ترامب.. مرشح الكراهية

تهرب من حرب فيتنام.. ورفض تأجير شقق عماراته السكنية للسود

ترامب.. مرشح الكراهية
TT

ترامب.. مرشح الكراهية

ترامب.. مرشح الكراهية

منذ أن أعلن ملياردير العقارات دونالد ترامب ترشيحه لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الجمهوري في الصيف الماضي، أثار كثيرًا من التعليقات، والانتقادات، واتهامات بالعنصرية، والنازية، والشيفونية. قال إن المهاجرين غير القانونيين من المكسيك «يغتصبون النساء»، وإن السيناتور الجمهوري جون ماكين لم يكن بطلاً في حرب فيتنام، بل كان «هاربًا»، وإن «صحافيًا يعمل مع صحيفة (نيويورك تايمز) قصير ومختل العقل». لكن، كانت أكبر هجمات ترامب على المسلمين. في البداية، دعا إلى تسجيل المسلمين في أميركا. ثم دعا إلى منع دخولهم أميركا.
من هو دونالد ترامب؟ وما هو أصل اسم «ترامب»؟ وهل أسس إمبراطورية عقارات، أو ورثها من والده؟ ولماذا يستعمل كلمات وعبارات نابية؟ ولماذا يؤيده عدد كبير من الجمهوريين؟
دونالد ترامب: «رجل أعمال أميركي، ملياردير، مستثمر، مؤلف، مقدم برامج تلفزيونية، رئيس مجموعة شركات ترامب، مؤسس فنادق ومتنزهات ومصايف، وكازينوهات قمار، وشخصية غير عادية في نمط حياته، وصراحة كلامه.. وأفاده كل هذا في مسعاه ليترشح لرئاسة الولايات المتحدة».
ولد وتربى ولا يزال يعيش في نيويورك. وعمره سبعون عاما تقريبا.
تعود جذور والده إلى ألمانيا. وهو رابع خمسة إخوة وأخوات. الآن، واحدة من أخواته قاضية اتحادية في نيويورك، والثانية مسؤولة كبيرة في بنك «تشيز مانهاتن» في نيويورك. ويدير أخ شركة العقارات في مجموعة شركات ترامب. وتوفي الباقون.
حسب كتاب «آل ترامب: ثلاثة أجيال بنت إمبراطورية» (كتبته الصحافية غويندا بلير)، هاجر والد والده إلى أميركا من ألمانيا. ويعود اسم «ترامب» إلى «درامف»، عائلة ألمانية عريقة اشتهرت بزراعة العنب وصناعة النبيذ. في الوقت الحاضر، على صفحته في «تويتر»، يكتب اسمه «دونالد درمف» (وليس دونالد ترامب).
في عام 1885، هاجر الجد، فريدرتش درمف من ألمانيا إلى أميركا. ومثلما سيفعل ابنه، ثم حفيده، تخصص في الاستثمار في مجالات الفنادق والمطاعم. وذهب إلى الساحل الغربي ليلحق ببقايا «الغزو الذهبي». (في الصيف الماضي، عندما ترشح دونالد ترامب لرئاسة الجمهورية، قال تلفزيون «سي بي سي» في كندا، إن جده تنقل على طول الساحل الغربي لكندا، وللولايات المتحدة، وكان يملك «مطاعم، وفنادق، ومؤاخير، ومنازل دعارة).
في عام 1995، بعد عشر سنوات في الدنيا الجديدة، نال الجد الجنسية الأميركية، بعد أن غير اسمه من «فردرتش درمف» إلى «فريدريك ترامب».
لكن، مثل ابنه وحفيده، كان الجد مثار نقاش ومغالطات. ليس فقط بسبب استثماراته، ولكن، أيضا، بسبب سلوكه، خاصة مطاردة النساء. بالإضافة إلى سمعة إدارة منازل دعارة. في عام 1902، أفلس وعاد إلى ألمانيا. وتزوج ألمانية. لكن، اعتقلته حكومة ألمانيا بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية (قبل ذلك بعشرين عاما تقريبا). وفي وقت لاحق، أطلقت سراحه، وطردته من ألمانيا.
