«حرب النفط الجديدة»: «أوبك» وأميركا.. وبينهما إيران

الكونغرس يوافق على رفع حظر تصدير الخام الذي امتد 40 عامًا

«حرب النفط الجديدة»: «أوبك» وأميركا.. وبينهما إيران
TT

«حرب النفط الجديدة»: «أوبك» وأميركا.. وبينهما إيران

«حرب النفط الجديدة»: «أوبك» وأميركا.. وبينهما إيران

استكمالاً لمعارك النفط القائمة بين المنتجين الرئيسيين، وافق زعماء الكونغرس الأميركي على قرار رفع الحظر المفروض على صادرات النفط المحلية، الذي امتد لنحو أربعين عاما باعتباره أحد التشريعات الضريبية، لتزيد الولايات المتحدة الأميركية من الضغط الراهن على أسعار النفط التي تراجعت إلى أدنى مستوياتها في أحد عشر عامًا، وسط تنامي المخاوف من تفاقم تخمة المعروض العالمي من النفط خلال العام المقبل، وسط استمرار حرب الأسعار القائمة بين المنتجين.
ويعكس قرار رفع الحظر تحولات سياسية واقتصادية تقودها طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة. ويعد القرار أولوية بالنسبة إلى الجمهوريين وصناعة النفط، وفي الوقت نفسه يتمسك الديمقراطيون بضرورة اعتماد التدابير البيئية وتعزيز استثمارات الطاقة المتجددة، وتشمل تلك التدابير الإعفاءات الضريبية على مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ويضغط الجمهوريون لإنهاء حظر تصدير النفط الخام، للمساعدة في الحفاظ على ازدهار إنتاج النفط في الولايات المتحدة، للمنافسة أمام النفط الروسي، ومنظمة «أوبك».
وكان الكونغرس الأميركي قد اتخذ قرارا في ديسمبر (كانون الأول) من عام 1975 بحظر صادرات النفط في ظل الحظر النفطي العربي الذي أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار البنزين المحلية، وسط انعدام الإمدادات من الشرق الأوسط.
ووفقًا لتحليل من قِبل شركة الأبحاث العالمية «IHS»، فمن شأن رفع الحظر عن الصادرات النفطية الأميركية أن يزيد من الحوافز لزيادة الإنتاج الأميركي من النفط. ويقول التحليل، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه: «منذ نمو الإنتاج الأميركي من النفط في عام 2009، استمر الاعتماد الأميركي على النفط الأجنبي في الانخفاض بشكل حاد».
فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، فإن ثورة التكسير الهيدروليكي قد تقدمت بالولايات المتحدة إلى المراكز العليا بين الدول المنتجة للنفط، مما ساعد بدوره في إضعاف نفوذ روسيا والدول الريعية التي تعتمد على إنتاج النفط بصورة كبيرة.
وبحسب تحليل «IHS»، من شأن السماح بتصدير النفط أن يحفز المنتجين المحللين على زيادة الإنتاج، من أجل البيع بأسعار تنافسية في الأسواق العالمية، الأمر الذي يدعم مستويات الإنتاج الأميركية، مما يدعم الخطة الأميركية بإنهاء الاعتماد بشكل تام على النفط الأجنبي، وبخاصة نفط الشرق الأوسط.
لكن في الوقت نفسه، تعارض بعض المصافي الأميركية قرار تصدير النفط، قائلة إنه سيتم ضرب أعمالها إذا تم شحن النفط الخام إلى الخارج، ليتم تكريره، وتحذر من أن ارتفاع التكاليف يمكن أن تنتقل إلى المستهلكين.
وتعليقا على إعلان الكونغرس الأميركي قرار رفع الحظر عن صادرات النفط، قال عبد الله البدري، الأمين العام لمنظمة «أوبك»، أول من أمس، إن أسعار النفط المتدنية حاليا لن تستمر، وستتغير في غضون أشهر قليلة أو خلال عام.
