مهرجان دبي السينمائي يفرش سجادته الحمراء

عبد الحميد جمعة لـ («الشرق الأوسط») : مهرجاننا يذهل العالم

مهرجان دبي السينمائي يفرش سجادته الحمراء
TT

مهرجان دبي السينمائي يفرش سجادته الحمراء

مهرجان دبي السينمائي يفرش سجادته الحمراء

تنطلق الدورة الثانية عشرة من مهرجان دبي السينمائي الدولي اليوم، التاسع من الشهر الحالي، وفي صدارتها 134 فيلمًا من أربعين دولة أو نحوها، من بينها قرابة 70 فيلما عربيا انضمت إلى موكبه قادمة من المنطقة الخليجية ومن الشرق المتوسط (لبنان، الأردن، سوريا، فلسطين) والشمال الأفريقي، عاكسة ذلك الاهتمام بمهرجان ما زال شابًا يسارع الخطى من دون تعب أو إخفاقات أو حتى هفوات تستحق التعليق.
رئيسه عبد الحميد جمعة، ومديره الفني مسعود أمر الله آل علي، ومديرته الإدارية شيفاني بانديا، قادوه من نجاح إلى آخر وما زالوا ماضين بخطى واثقة متجاوزين، في ثقة، شتّى المهرجانات العربية المقامة ومنخرطين بين كوكبة المهرجانات الدولية الأولى حول العالم.
عناصر هذا النجاح متعددة، وما توخيناه من هذه المقابلة أولاً هو تحديدها. ما سر هذا التألق المستطرد؟ وكيف ينجز المهرجان دورته ليبدأ دورة جديدة؟ ثم كيف يتجاوز أخطاءه إذا ما وقعت؟
الأجوبة نجدها عند رئيس المهرجان، عبد الحميد جمعة، في لقاء عكس كل هذا الطموح الذي يواكبه عامًا بعد عام.
* هذه هي الدورة الثانية عشرة للمهرجان الذي انطلق سريعًا قبل اثنتي عشرة سنة. كيف ترى هذه الدورة قياسًا بالدورات السابقة، كتنظيم وكبرامج؟‬
- أعتقد أنه من ناحية الإدارة، الفريق اليوم أكثر تمكنًا من عمله وأدواته. هذه الدورة، من الناحية التنظيمية، تتبع منوالاً اعتدنا عليه دائمًا وهو أنه لا توجد هناك مسائل تترك للحظة الأخيرة، لأنه حال انتهاء الدورة وبعد إجازة رأس السنة، نبدأ العمل على الدورة التالية مباشرة. أيضًا نبدأ على الفور بأخذ آراء الموظفين الدائمين والموظفين المؤقتين والصحافيين والإعلاميين لكي نعلم مدى نجاح الدورة قياسًا بالدورة السابقة وكيف تقدّمنا، وإذا ما كان هناك أي تقصير يمكننا أن نعالجه. كذلك نقوم بالاستفتاءات لنعرف رأي الصحافة والجمهور وكيف يقيّمون عملنا.
من ناحية المهرجان ككل، أعتقد أنه بات موضوعًا في جدول الاهتمام الرئيسي للمسؤولين. هناك من قال لي: «لم نعد نستطيع أن نتخيل مدينة دبي من دون مهرجان دبي السينمائي». هذا كلام أعتز به ويعكس المكانة التي وصل إليها المهرجان عبر سنواته.
في هذه الدورة حاولنا إحداث التوازن بين مختلف القطاعات. بات لسوق دبي السينمائية وجود فعلي نطمح إلى أن يكون نقلة نوعية في مجاله.