عندما عاد إلى نيويورك مع زوجته، عاد مفلسا، وعمل حلاقا. لكنه، في آخر سنوات عمره، عاد إلى الفنادق والمطاعم. وعندما توفي عام 1918، ترك فندقا صغيرا، «فندق ترامب»، وتولى ابنه واسمه، أيضا، فريدريك ترامب (والد دونالد) إدارته.
وكانت تلك بداية إمبراطورية آل ترامب. نجح والد دونالد نجاحا كبيرا. وعندما توفي، ترك ثروة قيمتها 300 مليون دولار تقريبا. وهذا، عكس ما يفتخر دونالد ترامب، لم يبدأ من الصفر. وان نجح في توسيع الإمبراطورية التي بناها والده. وطبعا، تربى تربية شبه أرستقراطية. ودرس في مدارس خاصة. غير أنه، حسب زملائه في ذلك الوقت، كان مناكفا، وحتى والده قال ذلك (الآن، صار واضحا أنه استمر كذلك). في نهاية ستينات القرن الماضي، عندما جاء وقت التجنيد الإجباري لحرب فيتنام (كان عمره 22 عاما)، تهرب (لكنه، حتى اليوم، عندما تطارده أسئلة الصحافيين والمواطنين، يصر على أنه استثني استثناءً قانونيا).
في عام 1982، ظهر ترامب على غلاف مجلة «تايم»، بعد أن اشتهر بنجاحاته. كان اشترى فندق «كومودور» العريق في نيويورك، وحوله إلى فندق «غراند حياة»، واحد من أهم فنادق نيويورك. في ذلك الوقت، قالت مجلة «تايم» إن سجل ترامب في نيويورك ليس ناصعا. وذلك لأنه كان يرفض تأجير شقق عماراته السكنية للسود. وفعلا، رفعت وزارة العدل قضية ضده، واضطر لأن يدفع غرامة، ويتعهد باحترام قانون المساواة في السكن (كان أصدره الكونغرس قبل ذلك بعشر سنوات).
في عام 1988، اشترى ترامب كازينو تاج محل للقمار في اتلانتيك سيتي (ولاية نيوجيرسي). وفي عام 2001، بنى «مركز ترامب العالمي» (بالقرب من مركز التجارة العالمي الذي دمرته هجمات 11 سبتمبر (أيلول) في نفس العام. لكن، لم يصب مركز ترامب بأي أذى.
في بداية هذا العام، قدرت مجلة «فوربس» (لرجال الأعمال) ثروة ترامب بثمانية مليارات دولار (خلال حملته الانتخابية، ينتقد المجلة، ويقول إن ثروته أكثر من عشرة مليارات دولار).
حسب صحيفة «بوسطن غلوب»، توجد اليوم 515 شركة ومؤسسة ومكانا وإنتاجا يحمل اسم «ترامب»، ويملكها دونالد ترامب. منها: «ماء ترامب»، و«سيارات ترامب»، و«مقررات ترامب التعليمية»، و«أطعمة ترامب»، و«مراتب ومخدات وملاءات ترامب».
حتى الاستثمارات التي فشلت، تظل عالقة بأذهان بعض الناس: «خطوط طيران ترامب»، و«فودكا ترامب»، و«لحوم ستيك ترامب»، و«جامعة ترامب»، و«لعبة ترامب»، (يقلده اللاعبون في شركاته واستثماراته).
في ذكاء واضح، اتجه ترامب نحو «الاستثمارات الشعبية» (المجالات الرياضية والفنية). اشترى فريق «جنرالز» لكرة القدم في ولاية نيوجيرسي. ونادي «دونبيرغ» للغولف في آيرلندا. وفندق «تيرنبيري» في اسكوتلندا.
وفي مجال المهرجانات الفنية، اشترى شركات منافسات ملكة جمال الولايات المتحدة، وملكة جمال العالم، وملكة جمال مراهقات الولايات المتحدة. (في الصيف الماضي، بعد أن شن ترامب حملة عنصرية شعواء ضد المهاجرين من أميركا اللاتينية، ألغى تلفزيون «إن بي سي» عقده مع ترامب بنقل منافسات ملكة جمال العالم).
