أجواء ربيعية نادرة تشيع البهجة بين السودانيين

أمطار رذاذية وحرارة معتدلة تخرج الناس للمتنزهات والنيل

أجواء ربيعية نادرة تشيع البهجة بين السودانيين
TT

أجواء ربيعية نادرة تشيع البهجة بين السودانيين

أجواء ربيعية نادرة تشيع البهجة بين السودانيين

خرج أهل العاصمة السودانية الخرطوم من بيوتهم واكتظت بهم المتنزهات والحدائق، وشواطئ النيل، في ظاهرة غير مسبوقة، إثر هطول (أمطار رذاذية) غير معهودة في السودان، مما أدى لتراجع درجات الحرارة بشكل ملحوظ في عدد من مدن البلاد، ورافقها هبوط ملحوظ في درجات الحرارة، ما أشاع البهجة والسرور بين الناس، الذين اعتادوا على الأجواء القائظة صيفًا، وعلى البرد الجاف الذي يمتص الرطوبة من الأجساد، فيشققها ويحيل لونها إلى (أغبر) شديد الغبرة، وعلى الأمطار الغزيرة التي قد تتحول إلى فيضانات.
وشاعت فرحة (نادرة) بين سكان الخرطوم منذ صبيحة أول من أمس، فرحوا بشكل لافت بالمطر الرذاذي غير المصحوب بالرعود والصواعق الذي لم يألفوه من قبل، بل ولم يألفوا أمطار الشتاء أصلاً، وحلت الابتسامة على وجوههم محل العبوس، بل وبدأوا يتحدثون عن (ربيع سوداني) – غير سياسي – لأنهم على مدار التاريخ ظلوا يقرأون عن الربيع رابع فصول العام، لكن بلادهم الاستوائية لا تغشاها إلا ثلاثة فصول (شتاء جاف وبارد، وصيف قائظ، وخريف رعدي كثير المطر).
وتوقعت الهيئة القومية للأرصاد الجوية استمرار موجة البرد المصحوبة بزخات المطر التي بدأت منذ الثلاثاء حتى بداية الأسبوع المقبل، في معظم أنحاء البلاد، وقالت: إن الأمطار نتجت عن وجود جبهة باردة، في سواحل البحر الأبيض المتوسط، تمتد من المغرب غربا إلى شواطئه الشرقية.
وقال المتحدث باسم الهيئة نور البلد فضل الله لـ«الشرق الأوسط» إن البلاد تعيش منذ ليل الاثنين موجة باردة، انتقلت من أطرافها الشمالية إلى وسطها وستصل إلى معظم ولايات البلاد، وتستمر حتى بداية الأسبوع المقبل.
وأوضح أن السحب الراحلة المصاحبة للجبهات الباردة حول البحر الأبيض المتوسط، انتقلت من السواحل تتبعها جبهة هوائية باردة، وتيار هوائي نفاث، ورياح تقارب سرعتها 100 كيلومتر في الساعة، ما أدى لما سماه (زخات المطر المتقطعة) غير المصحوبة بالرعد والبرق، والتي لطفت الأجواء.
ووفقًا لنور البلد، فإن الموجة الباردة، تسببت في هطول رذاذ مطر خفيف في كل من شندي وعطبرة شمال الخرطوم، والخرطوم وكوستى وأم بين في الجنوب، وتوقع أن تؤدي الموجة انخفاضا في درجة الحرارة قد يبلغ 10 درجات مئوية، وأن تتراوح درجة الحرارة الصغرى بين (12 - 14) صباحًا في معظم أنحاء البلاد، وأن تتراوح العظمى بين (29 – 36) درجة. ويفسر رئيس تحرير صحيفة (حكايات) الاجتماعية ذائعة الصيت وجدي الكردي، حالة الفرح التي اجتاحت الناس في السودان، مستندا على ما سماه انتباهة العالم (ابن خلدون)، إلى أثر معتدل الهواء ومنحرفه في الأقاليم التي
زارها، وإلى تلمّسه تأثير الطقس على طبائع البشر وخصائص أجسادهم الجغرافية، وينسب إليه القول: «لما كان السودان ساكنين في الإقليم الحار، واستولى الحر على أمزجتهم، وفي أصل تكوينهم، كان في أرواحهم من الحرارة على نسبة أبدانهم وإقليمهم، فتكون أرواحهم بالقياس إلى أرواح أهل الإقليم الرابع أشد حرًا، وتكون أكثر تفشيًا، وتكون أسرع فرحًا وسرورًا وأكثر انبساطًا».
وفي جولة نفذتها «الشرق الأوسط» فإن شوارع المدينة وشواطئ النيل والحدائق والمزارع، تزينت بالأطفال والنساء وطلاب الجامعات، يلبسون أزياء فرايحية، وسادت بينهم فرحة طاغية، البنيات بثيابهن الجميلة، والأطفال بضحكاتهم البريئة، والعشاق وحبيباتهم، رسموا لوحة غير معهودة، لوحة لم تشهدها البلاد التي تعاني شظف العيش وضائقة معيشية خانقة والحر القائظ.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».