تلاحم سعودي ـ سوري في المعرض الفني «نخل وسنديان»

الفنانان دنيا صالح الصالح ووليد محمود في محترف «أوتيل أكواريوم» ببيروت

التشكيلية السعودية دنيا صالح الصالح والنحات السوري وليد محمود
التشكيلية السعودية دنيا صالح الصالح والنحات السوري وليد محمود
TT

تلاحم سعودي ـ سوري في المعرض الفني «نخل وسنديان»

التشكيلية السعودية دنيا صالح الصالح والنحات السوري وليد محمود
التشكيلية السعودية دنيا صالح الصالح والنحات السوري وليد محمود

وسط حضور ثقافي وإعلامي لبناني وعربي مميز، افتتح الفنانان التشكيلية السعودية دنيا صالح الصالح والنحات السوري وليد محمود، معرضهما «نخل وسنديان» في محترف «أوتيل أكواريوم» في المعاملتين (شمال بيروت)، برعاية التجمع الوطني للثقافة والبيئة والتراث.
بعد حفل الاستقبال، جرى قص شريط الافتتاح وجال الحضور في أرجاء الصالة التي ضمت لوحات ومنحوتات متنوعة. وفي المناسبة، ألقيت كلمات لكل من رئيس التجمع أنطوان أبو جودة، والشاعر والنحات السوري أحمد إسكندر، وتليت كلمة الشاعر أدونيس صديق العائلة، ثم كلمة الناقدة الفنانة هدى العمر، وتحدث شيخ النحاتين الفنان ميشال صقر، وأخيرا كلمة الفنان وليم حسواني.
النحات وليد محمود شكر الحضور على دعمهم ومساندتهم لهذا المعرض العربي، وكذلك شكرت الفنانة دنيا الصالح الأصدقاء والأهل الذين حضروا من بلدان عدة للمشاركة في الحدث. وقدم التجمع دروعا للفنانين وليد محمود وعقيلته دنيا الصالح. بينما أهدى النحات محمود ثلاث منحوتات صنعها خصيصا كلمسة وفاء لمن رافقه في مسيرته، وهم الشاعر أدونيس، والشاعر النحات أحمد إسكندر، وميشال عون، الذي لم يلتق به من قبل، لكنه نحت تمثالا عنوانه «طائر الفينيق».
ونوه النحات ميشال صقر بأعمال النحات وليد محمود قائلا: «كلنا كنحاتين جريئون، لكنك الأكثر جرأة وجنونا»، ثم ألقى الشاعر وليم حسواني قصيدة من وحي المعرض والأعمال الفنية.
ومن كلمة الشاعر أدونيس التي ألقيت نيابة عنه في المعرض حول أعمال النحات وليد محمود: «.. ليس حجر أومفالوس في دلفي. ليس الحجر الذي سيختزن الظهيرة، أعلى الهرم الكبير. ليس حجرا كريما من ماس أو ياقوت أو زمرد، ولم يأت من السماء ولم تقذفه الشمس، لكنه حجر الإضاءة القصوى، التي لن تقبل النقصان. هذا الحجر الأوغاريتي الصغير، هذا الحجر الحي الذي كان نائما ويستيقظ الآن بين يديك».
أما الفنان أحمد إسكندر فقال: «كثيرة هي الأسئلة ومريرة حين نكتب عن الجسد ولا نكتب بالجسد، كما يفعل وليد محمود في منحوتاته التي قد تكون العتبة التي تعدنا بالإجابات الشافية».
وعن رؤية الناقدة والفنانة التشكيلية هدى العمر قال: «.. يتبين لنا التجربة الجمالية الخيالية الشاملة في أعمال دنيا الصالح ابنة الرياض، تجربة إبداعية تميزت بتحريف وتبديل العناصر والأشكال، محاولة بذلك الكشف عن عالم آخر خلاق لا يخضع لنظرية الحكم على الأشياء، ولا ينتمي إلى جنس أو بيئة أو زمان، بقدر الوصف والتعبير المتميز وشدة الإحساس الوجداني الذي نلمسه في شخوص جسدتها الفنانة، تارة في معاناة باستخدام ألوان قاتمة تبرز الحالة الوجدانية، معتمدة على الجذب الوجداني في التكوين، فالإنسان لديها إما وحيد وسط حشود جماهيرية، أو في عالم لا يعيشه إلا بمفرده حاملا على أكتافه كونا آخر يجوب في أجوائه باحثا عن معالم العلوم والسلوك الإنسانية. كما نلمس أيضا في بعض موضوعات الفنانة دنيا الإحساس بقلة وجود خط الأفق الذي تغلبت عليه باستخدام الأشكال الهندسية لمحاولة وضع أسس ومقاييس تتعدى النظرة الواقعية المباشرة وخلق مبادئ تثير ذائقة المتذوق للتحليل والكشف عن غموض عالمها الجمالي. لوحات دنيا الصالح قد تذكرنا بنظرية أفلاطون التي تثبت أن الفن مصدره الإلهام أو وحي من عالم مثالي، وبهذا المفهوم نجد عالم دنيا التي أخذت من (النخلة) رمزا ترمز به لشخصها، فاختارت أن تزرع هذه النخلة على نهر بيروت. مناخ مختلف للنخلة ولكنه يدل على الفلسفة العميقة بأن ابنة الصحراء التي نشأت في ظل النخلة وتغذت على ثمارها قادرة على أن تطرح وتنمو وتثبت ذاتها في شتى بقاع الأرض».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».