أزمة ودور
* هل خفّت الحاجة الإدارية إلى مهرجان دبي بعدما أثبت نجاحه وحقق غاياته الأولى؟
- لا أعتقد، لأنه إذا ما نظرت إلى جدول دبي من الفعاليات.. تقريبًا هناك خمس فعاليات من تظاهرات ومؤتمرات ومعارض وغير ذلك في اليوم الواحد. عوض النشاطات القليلة والمتفرقة وفي نطاق معين من السنة، أصبحت هذه النشاطات منتشرة طوال أيام السنة. أعتقد أن مهرجان دبي أسس نفسه ووضع قدمه ضمن الفعاليات المهمّة، خصوصًا على الصعيد الثقافي الذي هو دائمًا في أهداف مسؤولي مدينة دبي واهتماماتهم. البعض يعتقد أن المهرجان، كونه انطلق قبل اثنتي عشرة سنة، بات مهملاً، وأن فعاليات أخرى مختلفة سبقته لأنها ولدت في السنوات اللاحقة. هذا غير صحيح، فالقديم عليه أن يتطور ويتواكب مع الحديث، وبذلك كل القطاعات تستفيد تمامًا من النشاطات المختلفة التي تقوم به.
* كانت هناك مشكلات في الميزانية إلى حين قريب حسبما تردد في الأوساط الإعلامية..
- أجل، لكنها لم تكن بالصورة التي تناولتها الصحافة. أستطيع أن أقول لك وبكل راحة إننا الآن مستقرون ماديًا للسنوات الخمس المقبلة على الأقل، وإننا وجدنا رعاة مختلفين جددا يساهمون معنا في هذا النشاط للسنوات الخمس المقبلة أيضًا. نعرف حجمنا ونعرف قدراتنا، والأمور الآن باتت أوضح. الآن إذن نحن في وضع أكثر راحة مما كان الأمر عليه سابقًا. أنا والفريق نعرف ما لنا وما علينا.
* إذن كيف يتم لمهرجان دبي تعزيز الوضع الثقافي بوجه عام؟
- هذا السؤال يعيدنا إلى المقارنة مع الدورات الماضية. نحن الآن في الوضع الجيد الذي كان للمهرجان في أول سنوات نشاطه، أي منذ عام 2004 وحتى قيام الأزمة الاقتصادية التي شملت العالم كله سنة 2008. أعتقد أن للثقافة اليوم دورا أهم وأكبر مما كانت عليه في أي سنة سابقة، خصوصًا مع كل الأحداث المحيطة والتيارات التي تحاول إحداث شرخ بين الشعوب كافة وبين الثقافات الإنسانية. هذا هو دورنا بالتحديد. دورنا هو تعزيز التواصل بين الشعوب، وأعتقد أن الثقافة والسينما هما ما يقودان مثل هذا التواصل بين الشعوب كافة.

