لبنان يحتفي بـ«يوم المرأة العالمي» كما لم يفعل من قبل

في {يوم المرأة} .. المفوضية الأوروبية تطالب الدول الأعضاء بالمساواة في الأجور * احتفالات متنوعة في القاهرة والأقاليم

تمثال رملي للملكة اليزابيت الثانية للمثال سودرسان باتناك على شاطئ بوري على بعد 65 كيلومترا من بوبانسوار عاصمة ولاية اوريسا الهندية بمناسبة يوم المرأة العالمي (ا ف ب)
تمثال رملي للملكة اليزابيت الثانية للمثال سودرسان باتناك على شاطئ بوري على بعد 65 كيلومترا من بوبانسوار عاصمة ولاية اوريسا الهندية بمناسبة يوم المرأة العالمي (ا ف ب)
TT

لبنان يحتفي بـ«يوم المرأة العالمي» كما لم يفعل من قبل

تمثال رملي للملكة اليزابيت الثانية للمثال سودرسان باتناك على شاطئ بوري على بعد 65 كيلومترا من بوبانسوار عاصمة ولاية اوريسا الهندية بمناسبة يوم المرأة العالمي (ا ف ب)
تمثال رملي للملكة اليزابيت الثانية للمثال سودرسان باتناك على شاطئ بوري على بعد 65 كيلومترا من بوبانسوار عاصمة ولاية اوريسا الهندية بمناسبة يوم المرأة العالمي (ا ف ب)

واحدة من أطرف الطرق التي ابتكرها اللبنانيون للاحتفال بيوم المرأة العالمي، هي تلك المبادرة التي قام بها ثلاثة شبان، وهم سماح الحكيم، وسمار، ووجيد الحتي.. فقد لبس كل منهم حذاء نسائيا بكعب عال، وهم بكامل هندامهم الرجالي أي بالبدلة وربطة العنق، وجالوا في أحد مولات منطقة ضبية (شمال بيروت)، يوم الأربعاء الماضي، في لفتة منهم إلى ما تعانيه المرأة وهي تلبس حذاء بكعب يقيد حريتها. وقد أطلق على الحملة اسم «لأنها امرأة بحترما من راسا إلى كعب رجليها».
ولم يكتف الظرفاء الثلاثة لتسجيل تضامنهم مع المرأة، بهذه النزهة المبتكرة، لافتين الأنظار، بل سجلوا شريطا قصيرا يوثق تجوالهم هذا، مصحوبا بموسيقى وأغنية، وجرى نشره على موقع «Uf Chou Laziz» على «يوتيوب»، مصحوبا بكلمة تقول «نهدي هذا الفيلم إلى كل أم وأخت وزوجة وخطيبة وصديقة وإلى كل النساء المذهلات في لبنان والعالم أجمع»، وأضافت الكلمة أنه «بعد أن عين موضوع (الإلهام للتغيير) لليوم العالمي للمرأة هذا العام، أصدرنا هذا الفيديو لتشجيع النهوض بالمرأة في شتى المجالات ولتعزيز المساواة في الحقوق».
ولم يسبق للبنان أن احتفى بيوم المرأة العالمي كما هذا العام، فغالبا ما كان يمر هذا اليوم باحتفالات بسيطة، وغالبا مطلبية، لكن الظروف هذا العام جاءت مأساوية ومستفزة مما دفع المجتمع المدني إلى تحركات كثيرة، وكل من يستطيع أن يساهم سيكون له اليوم حصة. فقد شهدت الشهور الماضية، عددا كبيرا من الجرائم التي ارتكبها أزواج بحق زوجاتهم، وأسماء القتيلات باتت شهيرة لكثرة ما تتداول. وتجهد الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة لحث مجلس النواب اللبناني على المصادقة على قانون يحمي المرأة من العنف الأسري من دون جدوى، كما تطالب اللبنانيات المتزوجات من غير لبنانيين منذ سنوات بإعطاء أزواجهن وأولادهن الجنسية اللبنانية وليس من يستمع لهن، كما أن السياسيين يديرون ظهرهم لمطلب هذه الجمعيات بالكوتا النسائية أثناء الانتخابات.