وفي مجال السينما والتلفزيون، ظهر ترامب في أفلام سينمائية مثل: «هوم الون» (وحيدا في المنزل). وقدم مسلسلات تلفزيونية، مثل: «ابرينتيس» (التلميذ) الذي كان يدرب فيه الشباب على فنون الاستثمار.
مثل والده، ومثل جده، تورط في علاقات غرامية ومطاردات النساء. في عام 1977، تزوج عارضة الأزياء إيفانا (مهاجرة من تشيكوسلوفاكيا)، ثم صادق الممثلة ماريا مابلز، ثم طلق إيفانا، ثم تزوج ماريا (بعد أن حملت منه، وولدت بنتا)، ثم صادق عارضة الأزياء كارا يونغ، ثم طلق ماريا، ثم صادق عارضة الأزياء ميلانا كناوس (مهاجرة من سلوفينيا)، ثم تزوجها (بعد أن حملت منه).
في الوقت الحاضر، وصل عدد المرات التي تزوج فيها ترامب إلى خمس مرات، ووصل عدد أولاده وبناته منهن إلى سبعة، ووصل عدد الأحفاد والحفيدات إلى عشرة (خمسة من أكبر أبنائه، دونالد ترامب الثاني، الذي يبلغ عمره خمسة وأربعين عاما، ويعتبر المدير الحقيقي لإمبراطورية والده).
في كتاب مذكراته الأول: «فن العودة (بعد أن كادت إمبراطوريته أن تنهار)»، قال إنه يحب النساء «مثلما لا أحب شيئا آخر»، وافتخر بكثرة زوجاته وعشيقاته. وكشف أنه حاول أن يصادق الأميرة البريطانية ديانا، بعد أن طلقها الأمير تشارلز. لكنها رفضته.
وفي كتاب مذكراته الثاني: «فن الصفقات»، قال إنه «مسيحي قوي، لكنى لست متدينا». ونفى وجود خلفية ألمانية يهودية عنده. لكنه قال إن بنته ايفانكا (من أمها إيفانا) تزوجت يهوديا. وقال: «ليس جدودي يهودا، لكن أحفادي يهود».
بالإضافة إلى كتابي «فن العودة» و«فن الصفقات»، ألف عشرة كتب أخرى. منها: «فن النجاح» و«كيف تصير غنيا» و«كيف تفكر مثل مليونير» و«لماذا نريد أن نكون أغنياء» و«لمسة ميداس: من يغنى ومن لا يغنى».
في الصيف، كعادة كل المرشحين لرئاسة الجمهورية، أصدر كتابا يساعده في حملته الانتخابية: «أميركا المقعدة، كيف نعالجها؟».
بالإضافة إلى أول مواجهة مع القانون في سبعينات القرن الماضي، عندما اتهم بأنه رفض إيجار شقق عماراته السكنية إلى السود، دخل ترامب في مواجهات قانونية أخرى كثيرة. خاصة بسبب استراتيجيته الاستثمارية التي صارت تسمى «الدونالد» (يغامر، ويشتري بقرض، ودون مقدم. في مرات كثيرة، كانت هذه الاستراتيجية سبب إعلانه الإفلاس (ثم الخروج من الإفلاس):
في عام 1991، أعلن إفلاس كازينو تاج محل في اتلانتيك سيتى (ولاية نيوجيرسي).
في عام 1992، أعلن إفلاس فندق ترامب بلازا في نيويورك.
في عام 1998، أعلن إفلاس شركة «طيران ترامب».
في عام 2004، أعلن إفلاس شركة «ترامب ريسورتز».
في عام 2009، أعلن إفلاس شركة «ترفيه ترامب».
في كل مرة من هذه المرات، كان ترامب يذهب إلى المحاكم للدفاع عن نفسه بسبب دعاوى بنوك أو مؤسسات استثمارية. وفي مرات كثيرة، اتهمه قضاة بأنه يغامر مغامرات متطرفة.
وذهب ترامب إلى المحاكم مرات كثيرة أخرى عندما رفع قضايا ضد صحافيين كتبوا تقارير، أو أصدروا كتبا، تتهمه بالفساد. منها قضية ضد الصحافي تيموثي أوبراين، مؤلف كتاب: «أمة ترامب: فن أن تكون مثل دونالد».
