مهد الانشقاق السياسي في أوروبا الطريق لصعود كثير من الأحزاب الناشئة، وعادة ما تكون هذا الأحزاب على أقصى طرفي الطيف السياسي، سواء داخل اليمين أو اليسار. لكن في المشهد السياسي الإسباني ظهر حزب جديد على نحو مفاجئ، ونجح في الهجوم والانطلاق من تيار الوسط، متحديا بذلك تيار المحافظين والاشتراكيين على حد سواء، وهو يستعد الآن لأن يكون صانع الاحتمالات في المشهد السياسي خلال الانتخابات العامة التي يتوقع أن شديدة الشراسة في ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
وعمل هذا الحزب، المعروف باسم حزب «المواطنون»، بشكل مطرد على توسيع قاعدته الانتخابية، وارتفعت أسهمه كثيرا في استطلاعات الرأي، بعد أن أطاح بحزب التمرد السياسي الإسباني الآخر، المعروف باسم «بوديموس»، ليشكل بذلك التهديد الصاعد في وجه الأحزاب العريقة في البلاد.
وأثار ألبرت ريفيرا (36 عاما)، زعيم الحزب، ضجة إعلامية كبيرة عندما ظهر عاريا على أحد الملصقات الانتخابية، ليرمز إلى ميلاد حزبه «المواطنون» بوصفه حزبا محليا لإقليم كتالونيا في عام 2006. وعلى الرغم من دخول الحزب معترك الحياة السياسية الإسبانية خلال العام الماضي، فإنه نجح سريعا في زعزعة كثير من الأمور، من خلال المضي قدما بعيدا عن أقصى يمين ويسار التيارات السياسية في البلاد.
ويعارض هذا الحزب بقوة توجهات الانفصال لإقليم كتالونيا، التي سمحت للحزب بتوسيع دعواه السياسية إلى خارج موطن النشأة، إذ انطلقت كتالونيا وصراعها الانفصالي لتتسيد قائمة جدول الأعمال السياسية الوطنية. كما يؤيد الحزب أجندة أعمال الاقتصاد الليبرالي، أي في مكان يتمركز بين سياسات التقشف لحكومة المحافظين التي يرأسها رئيس الوزراء ماريانو راخوي، وخصومه الرئيسيين المتمثلين في التيار الاشتراكي.
ومن واقع أنه حزب جديد وذو سجل نظيف، فهو يعبر عن تحد قوي للفساد الذي تفشى في المؤسسة السياسية الإسبانية، وفي هذا الشأن يقول خوان أجنازيو توربلانكا، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسبانية الوطنية للتعليم عن بعد، إن «التحدي القائم أمام ريفيرا يكمن في تحويل الحزب من حزب وحيد التوجه ومعارض لاستقلال كتالونيا، إلى شيء أكثر تعقيدا من الناحية السياسية... لقد ظل ريفيرا يحاول أن يجعل من حزبه الرد المثالي على تجاوزات كل من المحافظين والاشتراكيين، الذين هيمنوا على إسبانيا ولفترة طويلة».
ويدرك ريفيرا قيمة تموضعه في الوسط، وخصوصا عند مقارنته بحزب بوديموس، الفتى الجديد في صراع السياسة الإسبانية، والذي يتزعمه شاب يبلغ من العمر (37 عاما) يدعى بابلو إغليسياس. وفي هذا الإطار قال ريفيرا في مقابلة شخصية أجريت معه في مقر حزبه بمدينة برشلونة: «ليس علينا السفر إلى الوسط لأننا نوجد هناك بالفعل، وهو أمر ذو مصداقية أكثر بكثير مما يتمتع به حزب مثل (بوديموس)، الذي بدأ من أكثر المواقف السياسية تطرفا حتى الآن».
وفي الحقيقة فإن الصعود الأخير لحزب «المواطنون» في استطلاعات الرأي تزامن مع تراجع حزب «بوديموس»، الذي حقق مكاسب قوية في الانتخابات البلدية خلال شهر مايو (أيار) الماضي، وكان يُعتبر المنافس الرئيسي للأحزاب الإسبانية العريقة. ومنذ ذلك الحين، كافح اغليسياس لتحويل حزبه نحو قاعدة الناخبين الأكثر وسطية، من دون فقدان دعم تيار أقصى اليسار الذي أسسه عام 2014، عقب تزعمه لاحتجاجات الشوارع ضد سياسات التقشف الصارمة لحكومة راخوي خلال فترة الركود الإسباني وأزمة البنوك. لكن مع استمرار الأزمة الاقتصادية اليونانية تلوثت سمعة حزب «بوديموس» الإسباني مؤخرا إثر دعمه القوي لحزب «سيريزا»، نظيره اليوناني، باعتباره نموذجا يُحتذى به من جانب الإدارة الاقتصادية اليسارية الأوروبية. كما عانى حزب «بوديموس» في سبتمبر (أيلول) الماضي من انتكاسة أخرى في انتخابات كتالونيا الإقليمية، حيث كان أداء الحزب ضعيفا عقب محاولته البقاء على هامش الصراع الانفصالي هناك.
يقول فيديريكو سانتي، وهو محلل المخاطر السياسية لدى مجموعة أوراسيا للأبحاث التي يوجد مقرها في لندن، إن «وجود موقف متناقض حيال قضية استقلال كتالونيا أضر كثيرا بحزب «بوديموس» لأنه لم يدبر تلك الخطوة جيدا من واقع أنه حزب احتجاجي، ومن أشد نقاد الأحزاب الرئيسية، ذلك الحزب الذي يمكنه تشييد منصته السياسية الخاصة».
* خدمة {نيويورك تايمز}
«المواطنون».. حزب مغمور يتحول إلى صانع الاحتمالات في المشهد السياسي بإسبانيا
ارتفعت أسهمه سريعًا في الأسابيع الأخيرة.. وأصبح يشكل تهديدًا للأحزاب العريقة
«المواطنون».. حزب مغمور يتحول إلى صانع الاحتمالات في المشهد السياسي بإسبانيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة