الجمهوريون والرقص السياسي على قضايا الإرهاب

هجمات باريس وكاليفورنيا الإرهابيتين دفعتا الناخبين بالحزب إلى اختبار مدى جدية المرشحين في محاربة التطرف

الجمهوريون والرقص السياسي على قضايا الإرهاب
TT

الجمهوريون والرقص السياسي على قضايا الإرهاب

الجمهوريون والرقص السياسي على قضايا الإرهاب

تدخل معركة ترشيحات الحزبين الجمهوري والديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية المقررة في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 بداية الاختبارات الجماهيرية على مستوى الولايات، اعتبارًا من شهر فبراير (شباط) المقبل في ولاية آيوا، وهي ولاية زراعية متوسطة الحجم تقع في المنطقة المعروفة تاريخيا بالغرب الأوسط إلى الغرب من ولاية إيلينوي (حيث تقع مدينة شيكاغو). وحاليًا، بينما تبدو وزيرة الخارجية و«السيدة الأولى» السابقة هيلاري كلينتون المرشحة الأوفر حظًا بوضوح في سباق المرشحين عن الحزب الديمقراطي، تزدحم ساحة الجمهوريين بالمرشحين الذين يشكك كثرة من المراقبين في أن يحافظ كل منهم على مواقعه خلال الأسابيع والأشهر الأولى من الحملة. والملاحظ خلال الفترة الماضية بروز مرشحَين من خارج الطبقة السياسية التقليدية نجحا عبر خطبهما المتطرفة والمثيرة للجدل في لفت الأنظار إليهما، وإكسابهما نسبة لا بأس من التأييد على حساب الساسة الجمهوريين التقليديين، ولا سيما من وجوه مجلسي الكونغرس وحكّام الولايات.

