مهرجان شكر في السعودية لشاب أنقذ خمس معلمات من الموت

أمير القصيم اعتبره مفخرة للوطن.. ورجال محافظته احتشدوا لتكريمه

أمير منطقة القصيم الامير فيصل بن مشعل خلال تكريم الشاب السعودي عبد العزيز الحربي (واس)
أمير منطقة القصيم الامير فيصل بن مشعل خلال تكريم الشاب السعودي عبد العزيز الحربي (واس)
TT

مهرجان شكر في السعودية لشاب أنقذ خمس معلمات من الموت

أمير منطقة القصيم الامير فيصل بن مشعل خلال تكريم الشاب السعودي عبد العزيز الحربي (واس)
أمير منطقة القصيم الامير فيصل بن مشعل خلال تكريم الشاب السعودي عبد العزيز الحربي (واس)

تُعدّ حوادث السيارات التي تقع ضحيتها المعلمات السعوديات من أكثر العوامل المهددة لعمل المرأة في السعودية. ولمن يعيش خارج السعودية يلزم شرح المشكلة التي تواجه المعلمات السعوديات اللواتي يضطررن للعمل خارج المدن الرئيسية وللوصول لمقار عملهن في القرى البعيدة يعتمدن على استئجار سائقين لتوصيلهن، وفي العادة يشترك عدد منهن في سيارة واحدة ويتقاسمن راتب السائق. وأشارت دراسة بحثية حديثه إلى أن المعلمات السعوديات يتعرضن لحوادث مرورية ترتفع في مجملها عن معدل 6 في المائة (خلال بحث 3 سنوات).
وكانت آخر هذه الحوادث صباح الأحد الماضي، حيث اشتعلت مركبة تقل خمس معلمات بالنيران في منطقة عقلة الصقور (أحدث بلدة تحولت لمحافظة في غرب القصيم) في الطريق الرابط بين العاصمة الرياض والمدينة المنورة. ولكن لحسن حظ المعلمات في المركبة وجود شاب لم يتمم عامه الـ25، على الطريق المسفلت القريب من منزله في عقلة الصقور متجها إلى حيث المدرسة الثانوية الوحيدة في الفوارة لممارسة عمله معلما لمادة الرياضيات.
وتوالت الصدف في ذلك اليوم فاستيقظ عبد العزيز الحربي على غير عادته فجرًا، وأراد مكافأة جسده بالراحة عبر سلكه للطريق المعبد، بدلا من الطريق المعتاد، الذي يوفر عليه نحو 50 كيلومترًا. لكن يقظته المبكرة لم تكن صدفته الوحيدة التي تحتاج إلى قرار مختلف في ذلك الصباح، إذ رأى في الـ6:35 صباحا سيارة (من نوع «جي إم سي») منقلبة تتصاعد النيران من مقدمتها. وعلى جانب الطريق، رأى سيارة متهادية أخرى (تويوتا هايلوكس). وما كاد ذلك المعلم يتجاوز موقع الحادثة بأمتار عدة حتى سمع أصوات استغاثة نسائية، فاتجه المعلم الشاب نحو مصدر الأصوات، وهشم زجاج السيارة الخلفية وبدأ بإجلاء السيدات من السيارة المشتعلة. كانت حركته سريعة في سحب الأولى والثانية. ومن الداخل تجددت الاستغاثات، فسأل الناجيات عن أعداد رفيقاتهن. دخل وتأخر قليلاً حتى عاد بالثالثة إلى الرجل الذي تطوع معه في الخارج. مضى عليه وقت حتى أنقذ الرابعة العالقة داخل السيارة. خرج ذلك المنقذ إلى باب السائق، وحاول أن يعيد فعلة كسر الزجاج، لكنه وجد رجلا لا يتحرك ولا يتوجع. ودفعه اقتراب ألسنة اللهب من قمرة القيادة للاتجاه نحو السيارة الأخرى على جانب الطريق فأصابه الذهول من مشاهدة صديق له تحول إلى جثة هامدة شاخصة ببصرها للأعلى. يقول عبد العزيز الحربي: «تعرفت إلى ضحية الحادث بدر الحربي من النظرة الأولى. وكانت تلك المرة الأولى التي أشاهد خلالها رجلا صريع الموت. فلم أجد بين يديه أو على صدره أي إحساس بالنبض. أغلقت عينيه وترحمت عليه. وغادرت المكان فورًا».
وبما تبقى لديه من تركيز، هاتف معلم الفوارة صديقه بندر الحربي (شقيق الراحل) فوجد لديه الخبر بحاجة أخيه للنجدة من حادث مروري، وكان عبد العزيز يسعى إلى طمأنته، فقال له: «مررت بالحادث قبل قليل. ووجدت شقيقك بحال طيب. أما أنت، فتمهل للوصول إليه».
وبعد ساعات قلائل، انتشرت صور على مواقع التواصل حول عملية الإنقاذ، ووجد عبد العزيز نفسه أمام مهمة أخرى لسرد وقائع دوره في الحادث للمسؤولين ولوسائل الإعلام وإلى معارفه.
ما لم يكن ينتظره عبد العزيز الحربي، هو اتصال أمير القصيم الدكتور فيصل بن مشعل، وقال: «لن أنسى أنه قال لي: (فعلك يدعو للفخر بك كمواطن صالح)».
توالى مهنئوه، ابتداء من محافظ الرس الذي شكره كمواطن تابع لمناطقه الإدارية وكمنقذ لمعلمات كن يتجهن من الرس إلى عقلة الصقور، مرورا بممثلين للأمن. ثم نقلت إليه تهاني وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل عبر مكالمة هاتفية من وكيل الوزارة للشؤون التعليمية، قبل أن يبث وزير التعليم عبر حسابه الشخصي في «تويتر» صورة ذلك المعلم في إحدى تدويناته تحت وسم (معلم ينقذ خمس معلمات) وكتب إلى جوارها: «بارك الله فيك يا بني. أحييك على هذا العمل».
نال عبد العزيز الحربي شهرة كبيرة على أنه أنقذ خمس معلمات، رغم أنه يروي أن أعداد اللواتي أخرجهن من السيارة أربع سيدات فقط. وقال: «لم أرَ الخامسة، وربما سقطت من السيارة في لحظة الحادث الأولى».
واستمرارًا لتكريمه، طلب أمير القصيم من محافظ الرس أن يكون السبّاق في ذلك. فأقيم استقبال مبهر له داخل إمارة المنطقة بحضور عدد من المسؤولين التربويين في القصيم، يتقدمهم مدير عام تعليم المنطقة عبد الله الركيان، والمساعد التعليمي صالح الجاسر.
في اليوم التالي (الأربعاء)، اكتظ ديوان محافظ الرس بأكثر من مائة رجل، اجتمعوا للتعبير عن امتنانهم بالرجل المنقذ.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».