لبنان يحتفي بـ«يوم المرأة العالمي» كما لم يفعل من قبل

في {يوم المرأة} .. المفوضية الأوروبية تطالب الدول الأعضاء بالمساواة في الأجور * احتفالات متنوعة في القاهرة والأقاليم

تمثال رملي للملكة اليزابيت الثانية للمثال سودرسان باتناك على شاطئ بوري على بعد 65 كيلومترا من بوبانسوار عاصمة ولاية اوريسا الهندية بمناسبة يوم المرأة العالمي (ا ف ب)
تمثال رملي للملكة اليزابيت الثانية للمثال سودرسان باتناك على شاطئ بوري على بعد 65 كيلومترا من بوبانسوار عاصمة ولاية اوريسا الهندية بمناسبة يوم المرأة العالمي (ا ف ب)
TT

لبنان يحتفي بـ«يوم المرأة العالمي» كما لم يفعل من قبل

تمثال رملي للملكة اليزابيت الثانية للمثال سودرسان باتناك على شاطئ بوري على بعد 65 كيلومترا من بوبانسوار عاصمة ولاية اوريسا الهندية بمناسبة يوم المرأة العالمي (ا ف ب)
تمثال رملي للملكة اليزابيت الثانية للمثال سودرسان باتناك على شاطئ بوري على بعد 65 كيلومترا من بوبانسوار عاصمة ولاية اوريسا الهندية بمناسبة يوم المرأة العالمي (ا ف ب)

واحدة من أطرف الطرق التي ابتكرها اللبنانيون للاحتفال بيوم المرأة العالمي، هي تلك المبادرة التي قام بها ثلاثة شبان، وهم سماح الحكيم، وسمار، ووجيد الحتي.. فقد لبس كل منهم حذاء نسائيا بكعب عال، وهم بكامل هندامهم الرجالي أي بالبدلة وربطة العنق، وجالوا في أحد مولات منطقة ضبية (شمال بيروت)، يوم الأربعاء الماضي، في لفتة منهم إلى ما تعانيه المرأة وهي تلبس حذاء بكعب يقيد حريتها. وقد أطلق على الحملة اسم «لأنها امرأة بحترما من راسا إلى كعب رجليها».
ولم يكتف الظرفاء الثلاثة لتسجيل تضامنهم مع المرأة، بهذه النزهة المبتكرة، لافتين الأنظار، بل سجلوا شريطا قصيرا يوثق تجوالهم هذا، مصحوبا بموسيقى وأغنية، وجرى نشره على موقع «Uf Chou Laziz» على «يوتيوب»، مصحوبا بكلمة تقول «نهدي هذا الفيلم إلى كل أم وأخت وزوجة وخطيبة وصديقة وإلى كل النساء المذهلات في لبنان والعالم أجمع»، وأضافت الكلمة أنه «بعد أن عين موضوع (الإلهام للتغيير) لليوم العالمي للمرأة هذا العام، أصدرنا هذا الفيديو لتشجيع النهوض بالمرأة في شتى المجالات ولتعزيز المساواة في الحقوق».
ولم يسبق للبنان أن احتفى بيوم المرأة العالمي كما هذا العام، فغالبا ما كان يمر هذا اليوم باحتفالات بسيطة، وغالبا مطلبية، لكن الظروف هذا العام جاءت مأساوية ومستفزة مما دفع المجتمع المدني إلى تحركات كثيرة، وكل من يستطيع أن يساهم سيكون له اليوم حصة. فقد شهدت الشهور الماضية، عددا كبيرا من الجرائم التي ارتكبها أزواج بحق زوجاتهم، وأسماء القتيلات باتت شهيرة لكثرة ما تتداول. وتجهد الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة لحث مجلس النواب اللبناني على المصادقة على قانون يحمي المرأة من العنف الأسري من دون جدوى، كما تطالب اللبنانيات المتزوجات من غير لبنانيين منذ سنوات بإعطاء أزواجهن وأولادهن الجنسية اللبنانية وليس من يستمع لهن، كما أن السياسيين يديرون ظهرهم لمطلب هذه الجمعيات بالكوتا النسائية أثناء الانتخابات.
