طرح 298 {حلمًا} لنجيب محفوظ.. لأول مرة

مشاهد قصيرة تتناول قضايا إنسانية تتعلق بالعدالة الاجتماعية والديمقراطية

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
TT

طرح 298 {حلمًا} لنجيب محفوظ.. لأول مرة

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

محاولة الاغتيال التي تعرض لها نجيب محفوظ دفعته إلى تقطير خبرته الإبداعية في مشاهد قصيرة أطلق عليها (أحلام فترة النقاهة) وهي أشبه بومضات بليغة وعميقة في تناول قضايا إنسانية أو هموم مصرية مثل العدالة الاجتماعية والديمقراطية.
وأدت طعنة سكين في عنق محفوظ - في أكتوبر (تشرين الأول) 1994 - إلى الحد من حركته وكان يتابع أمور الحياة عبر أصدقاء يقرأون له عناوين الصحف. كما قلصت من قدرته على الكتابة، فكان يملي «أحلام فترة النقاهة» على سكرتيره الحاج صبري محمود.
ونشرت (أحلام فترة النقاهة) مسلسلة في مجلة «نصف الدنيا» الأسبوعية، ثم صدرت عام 2005 في كتاب يضم 239 حلما. لكن الناشر المصري إبراهيم المعلم قال إن فاطمة وأم كلثوم ابنتي محفوظ أبلغتاه في مايو (أيار) 2015 بالعثور على «مخطوطات» أخرى للأحلام وهو ما اعتبره «كنزًا أدبيًا وثروة ثقافية يكشف عنها بعد تسع سنوات» على وفاة محفوظ عام 2006.
وأضاف في مقدمة «أحلام فترة النقاهة.. الأحلام الأخيرة» أن مخطوطات الأحلام الجديدة تم تدقيقها بالاستعانة «بالأصفياء والخبراء وبكل من شارك أحيانا في كتابة الأحلام». وانتهوا إلى أن محفوظ كتب أكثر من 500 حلم منها 298 حلمًا يضمها الكتاب الجديد الذي أصدرته دار «الشروق» بالقاهرة تزامنا مع الاحتفال بعيد ميلاد محفوظ في 11 ديسمبر (كانون الأول).
والناشر - الذي يحتكر منذ عشر سنوات طباعة أعمال الكاتب العربي الوحيد الفائز بجائزة نوبل للآداب عام 1988 - وصف (الأحلام الأخيرة) بأنها خلاصة تجربة محفوظ «وجوهر أدبه وفلسفته وإبداعه الرفيع».
ويقع الكتاب في 273 صفحة متوسطة القطع ويضم أيضا نصوص الأحلام مخطوطة.
وتتناول بعض الأحلام جوانب متخيلة عن الزعيم المصري سعد زغلول رمز ثورة 1919 الذي لم يحب محفوظ سياسيا مصريا كما أحبه. وجاء ذكر زغلول كزعيم مهيب في عدة روايات، منها «بين القصرين»، و«قصر الشوق»، و«السمان والخريف».
ويقول في الحلم 298 «رأيتني أسير في الظلام وشبح يتحرك هنا وآخر هناك فامتلأت رعبا. ولجأت إلى تمثال سعد زغلول فوثب الزعيم إلى الأرض وأيقظ الأسد الذي راح يزأر فإذا بالأشباح تختفي وإذا بالطمأنينة ترجع إلى صدري فشكرت الزعيم الجليل وعبرت الجسر في سلام»، في إشارة إلى جسر قصر النيل أقدم جسر أقيم على نهر النيل. ويقف تمثال زغلول في مواجهة أسدين من البرونز على جانبي الجسر من ناحية دار الأوبرا المصرية.
وكان محفوظ في أكثر من رواية أدان جوانب من سياسات الرئيس السابق جمال عبد الناصر في حياته، وبعد وفاته كتب محفوظ روايته «الكرنك» التي تحولت إلى فيلم شهير يدين الاعتقالات.
وفي الحلم 209 يتخيل محفوظ أنه قابل عبد الناصر فقال له: «لعلك تتساءل لماذا قلت مقابلاتنا. فأجبته بالإيجاب. فقال كلما شاورتك في أمر جاءت مشورتك بالاختلاف كليا أو جزئيا فخفت أن تتأثر صداقتي لك بهذا الموقف. فقلت أما أنا فلن تتأثر صداقتي لك مهما اختلفنا»، وهو ما يمكن اعتباره مصالحة من نجيب محفوظ الذي ظل متحفظا على تراجع الحريات في عهد عبد الناصر.
وكان محفوظ ينتصر في كتاباته للمعرفة ويحث على العلم النظري والتطبيقي انطلاقا من دراسته للفلسفة في كلية الآداب بجامعة القاهرة.
وفي روايته (أولاد حارتنا) يسجل ما يمكن أن يؤدي إليه العلم من «مصرع الطغيان ومشرق النور والعجائب» وهو السطر الأخير في الرواية.
وفي الحلم 268 يقول: «وجدتني بين جماعة من الأصدقاء وهم يعلنون نيتهم الهجرة ويدعونني للرحيل معهم. ولكني اعتذرت طبعا. وكان ثمة جماعة أخرى ترحل سنويا للمشاهدة والاعتبار وترجع أكثر معرفة ونفعا فانضممت إليها».
وللحب نصيب في الأحلام بحالاته وأنواعه وهو لا يتبرأ منه ولا يتعالى عليه كما في الحلم 413 الذي يقول نصه..
«رأيتني في أعقاب صلاة المغرب أناشد العزيز الرحيم أن يعفيني من هذا الحب فسمعت صوتا يقول لي وهل تحتمل الحياة بغير هذا الحب..».
وتقول سناء البيسي - التي نشرت الأحلام السابقة في مجلة «نص الدنيا» حين كانت رئيسة لتحريرها - إنها كانت أول من يقرأ «أحلام فترة النقاهة»، وتصفها بأنها «دفقة شفافية.. الاختزال الشديد الرفيق الذي ينزع الحراشيف ليبقي على الجوهر متلألئا ألقا».
وتقول في مقدمة الكتاب الجديد إن محفوظ ظل يكتب «لآخر أيامه»، وإنه بمصادفة عثور ابنتيه على المخطوطات أثناء إعادة ترتيب أوراقه بعد تسع سنوات على وفاته «يظهر الكنز. تتحرر الخبيئة من قيدها».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».