
من «ويل لأمّة تقتل نساءها باسم الشرف» و«حماية المرأة لا يحتاج إلى توازن طائفي» إلى «من الذكورية ما قتل» و«إذا قتلت أحدا تدخل إلى السجن.. إلا إذا كانت زوجتك».. وغيرها من الشعارات التي تحث على إقرار القانون. وهذه المقولات الشائعة عينها، التي لا تختلف في معانيها عن الممارسات العنفية التي تتعرض لها المرأة، كانت محور مسرحية قدّمتها فرقة «زقاق» على مدرج المتحف الوطني، حملت عنوان «ناس بسمنة وناس بزيت». وارتكز العرض على موكب عرس يتحوّل إلى مأتم، يروي حياة امرأة معنفة مصورا الأمثال الشعبية مدينا في الوقت عينه السلوكيات النمطية المتعلقة بالمرأة، وذلك بالاستناد إلى شهادات عدد من ضحايا العنف الأسري التي وثّقتها «منظمة كفى». واختار بعض المعتصمين أن يعبروا عن دعمهم لمطلب المرأة، بوسائل أخرى، فارتدى عدد من الشباب تنورة فيما حمل البعض الآخر، «طنجرة»، مرفقة بعبارة «للطبخ فقط»، في إشارة إلى السيدة منال عاصي التي قتلها زوجها منذ نحو شهر، مستخدما «طنجرة الضغط».
وكان تحرّك أمس الذي استقطب أكثر من ألفي شخص من مختلف الأعمار والطوائف، وشارك فيه عدد من الشخصيات السياسية والفنية والاجتماعية، ولاقى دعما وتغطية من الإعلام اللبناني، موجّها، وفق «منظمة كفى» الداعية له، إلى المجلس النيابي وتحديدا إلى رئيسه نبيه بري، لحثه على عقد جلسة تشريعية يكون فيها إقرار مشروع قانون حماية النساء من العنف السري بندا أساسيا بعيدا عن الخلافات السياسية والمحسوبيات.
وكانت المرأة اللبنانية قد حقّقت «انتصارا محدودا» مع وقف التنفيذ، في شهر يوليو (تموز) الماضي، بإقرار مشروع القانون في اللجان النيابية المشتركة بالإجماع بعد توسيعه ليشمل بقية أفراد العائلة، فيما لا يزال اللبنانيون بانتظار إقراره في مجلس النواب المعطلة جلساته، منذ تمديد البرلمان لنفسه، في شهر يونيو (حزيران) الماضي، وذلك، على وقع الحملات التي أطلقها المجتمع المدني بعد مقتل رلى يعقوب (31 عاما)، الأم لخمس فتيات، وإن كانت هذه التوسعة قد لاقت اعتراض «منظمة كفى» مطالبة بتخصيص النساء بالقانون منعا لنسف الفلسفة الحمائية لهن في المشروع، والتي تنطلق من أن الأطفال محميون بقانون الأحداث، فيما يستند الرجل إلى المنظومة الاجتماعية والذكورية والتشريعية والدينية والسياسية أيضا.
وقد شهد لبنان في الفترة الأخيرة جرائم أسرية، أدّت إلى مقتل عدد من النساء، كان آخرها، قبل يومين، إقدام شاب في منطقة «البسطا» في بيروت على قتل شقيقته طعنا بالسكين، وقبل أكثر من شهر بوفاة منال عاصي إثر إقدام زوجها على ضربها حتى الموت مستخدما «طنجرة الضغط»، وفق ما أكّد أهلها، وبعدها بأسابيع قليلة لحقت بها كريستيان أبو شقرا التي اتهم زوجها بقتلها مستخدما السمّ، وقبلها بأشهر عدّة رلى يعقوب، وغيرهن من النساء اللواتي يمتن نتيجة العنف بعيدا عن أي قانون سيؤدي إقراره إلى حمايتهن والحدّ بلا شكّ من هذه الجرائم.
وفي القاهرة لم يمنع فقدان البصر شيرين من تحقيق حلمها بالعمل، ولم تقف عادات المجتمع في مصر عائقا أمام ناهد التي لم تخجل من العمل في قيادة حافلة حتى تعول ابنتها بعد وفاة زوجها.
ومع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، أمس (السبت)، لا تزال المرأة المصرية تعاني من مشكلات في مجالات، من بينها العمل على الرغم من انتزاعها كثير من الحقوق على مدى العقود الماضية.
لكن هناك من قرر تحدي ذلك، ومن بينهن شيرين فتحي (32 عاما)، التي تعمل موظفة في الهيئة العامة للبترول.
وقالت شيرين، وهي كفيفة، إن كل ما تتمناه أن يحترم الناس إعاقتها، وألا يسيئوا استغلالها. كما عبرت عن أملها في أن تستغل الحكومة طاقات المعاقين الإنتاجية.
وأضافت شيرين وهي زوجة لمحام ضرير وأم لطفلين قولها لوكالة «رويترز»: «لم يتغير شيء للمعاقين قبل وبعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وأتمنى أن يهتم الرئيس القادم بنا».
وكانت تشير إلى الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، في أوائل عام 2011، والرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في منتصف عام 2013.
وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر فإن نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل عام 2011 كانت 23.1 في المائة فقط، على الرغم من أنها تشكل 41 في المائة من إجمالي عدد الناخبين في البلاد.
ومن بين من قررن التحدي أيضا ناهد (52 عاما)، التي أصبحت سائقة لحافلة ركاب صغيرة في منطقة المقطم بشرق القاهرة. وتوفي زوجها قبل 21 عاما، وتركها بمفردها هي وابنتها الوحيدة التي لم يكن عمرها قد تجاوز 40 يوما. وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن نسبة المرأة المعيلة في مصر بلغت 16 في المائة في 2011.
وقالت ناهد لـ«رويترز»: «حلمي الوحيد كان أن أبقى سيدة منزل، وأن يبقى زوجي بجانبي ليرعاني».
لكن بعد وفاة الزوج كان لا بد من تدبير سبل الحياة، ولم تجد ناهد أمامها سوى بيع الملابس في الشارع، لكن هذا لم يكن كافيا، مما دفعها لشراء حافلة ركاب صغيرة.
وبعدما سبب لها السائقون الذين كانوا يقودون الحافلة كثيرا من المشكلات والحوادث، أقدمت ناهد على تعلم القيادة وأصبحت تقودها بنفسها.
ولم تسلم ناهد من مضايقات الركاب والسائقين، لكنها قالت إن رجال الشرطة يوفرون لها الحماية.
وتبدأ ناهد عملها في السادسة صباحا وبعد الانتهاء من العمل يكون لا يزال لديها الوقت للاعتناء بابنتها المطلقة وحفيدتها الرضيعة.
وقالت ناهد: «حلمي الآن أن يرزق الله ابنتي بابن الحلال مرة ثانية، وأن تصبح حفيدتي مهندسة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».