المطالب كثيرة وحياتية، وتتراكم، والجرائم ترتكب بوتيرة متسارعة صارت تهز وجدان المجتمع، وتجعل صم الآذان بمثابة التستر على القتلة. لهذا فإن جمعية «كفى عنفا واستغلالا»، تنظم اليوم مسيرة تحت عنوان «إذا بدها شارع للتشريع.. نازلين!»، تشارك بها النساء المحتجات، والمطالبات بقانون يحميهن من العنف الأسري.
وجاء في الدعوة إلى المسيرة: «ماتت كريستال أبو شقرا، وقبلها منال العاصي، وقبلهما فاطمة بكور، ورولا يعقوب، ومالكة، وآديل.. واللائحة تطول بأسماء كان لها وجوه وحيوات ورغبات وأحلام ومخاوف أمست غبارا لحظة قرر هو ذلك. لحظة قرر أن يقتلها ولم يردعه أحد. هو اليوم مستعد لقتلنا مرة أخرى، واحدة تلو الأخرى، بعد أن يهددنا، ويسممنا، ويشدنا من شعرنا، ويسحلنا أرضا، ويمزق ثيابنا، ويرهق أجسادنا، ويزهق أرواحنا، داخل بيوت ألفت التهديدات الأمنية الخطيرة حتى قبل أن يتعرف الشارع عليها». وتضيف جمعية «كفى» في بيانها «كل ذلك ولا مجلس التأم لأجلنا، حتى بعدما مدد لنفسه بحجة تحصين الأمن في البلاد، بينما أمننا داخل منازلنا عرضة للاهتزاز بين لحظة ولحظة، والخوف من فقدان الأمهات والأخوات والصديقات والجارات والغريبات يقضم عظامنا يوميا».
تنطلق مسيرة النساء التي ستضم الكثير من الرجال، ظهر اليوم، من المتحف الوطني وصولا إلى قصر العدل. ويشارك فيها فنانون، كل على طريقته، حيث يجري البدء بعرض مسرحي لـ«فرقة زقاق» يحمل اسم «ناس بسمنة وناس بزيت» الذي يمثل في مطلعه موكبا لجنازة وزواج، ويدين في نصه السلوكيات الذكورية التي باتت جحيما للنساء، مستفيدا من قصص حقيقية وموثقة تعرضت لها نساء، وكن ضحاياها.
وجدير بالذكر أن المحطات التلفزيونية اللبنانية تشارك بدورها بفاعلية، واهتمت البرامج باستضافة نساء ناجحات للإضاءة على تجاربهن، وأخريات تعرضن للظلم للتعريف بأحوالهن، وبالمناسبة جرت استضافة أمهات النساء الضحايا اللواتي قتلن على أيدي أزواجهن، وأطلقت الإعلامية منى أبو حمزة، من خلال برنامجها «حديث البلد»، نداء إلى المحامين في لبنان للتكفل بالمرافعة في قضية الضحية رولا يعقوب التي أطلق سراح زوجها، وتحوم شبهات قوية حول تزوير في التقارير الطبية التي جرى الاستناد إليها في قضيتها.
ويشهد لبنان إلى جانب المسيرة أنشطة مختلفة، ومحاضرات وعروض أفلام، وورشات عمل بعضها تنظمها مراكز ثقافية غربية، وأخرى جمعيات محلية.
وفي القاهرة تنظم اليوم مديرية الشباب والرياضة تحت رعاية المهندس خالد عبد العزيز وزير الشباب والرياضة بالتعاون مع اللجنة الأولمبية المصرية احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة بالملعب الفرعي باستاد القاهرة. يحضر الاحتفالية السفيرة ميرفت التلاوي، رئيس المجلس القومي للمرأة، وعدد كبير من سيدات المجتمع المصري، والمستشار خالد زين رئيس اللجنة الأولمبية المصرية، وجميع عضوات لجنة المرأة باللجنة الأولمبية المصرية.