يوم الخميس الماضي، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرا عن ترامب تحت عنوان: «وراء الفوضى.. استراتيجية». قالت فيه إنه، خيرا أو شرا، خطأ أو صوابا، نجاحا أو فشلا، زوجا أو عشيقا، يظل يسير على طريق «الانتظام والمنهجية». منذ البداية وحتى الوقت الحاضر. ويظهر ذلك في تصريحاته السياسية، التي «تبدو غوغائية، لكنها منتظمة». ويظهر، أكثر في تغريداته في صفحته في موقع «تويتر» (خمسة ملايين متابع). يكتب الرأي، وفي اليوم التالي يضمنه في خطبه السياسية وتصريحاته للصحافيين:
أولا: كتب أن المهاجرين المكسيكيين «يغتصبون النساء (البيضاوات)».
ثانيا: كتب عن بطولة السيناتور جون ماكين في حرب فيتنام بأنه «بطل لأنه هرب».
ثالثا: كتب أن «آلاف المسلمين» في ولاية نيو جيرسي هللوا عندما دمرت الهجمات الإرهابية مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 2001. (رغم عدم وجود أي دليل على ذلك، رفض أن يصوب نفسه).
رابعا: كتب عن هيلاري كلينتون أنها «ليست قوية، وليست مصممة» لتكون رئيسة للولايات المتحدة. (اعتبر كثير من الناس أن هذه إساءة لأنها امرأة).
خامسا: كتب عن ريك باري، حاكم ولاية تكساس: «يحتاج إلى نظارات جديدة حتى يقدر على أن يرى الجرائم التي يرتكبها المهاجرون غير القانونيين».
وفي «منهجية وانتظام»، يكتب: «سأتكلم اليوم في تلفزيون (إيه بي سي) السادسة والنصف مساء»، و«الآن فزت في ولاية أيوا».
منذ أن أعلن ترشيح نفسه في يونيو (حزيران) الماضي، كتب أكثر من ستة آلاف تغريدة في «تويتر» (كل يوم، ثلاثين تقريبا).
حسب صحيفة «واشنطن بوست»، لا يوجد تصويب أو اعتذار في تغريداته. بما في ذلك منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة. مؤخرا، غرد عن ردود الفعل: «شيء غريب، يوم مدهش. يرفض كثير من الأغبياء الاعتراف بخطر بعض الذين يأتون إلى وطننا».
يوم الخميس الماضي، في استطلاع مشترك لتلفزيون «سي بي إس» وصحيفة «نيويورك تايمز»، قالت نسبة ثمانين في المائة من الأميركيين إنهم يتوقعون مزيدا من الهجمات الإرهابية قريبا. هذه أعلى من نسبة الذين قالوا ذلك بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001.
لهذا، ربط الاستطلاع بين الخوف من الإرهاب وزيادة شعبية ترامب. وقالت نسبة 40 في المائة إنهم «متأكدون جدا» من أن ترامب سيكون أحسن رئيس يواجه الإرهاب. وهذه النسبة أعلى كثيرا من نسب منافسيه. وتظل نسبة التأييد وسط الجمهوريين أعلى أيضا: 35 في المائة (تيد كروس الثاني بنسبة 16 في المائة).
يوم الجمعة الماضي، في استطلاع وكالة «بلومبيرغ» الصحافية، قالت نسبة ثلثي الجمهوريين إنهم يؤيدون دعوة ترامب بمنع دخول المسلمين الولايات المتحدة. وقال الثلث الباقي إنهم ربما سيؤيدونه (يعنى هذا أن كل الجمهوريين تقريبا يؤيدون منع دخول المسلمين).
في الأسبوع الماضي، في استطلاع أجراه معهد «بروكنغز» في واشنطن، قالت نسبة 37 في المائة من الأميركيين إن نظرتهم إلى الإسلام «إيجابية» (61 في المائة قالوا «سلبية»). لكن، قبل خمس سنوات، كانت نسبة «إيجابية» أعلى بعشر نقاط (47 في المائة).
وقال شبلي تلحمي، أستاذ في المركز وأيضا في جامعة ماريلاند، والذي أشرف على الاستطلاع: «منذ هجمات 11 سبتمبر عام 2001، يظل الأميركيون يربطون بين الإرهاب والإسلام ربطا قويا».