وصرح البدري، أثناء حديثه في نيودلهي، بأن أي قرار من الولايات المتحدة بتصدير النفط لن يكون له تأثير إضافي على الأسعار، وأضاف الأمين العام لـ«أوبك» أن «المنظمة تبحث عن أسعار معقولة وعادلة للنفط».
وقال البدري إن «الأثر الصافي لتصدير النفط الأميركي في السوق العالمية صفر»، مضيفا أن أميركا لو قامت بتصدير بعض إنتاجها من النفط، فإنها ستحتاج إلى استيراد الكمية نفسها من مكان آخر. فالولايات المتحدة قد تصدر النفط الخفيف المستخرج من الصخر الزيتي، في حين لا تزال أكبر مستورد في العالم لأنواع النفط الخام الثقيل.
ويمنع القانون الاتحادي الشركات من تصدير الخام غير المكرر إلى الخارج، مع وجود استثناءات قليلة، بما في ذلك الشحنات إلى كندا. واستطاعت الولايات المتحدة تصدير نحو 586 ألف برميل يوميا في أبريل (نيسان) الماضي، أكثر من معدل صادرات دول أعضاء في «أوبك» مثل الإكوادور وليبيا، ولكن الصادرات الأميركية تقلصت إلى 409 آلاف برميل يوميًا في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي المقابل، تستطيع المملكة العربية السعودية، العضو الأكثر قوة وأكبر مصدر للنفط في العالم، تصدير نحو 7.15 مليون برميل من الخام يوميًا، وفقا لبيانات منظمة «أوبك».
ورغم اتخاذ الكونغرس قرارا برفع الحظر ترى جماعات حماية البيئة في أميركا أن القرار مخالف لما تم التوصل إليه بشأن المناخ العالمي في باريس، فالكونغرس بقرار رفع الحظر يتجه إلى إعطاء الصناعة النفطية أولوية وأهمية كبرى، وزيادة إنتاج النفط، وبخاصة من المصادر غير التقليدية التي تعتمد على عمليات متزايدة من التكسير الهيدروليكي، مما يؤدي إلى زيادة الانبعاثات الكربونية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
ووسط معارضة جماعات البيئة في أميركا قرار رفع الحظر عن صادرات النفط، يقول الجمهوريون إن الصناعة النفطية في أميركا في حاجة إلى زيادة المنافسة العالمية من أجل تعزيزها. وترى جماعات الضغط المؤيدة للتصدير أن شحن النفط من الولايات المتحدة إلى الخارج من شأنه تمكين أميركا ضد المنافسين في الشرق الأوسط.
وتحدث جورج بيكر، المدير التنفيذي لمجموعة الضغط المؤيدة لتصدير النفط الخام في أميركا، لكثيرين في صناعة النفط، الخميس الماضي، مرحبا بتصويت ثانٍ في مجلس النواب في غضون شهرين لرفع الحظر.
ويرى بيكر أن رفع الحظر عن الصادرات النفطية بات أمرًا ضروريًا في الوقت الراهن، قائلا: «على الرغم من إمكانية انزلاق الأسعار إلى ما هو أدنى من المستويات الراهنة، فلا بد من رفع الحظر الذي تسبب خلال العقود الأربعة الماضية في فقدان مزيد ومزيد من فرص العمل في صناعات النفط والغاز الطبيعي الأميركية»، وبينما تستعد إيران بعودتها للدخول بكثافة إلى السوق العالمية، بموجب شروط الاتفاق النووي، يقول بيكر إنه «من الأهمية بمكان اتخاذ إجراء فوري لرفع الحظر لعدم تهميش دور الولايات المتحدة الأميركية في السيطرة على أسواق النفط العالمية».
ومن المحتمل أن تصل إلى السوق في وقت مبكر من عام 2015 كميات إضافية من النفط الإيراني، الدولة العضو في منظمة «أوبك»، وذلك بمجرد رفع العقوبات كما هو متوقع. وبالإضافة إلى كميات النفط المخزنة والمقدرة بأكثر من 30 مليون برميل، ستكون إيران قادرة على زيادة صادرات النفط الخام والمكثفات لمدة أقصاها بحلول نهاية 2016 بنحو 700 ألف برميل يوميًا.