المطالب كثيرة وحياتية، وتتراكم، والجرائم ترتكب بوتيرة متسارعة صارت تهز وجدان المجتمع، وتجعل صم الآذان بمثابة التستر على القتلة. لهذا فإن جمعية «كفى عنفا واستغلالا»، تنظم اليوم مسيرة تحت عنوان «إذا بدها شارع للتشريع.. نازلين!»، تشارك بها النساء المحتجات، والمطالبات بقانون يحميهن من العنف الأسري.
وجاء في الدعوة إلى المسيرة: «ماتت كريستال أبو شقرا، وقبلها منال العاصي، وقبلهما فاطمة بكور، ورولا يعقوب، ومالكة، وآديل.. واللائحة تطول بأسماء كان لها وجوه وحيوات ورغبات وأحلام ومخاوف أمست غبارا لحظة قرر هو ذلك. لحظة قرر أن يقتلها ولم يردعه أحد. هو اليوم مستعد لقتلنا مرة أخرى، واحدة تلو الأخرى، بعد أن يهددنا، ويسممنا، ويشدنا من شعرنا، ويسحلنا أرضا، ويمزق ثيابنا، ويرهق أجسادنا، ويزهق أرواحنا، داخل بيوت ألفت التهديدات الأمنية الخطيرة حتى قبل أن يتعرف الشارع عليها». وتضيف جمعية «كفى» في بيانها «كل ذلك ولا مجلس التأم لأجلنا، حتى بعدما مدد لنفسه بحجة تحصين الأمن في البلاد، بينما أمننا داخل منازلنا عرضة للاهتزاز بين لحظة ولحظة، والخوف من فقدان الأمهات والأخوات والصديقات والجارات والغريبات يقضم عظامنا يوميا».
تنطلق مسيرة النساء التي ستضم الكثير من الرجال، ظهر اليوم، من المتحف الوطني وصولا إلى قصر العدل. ويشارك فيها فنانون، كل على طريقته، حيث يجري البدء بعرض مسرحي لـ«فرقة زقاق» يحمل اسم «ناس بسمنة وناس بزيت» الذي يمثل في مطلعه موكبا لجنازة وزواج، ويدين في نصه السلوكيات الذكورية التي باتت جحيما للنساء، مستفيدا من قصص حقيقية وموثقة تعرضت لها نساء، وكن ضحاياها.
وجدير بالذكر أن المحطات التلفزيونية اللبنانية تشارك بدورها بفاعلية، واهتمت البرامج باستضافة نساء ناجحات للإضاءة على تجاربهن، وأخريات تعرضن للظلم للتعريف بأحوالهن، وبالمناسبة جرت استضافة أمهات النساء الضحايا اللواتي قتلن على أيدي أزواجهن، وأطلقت الإعلامية منى أبو حمزة، من خلال برنامجها «حديث البلد»، نداء إلى المحامين في لبنان للتكفل بالمرافعة في قضية الضحية رولا يعقوب التي أطلق سراح زوجها، وتحوم شبهات قوية حول تزوير في التقارير الطبية التي جرى الاستناد إليها في قضيتها.
ويشهد لبنان إلى جانب المسيرة أنشطة مختلفة، ومحاضرات وعروض أفلام، وورشات عمل بعضها تنظمها مراكز ثقافية غربية، وأخرى جمعيات محلية.
وفي القاهرة تنظم اليوم مديرية الشباب والرياضة تحت رعاية المهندس خالد عبد العزيز وزير الشباب والرياضة بالتعاون مع اللجنة الأولمبية المصرية احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة بالملعب الفرعي باستاد القاهرة. يحضر الاحتفالية السفيرة ميرفت التلاوي، رئيس المجلس القومي للمرأة، وعدد كبير من سيدات المجتمع المصري، والمستشار خالد زين رئيس اللجنة الأولمبية المصرية، وجميع عضوات لجنة المرأة باللجنة الأولمبية المصرية.