ألمانيا تعيش هاجس التعايش مع مطامح ترمب وماسك

الزعيم الكندي جاستن ترودو يعلن أن لا رغبة لبلاده في أن تصبح ولاية أميركية (أ.ب)
الزعيم الكندي جاستن ترودو يعلن أن لا رغبة لبلاده في أن تصبح ولاية أميركية (أ.ب)
TT

ألمانيا تعيش هاجس التعايش مع مطامح ترمب وماسك

الزعيم الكندي جاستن ترودو يعلن أن لا رغبة لبلاده في أن تصبح ولاية أميركية (أ.ب)
الزعيم الكندي جاستن ترودو يعلن أن لا رغبة لبلاده في أن تصبح ولاية أميركية (أ.ب)

لم يدخل الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب البيت الأبيض بعد... ومع ذلك تعيش أوروبا منذ أسابيع على وقع الخوف من الزلزال الآتي. وكلما اقترب موعد الـ20 من يناير (كانون الثاني)، يوم تنصيب ترمب، يزداد منسوب القلق في القارة العجوز. منذ أشهر تعيش دول أوروبية على هوى تصريحات ترمب «غير المفهومة»، بوصف المستشار الألماني أولاف شولتس، وتغريدات إيلون ماسك، مالك منصة «إكس» والمغرد سراً في أذن الرئيس ترمب. وفي حين اختار قادة أوروبا «تجاهل» الملياردير الأميركي في البداية خوفاً من زيادة رصيده، سرعان ما بدأت الانتقادات له تتسارع. إذ ما كان في البداية مجرد تغريدات سطحية من أغنى رجل في العالم، تنتقد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وتدعم حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف في ألمانيا، تطور ليصبح «تدخّلاً مباشراً في السياسات الداخلية» بات يهيمن على الأخبار في الدولتين الأوروبيتين اللتين تحولتا عند ماسك إلى ما يشبه الهوس. وبدوره، أضاف ترمب إلى هذا الأرق، إطلاقه تصريحات حول ضم كندا وغرينلاند التابعة للدنمارك، إلى الولايات المتحدة. ثم يتبعها بما يبدو وكأنه بداية هجوم على الدول الأوروبية، وألمانيا خاصة، بمطالبته دول حلف شمال الأطلسي «ناتو» بزيادة الإنفاق العسكري من 2 في المائة (التي يوصي بها الحلف) من الناتج العام لكل دولة عضو إلى 5 في المائة.

لم تنسَ أوروبا، خاصة ألمانيا، الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترمب. فهي، ومستشارتها - آنذاك - أنجيلا ميركل، تحوّلتا إلى محط تركيز، بل «هدف» لترمب الذي دأب على توجيه انتقادات لا متناهية لميركل حول أي شيء وكل شيء... بدءاً من الإنفاق العسكري لألمانيا، مروراً بشراء الغاز من روسيا وتجارتها مع الولايات المتحدة... وصولاً إلى سياستها المتعلقة بالهجرة.

يومذاك، وجدت ميركل ذلك التركيز «من رئيس أميركي على مستشار ألماني مذهلاً»، بحسب وصفها في مذكراتها «حرية» التي نشرت في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بالتزامن مع فوز ترمب بولايته الثانية. إذ كتبت عن علاقتها في حينه بترمب بأنه كان باستطاعتها طمأنة نفسها بشعار «كلما زادت المعارضة، زادت الهيبة»، لكنها استنتجت لاحقاً أن «الفكاهة الساخرة لن تساعد كثيراً» وأن من واجبها «بذل كل المستطاع للحرص على علاقة مريحة بين بلدينا من دون الرد على الاستفزازات».

من ميركل إلى شولتس

قد يكون المستشار الألماني الحالي أولاف شولتس قد قرأ كتاب ميركل والتحدي الذي لاقته في التعامل مع ترمب أو لا. غير أنه من دون شك اختار أن يسلك طريقاً مختلفاً في التعامل مع الرئيس الأميركي. وهو عوضاً عن خيار «تجنّب الرد على الاستفزازات»، اختار المواجهة.

وفعلاً، خرج يوم الأربعاء ليقرأ بياناً دعا الصحافيين إليه قبل ساعة من دون تحديد الموضوع، وانتقد فيه تصريحات ترمب حول غرينلاند وكندا، وأعطاه درساً في القانون الدولي. ومن دون أن يسميه، تكلّم شولتس عن «تصريحات غير مفهومة نسمعها من الولايات المتحدة بالنسبة لي ولشركائي الأوروبيين» فيما يتعلق بمبدأ حرمة حدود الدول. وأضاف أن هذا المبدأ «الذي يشكل أساس القانون الدولي ينطبق على كل دولة، بغض النظر عما إذا كانت في شرقنا أو غربنا»، في إشارة إلى روسيا وحربها على أوكرانيا.

ولكن، مع أن شولتس أشار إلى مشاورات أجراها مع نظرائه الأوروبيين حول تصريحات ترمب، لم يخرج بعد أي زعيم أوروبي آخر، باستثناء الدنمارك، للرد على ترمب... على الأرجح تفاديا لتعقيد العلاقات أكثر قبل أن تبدأ.

