هدنة حي الوعر تخرج جبهة النصرة وتبقيه تحت سيطرة «الجيش الحرّ»

آخر الأحياء المحاصرة من قبل النظام بعد انسحاب ألفي عنصر من الفصائل بموجب تسوية

عائلة من سكان حي الوعر بحمص داخل حافلة تقلها خارج المدينة ضمن هدنة بين المعارضة والنظام للخروج من المنطقة (أ.ف.ب)
عائلة من سكان حي الوعر بحمص داخل حافلة تقلها خارج المدينة ضمن هدنة بين المعارضة والنظام للخروج من المنطقة (أ.ف.ب)
TT

هدنة حي الوعر تخرج جبهة النصرة وتبقيه تحت سيطرة «الجيش الحرّ»

عائلة من سكان حي الوعر بحمص داخل حافلة تقلها خارج المدينة ضمن هدنة بين المعارضة والنظام للخروج من المنطقة (أ.ف.ب)
عائلة من سكان حي الوعر بحمص داخل حافلة تقلها خارج المدينة ضمن هدنة بين المعارضة والنظام للخروج من المنطقة (أ.ف.ب)

خرج المئات من مقاتلي المعارضة السورية والمدنيين ظهر أمس من حي الوعر، آخر نقاط سيطرة الفصائل المسلحة في مدينة حمص في وسط سوريا، بموجب اتفاق توصلوا إليه مع ممثلين عن النظام بإشراف الأمم المتحدة يتضمن وقفا لإطلاق النار وفك الحصار.
وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأن 15 حافلة على الأقل انطلقت صباح أمس، من المدخل الشمالي الغربي لحي الوعر الذي حاصرته قوات النظام بشكل محكم منذ نحو ثلاثة أعوام. وقال مراسل الوكالة: «إن 10 حافلات بيضاء اللون أقلت مدنيين، معظمهم من النساء والأطفال وبينهم عائلات المقاتلين، وسمح لكل منهم بأخذ حقيبة معه، بالإضافة إلى خمس حافلات أخرى خضراء اللون أقلت العشرات من المقاتلين الذي احتفظ عدد منهم بسلاحهم الخفيف والمتوسط». وأشار إلى أن «من بين الركاب 15 جريحا على الأقل نقلتهم سيارات إسعاف إلى داخل الحافلات، ولم يسمح للصحافيين بالاقتراب من الحافلات أو التحدث إلى ركابها».
وواكبت الحافلات لدى انطلاقها 10 سيارات إسعاف تابعة للهلال الأحمر السوري و10 سيارات رباعية الدفع تابعة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى آليات تابعة للجيش السوري. وقال محافظ حمص طلال البرازي في تصريحات للصحافيين: «يقدر عدد المسلحين الخارجين بـ300 مسلح، بالإضافة إلى مائة عائلة، أي بحدود 400 امرأة وطفل وبعض المدنيين».
وأوضح البرازي أنه «بعد وقف إطلاق النار الناجح حتى الآن وخروج الدفعة الأولى من المسلحين، نحن بصدد تنفيذ المرحلة الأولى التي ستنتهي في نهاية الأسبوع المقبل».
المعارضة السورية قدّمت تفسيرًا مختلفًا لما جرى في حي الوعر، وأكدت أن الحي «لم يصبح تحت سيطرة النظام، وهو لا يزال بيد مقاتلي المعارضة». وقال سليم قباني عضو «تجمّع ثوار سوريا محافظة حمص»، أن «ما تمّ التوصل إليه هدنة إنسانية فقط، أحد بنودها إخراج المسلحين الرافضين للهدنة والمصابين وبعض العائلات إلى ريف حماه وريف إدلب».
وأكد قباني لـ«الشرق الأوسط»، أن «12 حافلة دخلت إلى حي الوعر صباح اليوم (أمس) ونقلوا بعض العائلات وكل المصابين والمقاتلين الذين رفضوا الهدنة، فيما لا يزال الثوار منتشرين على أطراف الحي وفي وسطه». ورأى أن «ما يحكى عن أن الحي بات تحت سيطرة النظام عارٍ من الصحة، وكل ما في الأمر أن الثوار التزموا بالهدنة الإنسانية ووقف إطلاق النار، ودخلت إلى الحي شاحنات محملة بخمسة آلاف حصة غذائية كل حصة تكفي عائلة مؤلفة من سبعة أشخاص».
وأضاف: «غالبية المقاتلين الموجودين الآن في حي الوعر هم من الجيش الحرّ ومن الفصائل المعتدلة وأبناء الحي الذين انشقوا عن جيش النظام والتحقوا بالثورة وبعض أبناء الحي الذي حملوا السلاح لحماية منطقتهم». ولفت قباني إلى أن «أغلب الذين خرجوا من الحي حتى المدنيين عبروا عن انزعاجهم لترك بيوتهم، لأنهم يرفضون تكرار تجربة حمص المحاصرة».
