«سيد الجماجم» تجربة مسرحية جديدة لفرقة «رموش» السعودية

تخرج عن المألوف وتعرض في مهرجان الصواري المسرحي بالبحرين

مشهد من مسرحية {سيد الجماجم}
مشهد من مسرحية {سيد الجماجم}
TT

«سيد الجماجم» تجربة مسرحية جديدة لفرقة «رموش» السعودية

مشهد من مسرحية {سيد الجماجم}
مشهد من مسرحية {سيد الجماجم}

يشهد مهرجان الصواري المسرحي للشباب بالبحرين في دورته التاسعة مشاركة فرقة «رموش» المسرحية بعرض مسرحي جريء بعنوان «سيد الجماجم»، نقل مخرجه معتز العبد الله الفضاء المسرحي خارج العلبة الإيطالية إلى حوض مائي تعوم فيه جمجمة مثقلة بالكثير من الحكايات والأفكار مثل الموت والعذاب والقهر والحب برفقة مجموعة من أسماك الزينة وبعض ثعابين البحر دون أن تعيق أداء الممثلين الذين يشاركونهم نفس الحوض والماء.
وكشف العبد الله عن أن العمل، الذي سيعرض يوم الأحد المقبل الموافق السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، يعتمد على «الصوضولونية» - توظيف الصوت والضوء واللون - بكل أبعادها وتحقيق درجة من الرمزية لجعل عناصر الاتصال متحققة من خلال تفاعل الجمهور مع العرض بحكم قربهم واحتكاكهم المباشر معه.
ومن جهته، أوضح إبراهيم الحارثي، مؤلف العمل، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «العرض يمثل حالة ممتزجة من حضور اللغة المنطوقة ولغة الجسد واللون والضوء، تناقش الحياة بكل أبعادها وتبحث بشكل دقيق فكرة التصالح مع الموت، وإمكانية مخاطبة الجامد للمتحرك وتحكم الميت في الحي، وتدفعنا للبحث عنا، مثيرة تساؤلات مثل: هل تستطيع الجماجم العبث بالفضاء؟ هل للموتى القدرة على استعادة الحياة بأي شكل؟».
وأضاف: «إن التجربة والكثافة في المشهدية البصرية كبيرة جدا في هذا العمل الديودرامي للممثلين وهيب ردمان ومعتز العبد الله الذي فضل أداء الدور بنفسه لحاجة الدور لممثل متمرس، والممثل في الأساس ليس سوى مخرج آخر يحاول قدر الإمكان أن ينتج العمل بذات الجمال الذي يحرص فريق العمل عليه».
وعن المسرح التجريبي، قال الحارثي: «إن المسرح عالم مهيأ للتجريب، لأنه منذ بداياته إلى نهضته وتطوره اعتمد كليا على التجريب، فما قدم في كل أنحاء العالم من أشكال مختلفة ما هو إلا سلسلة من التجارب الناجحة التي حققت نهضة مسرحية شاملة».
من الجدير بالذكر أن «سيد الجماجم» حقق ثلاث جوائز مسرحية ضمن منافسات مهرجان الدمام للعروض القصيرة كأفضل نص مناصفة، وأفضل سينوغرافيا لمعتز العبد الله ،وأفضل ممثل لوهيب ردمان بعد أن رسم أداء العرض في الحوض المائي تعابير مختلطة بين الدهشة والرعب على وجوه الحضور، بسبب خوفهم على الممثلين من جهة وبسبب اعتيادهم - من جهة أخرى - مشاهدة العروض المسرحية تؤدى على خشبة المسرح التقليدي الذي عرف بالعلبة الإيطالية منذ أن برز شكل المسرح المغلق من ثلاث جهات في مدينة بارما عام 1618م، بحسب الدكتور علي العنزي رئيس قسم النقد والأدب المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية ومقره الكويت.
وتضاف هذه الجوائز لرصيد فرقة «رموش» التي حصدت خمس عشرة جائزة مسرحية منذ تأسيسها عام 2002، في مسيرة شهدت تقديم العروض: «خلف السنين» و«شهد» و«عجرفة» و«ثري تو ون أكشن» و«سبع كفوف» و«النائمون» وغيرها من أعمال، غلب عليها التركيز على التجريب في السينوغرافيا والفضاء المسرحي ككل، مثل مسرحية «عجرفة» التي اعتمدت الفرقة في أدائها على التجريب في السينوغرافيا تمثل في تغيير أرض خشبة المسرح واستبدالها بالرمل، كما قدمت بعض التجارب الجريئة مثل مسرحية تراجيدية مونودرامية - يؤديها ممثل واحد - بعنوان «شهد» قامت بأدائها الطفلة نوره يوسف ذات التسع سنوات، وقدمت خلالها أداء قال عنه نضال العطاوي، المدير العام لمسرح الطفولة بمملكة البحرين: «إن أداء الطفلة نوره في مسرحية (شهد) يشكل طفرة في مسرح الطفولة، فقد تخطت مسرحيات الطفولة التي نراها، وأعتقد أني لم أشاهد مثل هذه المسرحية منذ 20 عاما». وأضاف: «إن تقنية الخطوات والحركة لدى الطفلة جيدة، لكن المؤثرات الصوتية ظلمت صوتها، حيث بذلت مجهودا رائعا في بعض المواقف الحزينة، والعرض شكل تجربة جريئة وذكية من طاقم العمل، كما أن الطفلة أوصلت الرسالة بشكل واضح ساهمت فيه سينوغرافيا العمل الممتازة والمؤثرات التي استخدمت بشكل صحيح».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».