وما صدر من ردود لاحقاً جاء في سياق أسئلة من صحافيين، ولم تكن ردوداً معدة مسبقاً. وهنا قد يكون سبب عدم تردد شولتس بانتقاد ترمب، أنه لم يعد لديه الكثير ليخسره، لأن أيامه في السلطة باتت معدودة. ومن شبه المؤكد أنه لن يعود مستشاراً بعد الانتخابات المبكرة التي ستجرى يوم 23 فبراير (شباط) المقبل، بل سيترك مهمة ترميم العلاقات مع واشنطن للمستشار القادم والمرجح أن يكون فريدريش ميترز، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي كانت تقوده ميركل.

«ليست تصريحات ترمب فقط التي تثير القلق الأوروبي، بل هناك أيضاً مواقف إيلون ماسك الذي يبدو أنه يركّز كامل اهتمامه على أوروبا»

القلق المتصاعد أوروبياً

في أي حال، ومع أن باقي الزعماء الأوروبيين لم يردوا بالشكل نفسه على تصريحات ترمب، كان واضحاً أن قلقهم يتصاعد. فقد علّق وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو على الموضوع عندما سئل بالقول: «من الواضح أن الاتحاد الأوروبي لن يدع أية دولة في العالم تعتدي على حدوده السيادية»، أما رئيسة وزراء الدنمارك ميته فريدريكسن فردت بالقول إن غرينلاند «ليست للبيع».

ولكن كلام ترمب ليس جديداً عن هذه الجزيرة الأكبر في نصف الكرة الأرضية الشمالي، والتي تتمتع بموقع استراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا. بل طرح الفكرة إبان فترته الأولى، ويومذاك رفضتها الدنمارك كذلك. وغرينلاند نفسها ترفض الدخول في النقاشات بين الدنمارك والولايات المتحدة حول مستقبلها، وقد عبر رئيس وزراء الجزيرة موتي إيغيدي عن ذلك بالقول: «غرينلاند لشعبها، ومستقبلنا وكفاحنا للحصول على الاستقلال هو من شأننا».

وسط هذا الجو، يأخذ المسؤولون الدنماركيون طرح ترمب جديَّاً، خاصة أنه رفض استبعاد استخدام القوة العسكرية لضم الجزيرة. وقد نقلت قناة الـ«سي إن إن» عن مسؤولين في الدنمارك أن ترمب «يبدو جاداً هذه المرة»، وقد يكون من الأفضل فتح نقاش صريح معه حول مستقبل غرينلاند عوضاً عن تجاهل كلامه. وبالفعل، لمح وزير الخارجية الدنماركي لوكي راسموسن قبل أيام إلى أن بلاده تريد فتح هذا النقاش مع إدارة ترمب لبحث كيف يمكن «زيادة التعاون أكثر لتأمين طموحات الولايات المتحدة». وللعلم للولايات المتحدة قاعدة عسكرية كبيرة في الجزيرة وثمة اتفاقية تعاون اقتصادي قديمة مع غرينلاند. ولكن طموح الجزيرة بالاستقلال عن الدنمارك قد يعرض الاتفاقيات مع الولايات المتحدة للخطر، خاصة إذا قررت الانسحاب من «الناتو» ووقعت تحت تأثير روسيا والصين.

كندا... وقناة بنما

من جهة ثانية، معلوم أن كلام ترمب «التوسعي» لا يقتصر على غرينلاند، بل يشمل أيضاً كلاً من قناة بنما وكندا، التي يكرّر أنها يجب أن تصبح الولاية الأميركية الـ51. ومع أن كلامه بدأ بمزحة أطلقها أمام رئيس الوزراء المستقيل جاستن ترودو عندما التقاه قبل بضعة أسابيع في منتجعه مارالاغو في ولاية فلوريدا، فإن تكرارها بدأ فعلاً يزعج الكنديين، ودفع المبعوث الخاص للعلاقات الكندية - الأميركية دومينيك لو بلان للقول: «المزحة انتهت!».

وهنا، مع أن كلام ترمب عن كندا قد يكون مزحة لكونه استبعد استخدام القوة العسكرية، فإن الاتجاه العام الذي يبدو بأن إدارته العتيدة ستسلكه في السنوات الأربع المقبلة، يثير مخاوف كثيرة وكبيرة.