كذلك تسير إيران على الطريق لتصدير 1.250 مليون برميل يوميًا من النفط الخام خلال ديسمبر الحالي. وعلما بأن إيران تتكلف لإنتاج برميل النفط ما لا يزيد على نحو 13 دولارا في المتوسط، فذلك يمنحها القدرة على مواصلة الإنتاج والمنافسة في ظل أي سيناريو منخفض للأسعار.
ورغم أن صناعة النفط الأميركية تعد هي الخاسر الأكبر باعتبارها منتجا وليست مستهلكا، يقول نيل سيمس، نائب رئيس شركة «إكسبرو» للخدمات النفطية لشؤون أسواق أوروبا، إن «استمرار تراجع أسعار النفط سيزيد الأعباء على كل أطراف الصناعة، خصوصًا الشركات الدولية في جميع تخصصاتها». ويضيف سيمس، في تصريحات صحافية سابقة، أن المرحلة المقبلة تتطلب تركيز الشركات على تقوية علاقات الشراكة مع المنتجين والمشغلين والمطورين مع تقديم الحلول المبتكرة والمرنة في العملية الإنتاجية، للوصول إلى أعلى معدلات الكفاءة في الأداء وتقليل الأعباء الخاصة بمصروفات الإنتاج.
وصرح الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو السعودية»، أمين ناصر، في مؤتمر عقد في الدوحة، بأنه يأمل في أن يرى أسعار النفط متوازنة في بداية العام المقبل مع بدء إمدادات النفط غير التقليدية في الانخفاض. وذلك يبرهن على أن دول «أوبك»، وبخاصة الخليج، لن تقبل على موازنة الأسعار إلا في حال ضمنت خروج النفط الصخري من المنافسة.
وفي إشارة إلى أن إنتاج الولايات المتحدة قد تراجع، أظهرت بيانات شركة «بيكر هيوز» الأميركية أن عدد منصات الحفر العاملة في النفط والغاز في أميركا تراجع خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بنحو 31 منصة لتصل إلى 760 منصة.
وأثرت تحركات «أوبك» لخفض الأسعار بشكل مباشر على صناعة النفط الصخري الأميركي مع إغلاق أكثر من نصف منصات الحفر. واعتبارا من 5 ديسمبر الحالي انخفض العدد الكلي لمنصات النفط في أميركا الشمالية بنحو 61.6 في المائة عن العام الماضي. كذلك تراجع نشاط التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة بنحو 64.7 في المائة، والتنقيب عن الغاز انخفض بنحو 44.2 في المائة.
ووسط الاحتمالات المتزايدة بعودة الصادرات الإيرانية من النفط، وتمسك «أوبك» باستراتيجية عدم خفض الإنتاج، فضلاً عن استمرار إنتاج النفط الروسي بمستويات قياسية، فمن المتوقع أن يؤدي رفع الحظر عن تصدير النفط الأميركي إلى مزيد من التراجع في الأسعار وزيادة حدة المنافسة على الحصص السوقية. ذلك لأن رفع الحظر سيصب في اتجاه اتساع تخمة المعروض، خصوصا أن الخام الأميركي يستهدف أسواق غرب أوروبا، بما يؤثر ذلك على مسارات النفط الروسي ونفط «أوبك».
والنفط الرخيص يثير القلق في أسواق المال الأميركية بشأن صحة الاقتصاد العالمي وأرباح الشركات. ذلك بعد أن قضى التراجع في أسعار النفط على ربع قيمة الأسهم في قطاع الطاقة بمؤشر (S&P 500)، وفقدت الأسهم الفردية مثل «تشيسابيك للطاقة» (CHK)، وجنوب الطاقة (SWN) نحو 80 في المائة من قيمتها في عام 2015.

* الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.