يتضمن الاحتفال باقة من الفقرات الفنية والرياضية المتنوعة، منها مهرجان رياضي للمشي وبعض اللعبات الخفيفة، كما سيشهد عروضا فنية لفرق الفنون الشعبية ثم ندوة تثقيفية عن الرياضة والمرأة.
تبدأ الاحتفالية في الحادية عشرة صباحا باستاد القاهرة الرياضي ويشارك في فقراتها أكثر من 300 سيدة وفتاة من مراكز الشباب والأندية ومديريات الشباب والرياضة بالقاهرة.
من جهتها، تحتفل المؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدي باليوم العالمي للمرأة، من خلال تنظيم يوم متنوع للتوعية بصحة المرأة. ويتميز اليوم بالطابع الصحي والمعرفي والترفيهي، حيث يشتمل على العديد من الأنشطة للجمهور والأطفال، منها محاضرة توعية بصحة الثدي يقدمها الدكتور محمد شعلان رئيس المؤسسة، وفحص طبي مجاني لأورام الثدي، واستشارات للتغذية من خبراء تغذية، وفقرات لممارسة رياضة الزومبا، وأنشطة ترفيهية وأيروبيكس راقص للأطفال.
وقال الدكتور محمد شعلان رئيس المؤسسة: «حين تشخص سيدة بمرض سرطان الثدي، فإن تأثير هذا التشخيص لا يقتصر عليها، وإنما يمتد ليشمل أسرتها وأصدقاءها وجميع المحيطين بها». وأضاف شعلان أن المؤسسة المصرية تغتنم مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة وتسعى جاهدة لتجميع الناس حول هدف واحد، وتوفير المعلومات ووسائل الدعم النفسي إلى جانب إطلاق حملات لتحسين الرعاية الصحية.
وقال شعلان إننا نحاول في هذه المناسبة ربط نضال النساء مع المرض بنضالهن في خدمة قضايا الوطن في شتى المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية.
وتنظم ساقية عبد المنعم الصاوي الثقافية احتفالا موسعا باليوم العالمي للمرأة، يبدأ من صباح اليوم (السبت)، ويتضمن العديد من الفعاليات من موسيقى ورقص الزومبا وجيتار وبعض أغاني الروك والبوب، ومشاركات من المؤسسات المختلفة الداعمة لحياة أفضل.
ويتضمن الاحتفال مائدة مستديرة حول واقع المرأة ودورها في الثورة المصرية، في ضوء التحولات التي تطرأ على المجتمع، يتحدث فيها كل من: منة عبد المنعم الصاوي مديرة الساقية، والدكتورة هالة يوسف مقرر المجلس القومي للسكان، والسفيرة منى عمر أمين عام المجلس القومي للمرأة، والدكتورة أميمة إدريس أستاذة النساء والتوليد بطب قصر العيني. كما يتحدث عن رؤيتهم للمرأة ودورها في حياتهم، عدد من الشخصيات العامة منهم الدكتور حسام بدراوي أستاذ النساء والتوليد بطب قصر العيني، والدكتور عمرو حسن مدرس النساء والتوليد بطب قصر العيني.
وتتنوع الاحتفالات في الإسكندرية ومعظم أقاليم مصر، وتتسم بطابع سياحي ترفيهي وحفلات غناء في مدن شرم الشيخ والغردقة، والساحل الشمالي غرب القاهرة. وفي بروكسل قال مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات)، إن 40 في المائة من الفتيات في دول الاتحاد الأوروبي أكملن تعليمهن العالي، مقارنة بنسبة 32 في المائة من الرجال خلال عام 2012، كما بلغت نسبة من ترك التعليم والتدريب مبكرا 10.9 في المائة من الفتيات مقابل 14.4 في المائة من الشبان.