تتزايد سخونة الجدل السياسي في سباق معركة الرئاسة الأميركية مع وجود مرشح جمهوري يميني متطرف على غرار الملياردير دونالد ترامب، قادر على إثارة الجدل واختلاق المعارك، وتصدر عناوين الصحف وعناوين الأخبار بتصريحاته الاستفزازية التي تأتي أحيانا غبية تنم عن جهل وسطحية، وأحيانا غائبة عن الواقع، ناهيك بأنها في معظم الأحيان مسيئة وتتسم بالعنصرية الفظّة.
ولقد أطلق ترامب جولة جديدة من التصريحات المثيرة للجدل، مساء الاثنين خلال ملتقى انتخابي بولاية ساوث كارولينا، داعيًا إلى منع المسلمين كافة من دخول أراضي الولايات المتحدة. إذ قال ترامب الذي يتبوأ راهنًا مرتبة متقدمة في استطلاعات الرأي العام بين الجمهوريين: «أقول لكم إن دونالد ترامب يدعو لمنع تام وكامل للمسلمين من دخول الولايات المتحدة حتى يتسنى للمشرعين معرفة ما الذي يجري»، وذلك في إشارة إلى المنفذين المسلمين لجريمة سان برناردينو (بولاية كاليفورنيا) الذين يشتبه في تعاطفهم مع تنظيم داعش. وأضاف المرشح اليميني المثير للجدل: «لا يمكن لبلادنا أن تظل ضحية لهجمات بشعة يشنها أشخاص لا يؤمنون إلا بـ(الجهاد)، وليس لديهم أي احترام للحياة البشرية»، على حد زعمه.
ومن جهة ثانية، قال كوري ليفاندوفسكي، مدير حملة ترامب الانتخابية، إن «حظر دخول المسلمين (الذي ينادي به ترامب) للولايات المتحدة لا ينطبق فقط على الأجانب الذين يتطلعون للهجرة إلى الولايات المتحدة فحسب، بل ينطبق أيضًا على المسلمين القادمين كسياح». وادعى ليفاندوفسكي أن استطلاع رأي – أجراه مركز غير معروف – يشير إلى أن «ربع المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة يعتقدون أن العنف ضد الأميركيين هو جزء من (الجهاد) الإسلامي وله ما يبرّره!».
وحقًا، أعرب كثيرون من أنصار ترامب عن موافقتهم على اقتراحه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معبّرين عن المخاوف المتزايدة التي تنامت خلال الأسابيع الماضية من تهديدات «داعش» ضد الولايات المتحدة، وكذلك في أعقاب هجمات العاصمة الفرنسية باريس الدامية في الثالث عشر من نوفمبر الماضي، وفي أعقاب جريمة سان برناردينو الجماعية التي أسفرت عن مقتل 14 شخصًا.
غير أن هذه التصريحات ما كانت الأولى من نوعها على لسان ترامب، بل سبق لرجل الأعمال الملياردير أن دعا من قبل إلى «فرض رقابة» على المساجد، كما حث السلطات على إعداد قواعد بيانات بجميع المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة. مع هذا، ناقض ترامب نفسه وتراجع عن بعض تصريحاته خلال لقاء مع شبكة «سي إن إن» التلفزيونية عندما سئل عما إذا كان المسلمون يشكلون خطرًا على الولايات المتحدة، فأجاب أنه يعتقد أن المسلمين «شعب عظيم». وأردف: «أنا أحب المسلمين... أعتقد أنهم شعب عظيم». وكان قبل ذلك قد تراجع أيضًا عن تصريحات صدرت عنه حول إعداد قواعد البيانات بجميع المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، مُصرًا على أنها «كانت فكرة لأحد الصحافيين»، وهو بالتالي غير ملتزم بهذه الفكرة.
* آراء إزاء «التطرّف الإسلامي»
ومع العد العكسي لموعد المناظرة التلفزيونية المنتظرة بين مرشحي الحزب الجمهوري منتصف ديسمبر (كانون الأول) الحالي في مدينة لاس فيغاس لولاية نيفادا، أشارت التوقعات إلى جدل ساخن يحتدم بين المرشحين حول أي منهم يقدم «أفضل السياسات لمكافحة (التطرف الإسلامي)» و«أنجع الحلول لمكافحة (داعش) في إطار السياسة الخارجية»، وأفعل السبل لمنع تحول المسلمين داخل أميركا إلى متطرفين يقتلون الأبرياء» في إطار حماية الأمن القومي الأميركي.
والواضح أن المرشحين الجمهوريين المتنافسين يتأهبون للمزايدة ونيل بعضهم من بعض خلال المناظرة المرتقبة، بل ويعدون العدة للانقضاض على ترامب والتشهير بتصريحاته المسيئة للمسلمين في محاولة لكسب أصوات الجالية المسلمة من ناحية، وإظهار ترامب بمظهر الرجل المتعصّب غير المسؤول ما قد يؤدي إلى خفض شعبيته المتصاعدة بين الناخبين.