المهرجانات الأخرى
* أنت حاضر دائم في كثير من المهرجانات العالمية من عربية إلى أوروبية وأميركية. هل هناك شيء يتمتع به مهرجان آخر ولا يحويه مهرجان دبي أردت استقطابه وتطبيقه؟
- أنت تذهب إلى «كان» منذ عقود وتعرف الخبرة الكبيرة التي يتمتع بها وسواه من المهرجانات الأولى. الشيء الوحيد الذي لا أستطيعه هو أن أسبق الوقت، وبالتالي أن أسبق ما لدى هذه المهرجانات من تاريخ وتجارب. هناك أشياء تستطيع أن تأتي بها وتطبقها وهناك أشياء أخرى لا تستطيع تحقيقها، ربما لأنها لا تناسب أو لأنها قد تكون من خصائص المهرجان التي لا توافق، بالضرورة، خصائص مهرجان دبي.
* كيف تحضر المهرجان الآخر؟ ماذا تفعل خلال وجودك؟
- أشاهد الأفلام وأراقب كل شيء وأدرس وأقارن وأتمعن بالتفاصيل. أقف في الصف (الطابور) شأني شأن باقي الزوّار. أمشي في الشوارع. أحضر الحفلات المختلفة. أراقب التفاصيل الإدارية سواء كنت مدعوًا من المهرجان أو لا. أنا حريص جدًا على دراسة المهرجانات الكبرى وبت أعرف مدى تنظيم المهرجان قبل السفر إليه. أعرف ذلك من الدعوة المرسلة. وحين الوصول. كيف يتم الاستقبال. أدخل المكاتب الرسمية للمهرجان وأراقب لأعرف ما إذا كان المهرجان منظمًا أم هو فوضوي. ودائمًا أضع في بالي إذا كان لدى المهرجان شيء جيد أريد أن يحصل عندي.
* تدرس كل شيء وتعود به..
- لا أنتظر حتى أعود. أبعث بالرسائل على الفور لفريق العمل أعلمهم ما نريد تحقيقه وما علينا القيام به. مثلاً إذا ما لاحظت أن المتطوعين في أحد المهرجانات الأخرى لا يدرون ما يفعلون، أصررت على أن أتحاشى هذا الوضع بأن أطلب من المساعدين تدريب المتطوعين. سأذكر لك حكاية وقعت من دون أن أذكر اسم المهرجان، اقتربت ذات مرّة من مكتب حمل راية تقول «مكتب مساعدة الزوار» وسألت الموظفين الجالسين وراء الطاولة عن قصد عن «مكتب مساعدة الزوار» فلم يحيروا جوابًا. هم تحت الاسم مباشرة لكنهم لا يعرفون أين هم وماذا يفعلون.. نظر بعضهم إلى بعض متسائلين.
* لكن هناك مجالات كثيرة يمكن لأي موظف أن يرتكب فيه أخطاء.. هل هناك مهرجان بلا أخطاء إدارية؟
- صحيح. أعلم أن أي خطأ قد يقع حتى عندي وبعد كل هذا الجهد المبذول، لكني أنتقل مباشرة إلى الخطوة التالية. هل وقع الخطأ؟ حسنًا. المهم أن نتلافى خطأ آخر. أريد لكل فرد يأتي إلى مهرجان دبي أن يترك المهرجان وهو يشعر بأنه استطاع استخدام وقته وحضوره بنجاح وأنه عومل باحترام ووجد ما جاء المهرجان ليقوم به. هذا ما يضمن لي أنه إذا ما وقع خطأ ما فإن ضيف المهرجان في نهاية الأمر سعد بالتجربة بأكملها وغادر إلى المطار وهو مرتاح من الزيارة وسعيد بها.