يتضمن الاحتفال باقة من الفقرات الفنية والرياضية المتنوعة، منها مهرجان رياضي للمشي وبعض اللعبات الخفيفة، كما سيشهد عروضا فنية لفرق الفنون الشعبية ثم ندوة تثقيفية عن الرياضة والمرأة.
تبدأ الاحتفالية في الحادية عشرة صباحا باستاد القاهرة الرياضي ويشارك في فقراتها أكثر من 300 سيدة وفتاة من مراكز الشباب والأندية ومديريات الشباب والرياضة بالقاهرة.
من جهتها، تحتفل المؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدي باليوم العالمي للمرأة، من خلال تنظيم يوم متنوع للتوعية بصحة المرأة. ويتميز اليوم بالطابع الصحي والمعرفي والترفيهي، حيث يشتمل على العديد من الأنشطة للجمهور والأطفال، منها محاضرة توعية بصحة الثدي يقدمها الدكتور محمد شعلان رئيس المؤسسة، وفحص طبي مجاني لأورام الثدي، واستشارات للتغذية من خبراء تغذية، وفقرات لممارسة رياضة الزومبا، وأنشطة ترفيهية وأيروبيكس راقص للأطفال.
وقال الدكتور محمد شعلان رئيس المؤسسة: «حين تشخص سيدة بمرض سرطان الثدي، فإن تأثير هذا التشخيص لا يقتصر عليها، وإنما يمتد ليشمل أسرتها وأصدقاءها وجميع المحيطين بها». وأضاف شعلان أن المؤسسة المصرية تغتنم مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة وتسعى جاهدة لتجميع الناس حول هدف واحد، وتوفير المعلومات ووسائل الدعم النفسي إلى جانب إطلاق حملات لتحسين الرعاية الصحية.
وقال شعلان إننا نحاول في هذه المناسبة ربط نضال النساء مع المرض بنضالهن في خدمة قضايا الوطن في شتى المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية.
وتنظم ساقية عبد المنعم الصاوي الثقافية احتفالا موسعا باليوم العالمي للمرأة، يبدأ من صباح اليوم (السبت)، ويتضمن العديد من الفعاليات من موسيقى ورقص الزومبا وجيتار وبعض أغاني الروك والبوب، ومشاركات من المؤسسات المختلفة الداعمة لحياة أفضل.
ويتضمن الاحتفال مائدة مستديرة حول واقع المرأة ودورها في الثورة المصرية، في ضوء التحولات التي تطرأ على المجتمع، يتحدث فيها كل من: منة عبد المنعم الصاوي مديرة الساقية، والدكتورة هالة يوسف مقرر المجلس القومي للسكان، والسفيرة منى عمر أمين عام المجلس القومي للمرأة، والدكتورة أميمة إدريس أستاذة النساء والتوليد بطب قصر العيني. كما يتحدث عن رؤيتهم للمرأة ودورها في حياتهم، عدد من الشخصيات العامة منهم الدكتور حسام بدراوي أستاذ النساء والتوليد بطب قصر العيني، والدكتور عمرو حسن مدرس النساء والتوليد بطب قصر العيني.
وتتنوع الاحتفالات في الإسكندرية ومعظم أقاليم مصر، وتتسم بطابع سياحي ترفيهي وحفلات غناء في مدن شرم الشيخ والغردقة، والساحل الشمالي غرب القاهرة. وفي بروكسل قال مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات)، إن 40 في المائة من الفتيات في دول الاتحاد الأوروبي أكملن تعليمهن العالي، مقارنة بنسبة 32 في المائة من الرجال خلال عام 2012، كما بلغت نسبة من ترك التعليم والتدريب مبكرا 10.9 في المائة من الفتيات مقابل 14.4 في المائة من الشبان.