واختلفت النسبة بين دولة وأخرى في دول التكتل الموحد البالغ عددها حاليا 28 دولة، فمثلا وصلت النسبة في البرتغال لـ14.3 في المائة من الفتيات مقابل 27.1 في المائة من الأولاد، بينما وصلت في إسبانيا لـ20.8 في المائة للفتيات مقابل 28.8 في المائة بين الشبان. وقلت النسبة في دول أخرى مثل النمسا، حيث بلغت بين الفتيات 7.3 في المائة وبين الشبان 7.9 في المائة.
وأظهرت الأرقام الأوروبية أن أصغر الفوارق بين الرجال والنساء بعد الانتهاء من التعليم العالي كانت في النمسا وألمانيا ولوكسمبورغ. وبشكل إجمالي فقد وصلت نسبة النساء اللاتي حصلن على التعليم العالي في الاتحاد الأوروبي في عام 2012 إلى 39.9 في المائة. وتتراوح أعمارهن بين 30 و34 سنة، بينما وصلت النسبة بين الرجال لـ31.5 في المائة وفي نفس المرحلة السنية. ولوحظت النسب الأعلى في الفوارق في دول مثل إستونيا ولاتفيا وسلوفينيا والدنمارك، بينما قلت النسبة في النمسا وألمانيا ولوكسمبورغ.
كما اختلفت مجالات الدراسة اختلافا كبيرا بين النساء والرجال في دول الاتحاد الأوروبي. وتفوقت النساء بشكل كبير في دراسة الهندسة. وقالت المفوضية الأوروبية ببروكسل إن المساواة بين الرجل والمرأة هي حق أساسي من المبادئ التأسيسية للاتحاد الأوروبي تماما مثل الحق في المساواة في الأجور المنصوص عليها في المعاهدات التأسيسية منذ عام 1957. وأشار بيان للمفوضية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة إلى أن أوروبا حققت تقدما كبيرا في مسألة المساواة بين الجنسين، حيث قامت على مدار نصف قرن بتطوير القوانين التي تضمن المساواة في الأجر عن نفس العمل وأيضا المساواة في مكان العمل والحصول على الحقوق الأخرى مثل إجازة الأمومة، وأصبحت المبادئ التأسيسية للاتحاد واقعا ملموسا في الحياة اليومية للأوروبيين. ولكن مع ذلك يعترف الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي بأن بعض الاختلافات لا تزال موجودة، ويتعين على أوروبا أن تواصل سعيها لتحقيق كامل المساواة خلال السنوات المقبلة. واعتمدت المفوضية توصية تطالب الدول الأعضاء بتحسين الشفافية في الأجور بين النساء والرجال ومحاولة سد الفجوة في الأجور بين الجنسين، ويتعين على الدول الأعضاء أن تقدم للمفوضية تقريرا عن الإجراءات التي اتخذتها لتنفيذ تلك التوصيات بحلول نهاية عام 2015.
وقال نائب رئيس المفوضية الأوروبية فيفيان ريدينغ «لا ينبغي أن تحصل المرأة على مقابل مادي أقل من الرجل، ولا بد من قدر أكبر من الشفافية، وسد الفجوة في الأجور بين الجنسين، ونأمل أن تأخذ الدول الأعضاء بهذا التحدي، وتسعى إلى تغيير ما هو معروف من حصول المرأة على أجر أقل من الرجل».
وعلى صعيد الدول الأعضاء، قال مركز المساواة بين الجنسين في بلجيكا، إن دخل الرجل شهريا يزيد على دخل المرأة بمقدار 250 يورو.
وتشكل المرأة 45 في المائة من قوة العمل في البلاد كما تشغل السيدات مراكز قيادية في العمل بنسبة 34 في المائة والباقي للرجال.
ويشكل الفرق بين أجر المرأة والرجل ما يصل إلى ثلاثة مليارات و587 مليون يورو في العام لصالح الرجل، ولكن البعض يرجع ذلك إلى وجود عدد كبير من النساء لا يعملن الوقت الكامل ويشكلن 45 في المائة من عدد النساء العاملات.
ويصل الفرق بين أجر الرجل والمرأة في الساعة إلى 10 في المائة لصالح الرجل في بعض القطاعات، بينما يصل إلى أرقام أخرى في قطاعات مختلفة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».