السجادة الحمراء
* ذكرت المهرجانات العريقة، وأعتقد أنك تقصد «برلين» و«كان» و«فينسيا». هل تعتبر مهرجان دبي من المهرجانات العريقة أم هو ينتمي إلى المهرجانات الحديثة في عصر يختلف عن ذلك الذي انطلقت به المهرجانات المذكورة؟
- الكلمة التي تؤرقني دائمًا في حياتي الخاصة وفي عملي هي كلمة «التوازن». نحن في السنة الثانية عشرة، في حين أن المهرجانات التي ذكرتها انطلقت قبل خمسين وستين سنة. السينما كلها ما زالت فنا جديدًا لا يزيد عمره على 120 سنة. لا يوجد عندي وقت لكي أصبح المهرجان العريق. يجب أن أجتاز المسافة بجهد مضاعف. يجب أن أطوي في عشرين سنة ما حققته تلك المهرجانات في سنواتها المديدة كلها. وأعتقد أن التوازن هو كلمة السر في هذا النجاح. وسأكون صريحًا معك، حتى عامين سابقين كان هناك خلل في مسألة توجيه الدعوات للحفلات الليلية. كانت المشكلة تؤرقني. كيف حللت المشكلة؟ قصدت المديرة المسؤولة عن الدعوات في مهرجان «كان». أعجبني النظام الذي تمارسه وطريقة عملها وطلبت منها أن تنضم إلى فريقنا. سنتان وأنا أحاول إقناعها حتى وافقت وانضمت إلينا منذ العام الماضي. هذا جزء من عملية التوازن بين الجديد والخبرات المكتسبة.
* لكي أنهي موضوعًا ما زال مفتوحًا، هل أنت إذن مع نموذج مهرجان تورنتو أم مع نموذج المهرجانات الأوروبية؟
- أقرب إلى النموذج الأوروبي. مهرجان تورنتو يخلو من الجوائز باستثناء جائزة الجمهور. أنا عندي أيضًا جائزة جمهور لكني أريد تتويج الأفلام التي تستحق بجوائز تحمل اسم دبي واسم مهرجانها. بفخر أقول إن سجادة مهرجاننا تذهل العالم. إنها الثانية بعدد الضيوف بعد «كان» وأطول سجادة حمراء بين كل المهرجانات. السجادة هنا لها حضور وقد يمشي فوقها أحيانا شخص غير معروف، لكن بعد تقديم فيلمه يصبح نجمًا. وأقول لك بصراحة إن مهرجان دبي ليس في وارد تقليد أحد. هناك من يحاول تقليدنا لكننا لا نقلد أحدا. طبعًا، وكما شرحت، نتطوّر ونستعين بالخبرات ونحل مشكلاتنا سريعًا لكننا وصلنا إلى المكانة التي بات فيها مهرجان دبي قائمًا بذاته وبحضوره وخبراته.
* توقف مهرجان أبوظبي في مطلع هذه السنة، لكن على نحو موضوعي. ما التأثير السلبي وما التأثير الإيجابي لذلك؟
- هناك بصراحة كثير مما قيل وسمعناه من أننا فرحون بتوقف مهرجان أبوظبي. هذا غير صحيح على الإطلاق. طبعًا علينا أن نحترم القرار الذي صدر بإيقافه، لكن إلغاءه سلط الضوء على نشاط آخر مهم وهو مساندة الأفلام ودعمها بما يتطلبه ذلك من رعاية وما يثمر عنه من نجاح لتأكيد دور الإمارات العربية المتحدة في مساندة وتفعيل عجلة الصناعة فيها. نحن في دبي، وحكومة دبي، أكدنا على أهمية وجود مهرجان سينمائي لأنه المقابل الفعلي لما تحققه الإمارات، وباقي السينمات العربية من أعمال. أنت تعلم أن المهرجانات العالمية تنتقي القليل جدًا من الأفلام العربية النوعية. وتعلم، كما تحدثنا، أن السوق العربية مغلقة والتلفزيونات العربية لا تشتري. أين تذهب هذه الأفلام إذا لم تعرضها في محيطك وعلى جمهورك؟
* لكن هل تشعرون في مهرجان دبي بثقل المسؤولية؟ كان أمام صانعي الأفلام العرب أكثر من مهرجان خليجي كبير يختارون بينها. الآن بات هناك مهرجان واحد هو دبي.
- المسؤولية زادت لأن هذا الغياب يعني أن صانعي الأفلام بات لديهم وجهة واحدة يعرضون أفلامهم فيها في هذه المنطقة من العالم، هي وجهة مهرجان دبي. لذلك زادت مسؤولية لجنة الاختيار لأنه أصبح عليها أن تختار من بين 3000 فيلم 134 فيلمًا لعرضها، وأنا أرفع القبعة تحية لهذه اللجنة على نجاحها في عملها وممارسته من دون تحبيذ لأي نوع وبحيادية دائمة. أنا من منبر صحيفة «الشرق الأوسط» أريد أن أوصل الرسالة التالية إلى صانعي الأفلام: أريدهم أن يتيقنوا من أن عدم اختيار أفلامهم لا يعني أن أعمالهم سيئة أو لا تستحق، لكنّ هناك كثيرا من الأفلام التي تعرض علينا وربما هناك أفلام أخرى نراها أكثر استحقاقًا. هذا طبيعي. نحن نرفع السقف لمصلحة السينما الإماراتية والسينما العربية بوجه عام. لذلك أرجو أن لا نُلام على اختياراتنا لأن الفيلم القوي يفرض نفسه.
* أنت تختار الشخصيات التي يتم الاحتفاء بها عادة..
- أجل. هذه مسألة أشعر بأنها شخصية، وأحيانا لا يسعفنا الوقت لتكريم الشخصيات التي نريد تكريمها، تلك التي لعبت أدوارًا مشرفة في صناعة السينما عمومًا. حين اتصلت بعزت العلايلي قلت له: «أظن أننا تأخرنا عليك»، لكنه كان سعيدًا بالتكريم الذي نقوم به، وهو واحد من أهم ممثلي السينما في العالم العربي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».