فرصة العرب «المربحة» لمواجهة الاحتباس الحراري

«آبار الكربون» و«الغابات» حلول اقتصادية

فرصة العرب «المربحة» لمواجهة الاحتباس الحراري
TT

فرصة العرب «المربحة» لمواجهة الاحتباس الحراري

فرصة العرب «المربحة» لمواجهة الاحتباس الحراري

اتفق قادة 195 دولة حول العالم على الحد من الاحتباس الحراري في مؤتمر باريس للمناخ منذ يومين، ولكن هذا الاتفاق لا يعكس كل الطموحات، فالدول الغنية تريد ترشيدا أكثر، في حين يرتبط نمو الدول النامية باستهلاك أكبر للطاقة.
والدول العربية مثلها مثل الدول النامية تحتاج إلى استهلاك الوقود بشكل أكبر لتحقيق معدلات نمو أعلى، بالإضافة إلى أنها تحتاج إلى زيادة استهلاك العالم من الوقود الأحفوري، التي تعتمد عليه موازنات دول عربية بشكل كبير.
وبحسب الإحصاءات الدولية، يستهلك العالم العربي طاقة ينبعث عنها نحو 800 مليون طن من الكربون في السنة، أي 2.26 في المائة من الانبعاث العالمي، وهي نسبة ضئيلة لا تؤثر بشكل كبير في مشكلة الاحتباس الحراري.
ولكن من ناحية أخرى هناك 6 دول عربية ضمن قائمة أكثر 10 دول من حيث نصيب الفرد من الانبعاثات الكربونية، حيث تتصدر قطر القائمة، تليها الكويت في المركز الثالث، ثم الإمارات وعمان والسعودية والبحرين في المراكز من السابع إلى العاشر، لذلك تسعى هذه الدول لبذل مجهوداتها لخفض الانبعاثات الضارة غير المتلائمة مع الكثافة السكانية المنخفضة.
وبينما تخطط تونس لخفض انبعاثات الكربون بنسبة 41 في المائة بحلول عام 2030 قياسا بعام 2010، تخطط الأردن لخفض الكربون بنسبة 14 في المائة خلال نفس الفترة. وذلك بالتزامن مع موافقة السعودية، أكبر مستهلك للطاقة في العالم العربي، على خفض 26 في المائة من انبعاثاتها الكربونية، على ألا يكون تنفيذ هذا التخفيض عبئا غير طبيعي على اقتصاد البلد، بينما لم تحدد دول أخرى مثل الكويت أي نسب مستهدفة.
لكن عبارة وردت في نص البيان الختامي لمؤتمر باريس قد تمثل حلا «متوافقا» لكثير من الدول العربية، إذ جاء في العبارة: «نهدف إلى التوصل إلى توازن بين الانبعاثات التي سببتها أنشطة بشرية والانبعاثات التي تمتصها آبار الكربون خلال النصف الثاني من القرن».
وتعني آبار الكربون، المشروعات القادرة على امتصاص الكربون، المتمثلة بشكل رئيسي في زراعة الغابات وتقنية التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون المنبعث من المصانع والسيارات، وهي مشروعات إلى جانب أثرها الإيجابي على البيئة لها أيضًا مردود اقتصادي جيد. فالغابات توفر دخولا جيدة للعاملين بها، بالإضافة إلى توفير الأخشاب اللازمة للصناعات، أما الكربون الملتقط فيتم استخدامه في حقن آبار البترول، وبالتالي زيادة إنتاجيتها بشكل كبير.
وتنقسم الدول العربية ما بين الاختيارين، فدول شمال أفريقيا المستوردة للنفط تعتمد على الغابات اعتمادا على مياه الصرف الصحي المحلاة، بينما اتجهت دول الخليج مؤخرا لاستخدام تقنيات استخدام ثاني أكسيد الكربون.
فمن المنتظر أن يتم تشغيل مشروع «الريادة» لالتقاط ثاني أكسيد الكربون واستخدامه وتخزينه في مطلع 2016، وهو المشروع الأول في منطقة الشرق الأوسط، والـ13 عالميا، وهو نتاج شراكة بين عملاقي الطاقة «مصدر» و«أدنوك» في إمارة أبوظبي. ويؤدي حقن الآبار بثاني أكسيد الكربون إلى سهولة سريان الزيت الخام خلال المسام الأرضية إلى أقرب الآبار المنتجة.