واختلفت النسبة بين دولة وأخرى في دول التكتل الموحد البالغ عددها حاليا 28 دولة، فمثلا وصلت النسبة في البرتغال لـ14.3 في المائة من الفتيات مقابل 27.1 في المائة من الأولاد، بينما وصلت في إسبانيا لـ20.8 في المائة للفتيات مقابل 28.8 في المائة بين الشبان. وقلت النسبة في دول أخرى مثل النمسا، حيث بلغت بين الفتيات 7.3 في المائة وبين الشبان 7.9 في المائة.
وأظهرت الأرقام الأوروبية أن أصغر الفوارق بين الرجال والنساء بعد الانتهاء من التعليم العالي كانت في النمسا وألمانيا ولوكسمبورغ. وبشكل إجمالي فقد وصلت نسبة النساء اللاتي حصلن على التعليم العالي في الاتحاد الأوروبي في عام 2012 إلى 39.9 في المائة. وتتراوح أعمارهن بين 30 و34 سنة، بينما وصلت النسبة بين الرجال لـ31.5 في المائة وفي نفس المرحلة السنية. ولوحظت النسب الأعلى في الفوارق في دول مثل إستونيا ولاتفيا وسلوفينيا والدنمارك، بينما قلت النسبة في النمسا وألمانيا ولوكسمبورغ.
كما اختلفت مجالات الدراسة اختلافا كبيرا بين النساء والرجال في دول الاتحاد الأوروبي. وتفوقت النساء بشكل كبير في دراسة الهندسة. وقالت المفوضية الأوروبية ببروكسل إن المساواة بين الرجل والمرأة هي حق أساسي من المبادئ التأسيسية للاتحاد الأوروبي تماما مثل الحق في المساواة في الأجور المنصوص عليها في المعاهدات التأسيسية منذ عام 1957. وأشار بيان للمفوضية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة إلى أن أوروبا حققت تقدما كبيرا في مسألة المساواة بين الجنسين، حيث قامت على مدار نصف قرن بتطوير القوانين التي تضمن المساواة في الأجر عن نفس العمل وأيضا المساواة في مكان العمل والحصول على الحقوق الأخرى مثل إجازة الأمومة، وأصبحت المبادئ التأسيسية للاتحاد واقعا ملموسا في الحياة اليومية للأوروبيين. ولكن مع ذلك يعترف الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي بأن بعض الاختلافات لا تزال موجودة، ويتعين على أوروبا أن تواصل سعيها لتحقيق كامل المساواة خلال السنوات المقبلة. واعتمدت المفوضية توصية تطالب الدول الأعضاء بتحسين الشفافية في الأجور بين النساء والرجال ومحاولة سد الفجوة في الأجور بين الجنسين، ويتعين على الدول الأعضاء أن تقدم للمفوضية تقريرا عن الإجراءات التي اتخذتها لتنفيذ تلك التوصيات بحلول نهاية عام 2015.
وقال نائب رئيس المفوضية الأوروبية فيفيان ريدينغ «لا ينبغي أن تحصل المرأة على مقابل مادي أقل من الرجل، ولا بد من قدر أكبر من الشفافية، وسد الفجوة في الأجور بين الجنسين، ونأمل أن تأخذ الدول الأعضاء بهذا التحدي، وتسعى إلى تغيير ما هو معروف من حصول المرأة على أجر أقل من الرجل».
وعلى صعيد الدول الأعضاء، قال مركز المساواة بين الجنسين في بلجيكا، إن دخل الرجل شهريا يزيد على دخل المرأة بمقدار 250 يورو.
وتشكل المرأة 45 في المائة من قوة العمل في البلاد كما تشغل السيدات مراكز قيادية في العمل بنسبة 34 في المائة والباقي للرجال.
ويشكل الفرق بين أجر المرأة والرجل ما يصل إلى ثلاثة مليارات و587 مليون يورو في العام لصالح الرجل، ولكن البعض يرجع ذلك إلى وجود عدد كبير من النساء لا يعملن الوقت الكامل ويشكلن 45 في المائة من عدد النساء العاملات.
ويصل الفرق بين أجر الرجل والمرأة في الساعة إلى 10 في المائة لصالح الرجل في بعض القطاعات، بينما يصل إلى أرقام أخرى في قطاعات مختلفة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».