وعن عدد المقاتلين الذين غادروا والذين لا يزالون داخل الحي، أوضح أن «المقاتلين الذين خرجوا لا يتعدى عددهم الـ300، وهم ينتمون بمعظمهم إلى (جبهة النصرة) التي رفضت الاتفاق مع النظام، بينما لا يزال في الحي نحو خمسة آلاف مقاتل وعشرات آلاف المدنيين»، مؤكدًا أن «جوهر الاتفاق هو وقف إطلاق النار مقابل إدخال مواد غذائية للمحاصرين وتحسين الوضع المعيشي لسكان الحي، وكذلك تسليم بعض السلاح الثقيل الموجود في حوزة مقاتلي المعارضة، مثل الرشاشات الثقيلة من نوع 14.5 ومدافع الهاون».
وينص الاتفاق الذي تم التوصل إليه بإشراف الأمم المتحدة بين مقاتلي المعارضة والنظام السوري في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، على رحيل ألفي مقاتل ومدني من حي الوعر، مقابل فك الحصار وإدخال المساعدات الغذائية والإغاثية، بالإضافة إلى تسوية أوضاع المقاتلين الراغبين بتسليم سلاحهم، في إشارة إلى المقاتلين المحليين من أبناء الحي.
وفي شريط فيديو نشرته لجان التنسيق المحلية بعنوان «خروج المقاتلين الرافضين للتفاوض مع النظام وعدد من الجرحى مع عائلاتهم»، قال أحد المقاتلين الملتحين قبل صعوده إلى الحافلة: «أنا من حلب ونحن لا نتفاوض مع النظام، رغبنا بالخروج لنقاتل في الخارج»، مضيفًا: «في الوعر هناك مجاهدون وهم (قدها وقدود) بإذن الله».
وأكد ناشطون في حي الوعر لـ«الشرق الأوسط» أن «أغلب الذين خرجوا من الحي والبالغ عددهم 700 شخصًا، هم المصابون والمرضى وعائلاتهم، فيما رفض الكثير من الشباب الخروج من الحي رغم حالتهم الصحية السيئة». أما تنسيقيات الثورة السورية في الحي، فأشارت إلى أن «الدفعة الأولى التي غادرت عبر 14 حافلة نقل كبيرة برفقة سيارات إسعاف تابعة للهلال الأحمر السوري، ضمت 300 مقاتل و160 عائلة كانوا قد أخرجوا من حمص القديمة في هدنة عام 2013، إضافة إلى 25 حالة إنسانية ممّن يعانون شللاً تامًا نتيجة لقصف النظام».
إلى ذلك، أفادت وكالة «رويترز» بأن «الحافلات المحملة بمواطنين سوريين من بينهم عدد من مقاتلي المعارضة، غادرت حي الوعر في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء». وقالت: «تجمع الأطفال الموجودين في الحافلات المنتظرة حول الستائر المسدلة ليسترقوا النظر، بينما كان موظفو المساعدات يوزعون العصائر». وأوضحت أن «الحافلات توجهت إلى محافظة حماه لينزل من يريد من المقاتلين قبل أن تواصل طريقها إلى محافظة إدلب وهي معقل لمسلحين من بينهم مقاتلو جبهة النصرة».
ويعد حي الوعر غرب مدينة حمص، آخر الأحياء المحاصرة من قبل قوات النظام التي سيطرت على مجمل مدينة حمص منذ مايو (أيار) 2014، بعد انسحاب نحو ألفي عنصر من مقاتلي الفصائل من أحياء حمص القديمة بموجب تسوية تمت بعد عامين من الحصار والقتال، لتنحسر سيطرة الفصائل المعارضة وتتمركز في حي الوعر، مما عرض الحي وسكانه من المدنيين المقدر عددهم بـ75 ألف نسمة لقصف عنيف من قبل قوات النظام في ظل حصار خانق منذ مارس (آذار) 2013، تراوحت شدته بين جزئي وكامل، لكن الشهرين الأخيرين لم يعد يتوفر شيء حتى الخبز. وبدأت الأمم المتحدة مساعيها منذ نحو عام للتوصل إلى هدنة لإنقاذ المدنيين إلى أن استجاب النظام مؤخرا وسمح بإدخال بعض المساعدات.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.