ويقول ربيع عبد القادر، مدير إدارة المبيعات في «إيغل بروغمان»، إن الطرق التقليدية تسمح باستخراج قرابة 50 في المائة فقط من النفط الموجود بباطن الأرض، ولكن طريقة الحقن بثاني أكسيد الكربون ستؤدي إلى زيادة نسبة الاستخراج إلى ما بين 70 و80 في المائة.
وسيقوم مشروع «الريادة» بالتقاط غاز ثاني أكسيد الكربون من مصنع حديد الإمارات، ثم يضخه في حقول شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك».
وتبلغ القدرة الاستيعابية للمشروع 800 ألف طن، ما يعادل الانبعاثات الكربونية السامة والضارة الصادرة عن 170 ألف سيارة سنويا.. «وهذا الرقم يعادل ربع عدد السيارات الموجودة في أبوظبي بالفعل، ولو كررنا المشروع ثلاث مرات نكون عادلنا التلوث الناتج عن كل سيارات أبوظبي. ونحن بالفعل ندرس تكرار المشروع مرات أخرى مع مصانع أخرى»، وفقا لعرفات صالح اليافعي، مدير قسم تطوير استخدام ثاني أكسيد الكربون في «أدنوك».
وعن حسابات المكسب والخسارة، يقول اليافعي إن «المشروع تكلف 450 مليون درهم (نحو 122 مليون دولار) لالتقاط ونقل الكربون، بالإضافة إلى نصف مليار دولار تكلفة الحقن في الحقول، ولكنه سيؤدي إلى زيادة إنتاج النفط بنسب تصل إلى 15 في المائة، ما يعني مليارات البراميل الإضافية، خصوصا مع حجم المخزون النفطي الكبير في دول الخليج».
ووفقا لليافعي فإن «الحقن يضمن المردود للشركة على استثمارها، وهو مشروع استثماري قائم على علاقات السوق، وبعد نجاحه المتوقع سيتم التوسع في هذا النوع من الاستثمار»، والذي أشار أيضًا إلى أن ثاني أكسيد الكربون يدخل في صناعات أخرى غير النفط، مثل البتروكيماويات والأسمدة وبعض الأطعمة والمياه الغازية.
وبالإضافة إلى الإمارات، فقد أعلنت شركة قطر للإضافات البترولية المحدودة «كفاك» أنها افتتحت أكبر مصنع لاستعادة وحقن ثاني أكسيد الكربون في العالم، والذي يتم استخدامه في إنتاج الميثانول، في فبراير (شباط) الماضي. كما أطلقت «أرامكو السعودية» أول مشروع في السعودية لفصل الكربون وتخزينه، وكذلك مشروع الاستخلاص المحسَّن للنفط باستخدام ثاني أكسيد الكربون في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، كما تستخدم الجزائر تقنيات تخزين الكربون منذ سنوات كثيرة.
أما في شمال أفريقيا فالوضع مختلف، وباستثناء الجزائر وليبيا فباقي دول المنطقة مستوردون للبترول، لذا فالحل الأفضل لدى تلك الدول لمواجهة الانبعاثات يتمثل في الغابات الشجرية.
وتمثل الغابات ثروة مهمة تمتد على 8 في المائة من مساحة المغرب، ويوفر هذا القطاع نحو 10 ملايين يوم عمل سنويًا للقرويين، و28 ألف وظيفة في المقاولات، و14 ألف وظيفة في مجال التحويل، و26 ألف فرصة عمل في جمع الخشب.
وتساهم الغابة المغربية بدخول للسكان القرويين والجماعات المحلية تقدر بأكثر من 5 مليارات درهم سنويًا (نحو 630 مليون دولار)، عن طريق الاستغلال المباشر للخشب للتدفئة ورعي للمواشي، كما تساهم بنحو 2 في المائة من الناتج المحلي الزراعي، و0.4 في المائة من الناتج المحلي الوطني. ورغم ذلك فإن الحكومة المغربية لا تقوم بتنمية مزيد من الغابات، بل إن جزءا من الغابات الموجودة يواجه خطر الاندثار.
وفي تونس، تؤوي الغابات التونسية نحو 900 ألف ساكن، أي قرابة 10 في المائة من السكان، حيث يعيش بعضهم بصورة مباشرة من هذه الغابات، وفقا للتقرير الوطني حول وضع البيئة في تونس لسنة 2006. وتنتج هذه الغابات 10 آلاف متر مكعب من الخشب، بالإضافة إلى الزيوت وبعض الثمار، وتهتم الدولة بحماية الغابات التونسية، ولكن لا توجد جهود كبيرة لزراعة غابات جديدة.
* الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.