إيلون ماسك... يخوض معارك قوى اليمين المتطرف في أوروبا (رويترز)

تدخّلات ماسك

بل، ليست تصريحات ترمب فقط التي تثير القلق الأوروبي، بل هناك أيضاً مواقف إيلون ماسك الذي يبدو أنه يركّز كامل اهتمامه على أوروبا، وبالذات بريطانيا وألمانيا. فمنذ أسابيع وهو يهاجم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وينعته بأوصاف دونية، ويدعوه للاستقالة. وبعدما قرر ستارمر تجاهله في البداية، لكنه رد لاحقاً بعد تزايد الضغوط الداخلية عليه في قضية الخليّة المؤلفة من رجال من أصول باكستانية اغتصبوا فتيات بريطانيات. إذ اتهمه ستارمر بنشر الأكاذيب واختلاق الأضاليل. ومع هذا، لم يرتدع ماسك، بل ضاعف هجومه على رئيس الوزراء البريطاني، داعياً حتى الملك تشارلز للتدخل وحلّ البرلمان وإقالة الحكومة، الأمر الذي يخالف الأعراف في بريطانيا، حيث يلعب الملك دوراً رمزياً ولا يتدخل في السياسات الحزبية.

في سياق متصل، نشرت صحيفة «الفاينانشيال تايمز» موضوعاً حول مساعي ماسك للإطاحة بستارمر قبل نهاية ولايته التي بدأها قبل أشهر قليلة. وذكرت الصحيفة أن ماسك ناقش «مع حلفاء له» إمكانيات التخلص من ستارمر كونه رئيس الحكومة، نقلاً عن أشخاص قالت إنهم اطلعوا على النقاشات. وتابعت أن النقاشات شملت كيف يمكن زعزعة استقرار الحكومة العمالية في بريطانيا بوسائل أبعد من مجرد نشر تغريدات على منصة «إكس» تنتقد رئيس الحكومة.

وأيضاً، نقلت عن أحد المطلعين على النقاشات قوله إن «وجهة نظر ماسك أن الحضارة الغربية نفسها في خطر». وإن ماسك مهتم بمساندة حركة سياسية بديلة في السياسة البريطانية من خلال دعم «حزب الإصلاح» اليميني الذي يقوده حالياً نايجل فاراج، وهو الذي اجتمع مراراً بماسك وقال إنه ناقش معه تبرعات مالية كبيرة لحزبه.

ولكن في الأيام الماضية، بدا أن ماسك ما عاد راضياً حتى عن فاراج، إذ كتب تغريدة دعا فيها لتغييره كزعيم للحزب، على الأرجح بسبب الخلاف حول تومي روبنسون، اليميني المتطرف البريطاني الذي يقبع في السجن، الذي يطالب ماسك بإطلاق سراحه بينما يلقبه فاراج بـ«المجرم».

فايدل زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف (أ.ب)

اهتمامات ماسك الألمانية

مع هذا، اهتمام ماسك الأكثر خطورة قد يكون ذلك الذي يبديه في سياسات ألمانيا الداخلية. وهو منذ أسابيع يتحمّس علناً لدعم حزب «البديل من أجل ألمانيا» المصنّف يمينياً متطرفاً إلى درجة أن كل الأحزاب الألمانية استبعدت فكرة التحالف معه بسبب تطرفه. وللعلم، تورط عدد كبير من أعضاء «البديل» بفضائح في السنوات الماضية لترويجهم لأفكار نازية، كما حوكم أحد قادة الحزب في شرق ألمانيا وأدين لاستخدامه شعارات وتعابير نازية محظورة.

ولكن بالنسبة لماسك، الذي دأب على مهاجمة المستشار الألماني، فإن حزب «البديل من أجل ألمانيا» هو الوحيد القادر على إنقاذ البلاد.

إنقاذها ممن تحديداً؟

ولكن الأرجح من اللاجئين والمهاجرين. إذ إن هذا الحزب المتطرف يروج لسياسات هجرة شديدة التطرف، ويدعو للخروج من الاتحاد الأوروبي الذي يعتبره أنه يقيد ألمانيا بقوانين تضرّها. ومع أن الحزب يحرص على تحاشي الترويج علناً لما قد يعدُّ مخالفاً للقوانين، شارك عدد من أعضائه في اجتماع سرّي نهاية عام 2023 ناقش ترحيل الملايين من ألمانيا، من المهاجرين... وحتى الألمان من أصول مهاجرة.