وبالفعل، هاجم عدد من المرشحين الجمهوريين تصريحات ترامب ورموه بتهمة «الافتقار إلى الخبرة». وقال كريس كريستي، حاكم ولاية نيوجيرسي: «هذا هو الشيء الذي يقوله شخص ليس لديه أي خبرة ولا يعرف عما يتحدث. نحن لسنا بحاجة إلى اللجوء إلى مثل هذا الأمر، بل ما يتعين علينا فعله هو زيادة أنشطة الاستخبارات، كما أننا أيضًا بحاجة إلى التعاون مع الأميركيين المسلمين المسالمين الذين يريدون إعطاءنا المعلومات الاستخباراتية عن أولئك المتطرفين». أيضًا انتقد جون كاسيك، حاكم ولاية أوهايو تصريحات ترامب معتبرًا أنها «تزيد من الانقسامات، وهي سبب كافٍ للقول إن ترامب لا يصلح لقيادة الولايات المتحدة».
وخارج مجموعة الساسة التقليديين، أكد المرشح بن كارسون، وهو طبيب الأعصاب المتقاعد الذي سبق له أن أصدر تصريحات سابقة ترفض وصول مسلم إلى منصب الرئاسة الأميركية، تمسكه بتسجيل ورصد تحركات كل زائر للولايات المتحدة بغض النظر عن ديانته، رافضًا الدعوة الانتقائية لدين واحد.
أما سيدة الأعمال كارلي فيورينا فرأت في تصريحات ترامب «رد فعل مبالغًا فيه، في مقابل رد الفعل البطيء للرئيس باراك أوباما». وأشارت إلى أن «ترامب يلعب على وتر المخاوف لدى الأميركيين».
وفي مطلق الأحوال، يشير المحللون إلى أن هذه النوعية من التصريحات غير المسؤولة من المرجح أن تعكّر صفو السباق الجمهوري للرئاسة وتضع الحزب الجمهوري أمام تحديات كبيرة، وتدفع خصوم ترامب من المرشحين الجمهوريين الآخرين إلى الانخراط في نقاشات حول إجراء اختبار إلى الخلفية الدينية لكل شخص راغب في الدخول إلى الولايات المتحدة.
* حسابات السباق
جدير بالذكر أنه في ظل ميل الجمهوريين الجلي إلى اليمين، يرى كل مرشح جمهوري طامح إلى تسليط الأضواء عليه كمرشح جدي أن يظهر بمظهر المرشح الأقوى في مسألة حماية الأمن القومي الأميركي والسياسة الخارجية. وعلى الرغم من تجربة كريس كريستي، حاكم نيوجيرسي، ولا سيما توليه منصب المدعي العام الاتحادي في قضايا الإرهاب بالولاية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وكذلك على الرغم من خبرة السيناتور ماركو روبيو (من ولاية فلوريدا) في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، فإن المخطط الاستراتيجي ستيف شميت يعتقد أن كل مؤهلات وخبرة المرشحين الجمهوريين الآخرين ما زالت لا تتفوق على ترامب في أذهان كثرة من الناخبين الجمهوريين.
وينبع نجاح ترامب حتى الآن، وفقًا للاستراتيجيين الجمهوريين، من التباين بين أسلوبه القوي مقابل أسلوب أوباما السلبي والهادئ في وجه الهجمات الإرهابية. كذلك يعكس ترامب الغضب والقلق الذي يشعر به كثيرون من الناخبين. ووفق شميت، «دائمًا يكون الرئيس الجديد رد فعل للرئيس الحالي، وبالتالي فعندما ينظر الناخبون إلى أوباما ويرون ضعفه وعجزه وتردده فإنهم يتطلعون إلى أمثال ترامب لرغبتهم في زعيم قوي لأن شخصية ترامب هي النقيض الحقيقي لشخصية أوباما».
أيضًا، على الرغم من الانتقادات الكثيرة التي وجهت إلى ترامب بسبب تصريحاته المثيرة للجدل، يستبعد بعض المحللين والخبراء أن تسفر عن انخفاض في تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي، وبالأخص في صفوف الناخبين الجمهوريين الذين تثبت النتائج خلال السنوات الأخيرة ميلهم أكثر فأكثر إلى اليمين وتبنيهم مواقف محافظة متشددة كالمواقف التي تعبر عنها جماعة «حفلة الشاي». ولعل هذا الواقع ما يذهب بعيدًا في تفسير ظاهرة احتفاظ رجل الأعمال الملياردير اليميني بالمرتبة الأولى في استطلاعات الرأي بين الجمهوريين لعدة أشهر، على الرغم من تصريحاته المتطرفة والعنصرية أحيانا.
* معركة آيوا
على صعيد آخر، يقول محللون آخرون إن تصريحات ترامب الخاصة بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة «سلاح جديد فعال» يستخدمه ترامب الآن ليستعيد موقعه في صدارة الاستطلاعات بين المتنافسين الجمهوريين في آيوا، بعدما أظهرت استطلاعات للرأي تراجعًا نسبيًا في نسبة التأييد الذي كان يتمتع به في هذه الولاية بالذات. إذ تشير بعض التقارير إلى تراجع ترامب في آيوا إلى المرتبة الثانية التي يتقاسمها مع السيناتور ماركو روبيو (من ولاية فلوريدا)، وتقدم السيناتور تيد كروز (من ولاية تكساس) إلى المرتبة الأولى. وحسب المراقبين والمحللين حقق السيناتور كروز تقدمه في آيوا بنتيجة كسبه تأييد ستيف كينغ، عضو مجلس النواب الأميركي عن الولاية، وهو يتمتع بنفوذ قوي مع تيار المحافظين في أوساط الحزبيين الجمهوريين بالولاية.
حتى اللحظة سجلت شعبية كروز في آيوا نسبة 24 في المائة من أصوات ناخبي الحزب الجمهوري في الانتخابات الحزبية، بينما يحظى ترامب بنحو 19 في المائة، يليه بفارق بسيط السيناتور روبيو بتأييد يبلغ 17 في المائة، ويأتي بعد هؤلاء بن كارسون بـ13 في المائة، في حين يحصل حاكم ولاية فلوريدا السابق جيب بوش (نجل الرئيس الأسبق جورج بوش الأب وشقيق الرئيس السابق جورج بوش الابن) على 6 في المائة، والسيناتور راند بول (ولاية كنتاكي) على 4 في المائة. ويتذيل القائمة كل من كارلي فيورينا وجون كاسيك بأقل من 3 في المائة لكل منهما.
آيمي ديفيدسون، المحللة السياسية، قالت أخيرًا معلقة إن ترامب دأب خلال الأشهر الستة الماضية على «إشاعة روح التعصّب على المسرح الرئيسي للسياسية الأميركية. ودعوته إلى الحظر الديني للراغبين في دخول الولايات المتحدة فكرة غير مسبوقة في التاريخ الأميركي وتتعارض مع القيم الأميركية والدستور الأميركي». وأشارت إلى أنه سبق لترامب إطلاق تصريحات مسيئة والتهجم على المكسيكيين في مستهل حملته الانتخابية، داعيًا إلى ترحيلهم من الولايات المتحدة وتشييد جدار فاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك. كذلك شن هجومًا ضد النساء وأدلى بتصريحات كانت مسيئة للمرأة، والآن انتقلت بوصلة تصريحاته إلى المسلمين.
* قضايا تشغل الناس
إلا أن بعض المحللين يعتقدون أن دونالد ترامب شخصية انتهازية أكثر منها شخصية متعصبة. ويذهب هؤلاء إلى حد القول إنه مستعد لقول أي شيء وفعل أي شيء لتحسين فرصه في استطلاعات الرأي قبل الأسابيع الأخيرة من التجمّعات الانتخابية للجمهوريين في آيوا خلال فبراير المقبل. وهو يعتقد أن تحقيق نتيجة طيبة في آيوا يؤمن لحملته قوة دفع مهمة، ويفرضه مرشحًا جديًا في حلبة الجمهوريين الذين تبين استطلاعات أجريت أخيرًا أن أحدًا منهم لن يتمكن – وفق الظروف والمعطيات الحالية طبعًا – من التغلب على هيلاري كلينتون إذا ما رشحها الحزب الديمقراطي رسميًا.
ويقول المحلل الاستراتيجي تيري كيسي إن من الواضح أن تصريحات ترامب تخلق كثيرا من الاهتمام لدى الناخبين، والملاحظ أنه تعمد في البداية تبني قضايا مثل الهجرة غير القانونية، ومن ثم انتقل بعدها إلى قضيا أخرى تشغل الناس مثل الأمن والسلامة ومكافحة التطرف.
أما صحيفة «بوليتيكو» فتقول إن الهجمات الإرهابية التي هزت باريس، وبعدها الحادث الإرهابي في سان برناردينو بكاليفورنيا، دفعت الناخبين الجمهوريين – الذين هم أساسًا من المحافظين – أكثر فأكثر إلى الرغبة في اختبار مدى صلابة المرشحين وجدية مواقفهم في مواجهة خطري «التطرف الإسلامي» و«الإرهاب».
وبناء عليه، يدرك ترامب وأمثاله من الطارئين على الساحة السياسية التقليدية، في قرارة نفوسهم، أنهم يفتقرون إلى الخبرة في ميدان السياسة الخارجية، كما أنهم لا يستطيعون كسب دعم قيادات مجربة ومحنكة تتمتع بالخبرة والفهم في المجالين الدولي والأمني. لا خيار أمامهم إلا الاستفادة من إطلاق مواقف صارمة وحازمة في مواجهة التطرف والإرهاب. وفعلاً، أشار استطلاع لشبكة «سي إن إن» خلال الأسبوع الماضي إلى أنه ينظر إلى ترامب على أنه أفضل المرشحين الجمهوريين أهلية للتعامل مع تنظيم داعش المتطرف، وكذلك مع ملف السياسة الخارجية!
على أي حال، يشتد الجدل منذ الآن حول مَن سيفوز بترشيح الحزب الجمهوري في معركة آيوا الحزبية خلال فبراير القادم، ومن سيتمكن ستشكل محطة هذه الولاية نقطة انطلاق مفيدة في المواجهات التمهيدية في الولايات الأخرى على امتداد البلاد وصولاً إلى المؤتمر الحزبي الكبير الحاسم. والسؤال الذي يفرض نفسه بلا شك هو: كيف ستكون معايير المنافسة؟ هل بإطلاق مزيد من التصريحات المستفزة وبث المخاوف ومشاعر الكراهية والعنصرية وأجواء الاستقطاب؟... واستطرادًا: هل يمكن أن يكون دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري لخوض سباق الرئاسة لعام 2016؟



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.