لبنان يخوض 3 تجارب ناجحة لتحرير الأسرى

الصفقة الأخيرة هي الأكبر والأعقد والأكثر دقة في تاريخ الدولة

لبنان يخوض 3 تجارب ناجحة لتحرير الأسرى
TT

لبنان يخوض 3 تجارب ناجحة لتحرير الأسرى

لبنان يخوض 3 تجارب ناجحة لتحرير الأسرى

لم يكن نجاح صفقة تحرير 16 عسكريًا من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، الحالة الفريدة التي شهدها لبنان، إنما هي حلقة تجارب طويلة وشاقة من عمليات التفاوض التي خبرتها الدولة اللبنانية منذ مطلع الثورة السورية.
صحيح أن هذه الصفقة هي الأكبر والأعقد، لكن المراحل المتعرّجة التي مرّت بها، كانت الأكثر دقة في تاريخ الدولة، بالنظر للآلام التي عاشها اللبنانيون بكل فصولها، بدأت مع إعدام عدد من الأسرى سواء عند «جبهة النصرة» أو تنظيم داعش.
وعلى مدى 16 شهرًا، والدولة اللبنانية تخوض سباقًا شاقًا لم يسلم من تداعياته كل اللبنانيين، فخلية الأزمة التي تشكّلت منذ حصول عميلة الأسر في 2 أغسطس (آب) 2014 برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام، كانت تسابق الدقائق والساعات، فهي واقعة تحت ضغط الإعدامات المتلاحقة لعدد من هؤلاء الأسرى، وتهديد الخاطفين بإعدام الباقين، وإرسال صور وتسجيلات استفزّت الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها، وأفقدت أهالي الأسرى صوابهم، ودفعتهم إلى خيارات صعبة أقلّها الذهاب في أوقات متعددة إلى قطع الطرق الرئيسية الحيوية، ونصب الخيام في وسط بيروت بعد أيام قليلة على عملية الأسر، إلى أن أتت النهاية السعيدة من دون إشارات مسبقة، بحرص من المفاوضين الذين عملوا بعيدًا عن الأضواء حتى لا تفشل العملية كما فشلت سابقاتها.
التجربة التفاوضية الأولى التي قادها اللواء عباس إبراهيم عن الجانب اللبناني، بدأت مع مساعي تحرير تسعة مدنيين لبنانيين أسرتهم مجموعة مسلّحة في منطقة أعزاز في ريف محافظة حلب السورية في 22 مايو (أيار) 2012 خلال عودتهم برًا من زيارة العتبات الشيعية في العراق وإيران. ولم تكن تلك المهمة سهلة يومذاك، فقد مرت بمحطات كادت تودي بحياة المخطوفين وتترك آثارها السلبية على الداخل اللبناني. وخاض إبراهيم بتكليف من الحكومة اللبنانية مفاوضات شاقة مع المخابرات التركية لما لها من تأثير على الخاطفين، إلا أنها في كل مرة كانت تتعثر، فاستمر أسر هؤلاء لسنة ونصف السنة، إلى أن طرأ عامل جديد على الملف تمثل في اختطاف طيارين تركيين هما القبطان التركي مراد اكبينار ومساعده مراد آغا، على طريق مطار بيروت في 9 أغسطس 2013 على يد عائلات مخطوفي أعزاز التي حمّلت السلطات التركية مسؤولية استمرار احتجاز أبنائها، واشترط الخاطفون مبادلة الطيارين بأسرى أعزاز.
في بادئ الأمر، رفض الجانب التركي مبدأ التفاوض وتمنّع عن ربط قضية طياريه بملف المخطوفين اللبنانيين التسعة في عملية التبادل، وتردد يومها أن «حزب الله» المعني الأول بمخطوفي أعزاز، اقترح دخول ألمانيا على خط التفاوض، لما للألمان من باع طويل في صفقات التبادل، وهو سبق أن خاض تجارب ناجحة في إطار مبادلة الأسرى بين «حزب الله» وإسرائيل، وأبدى الحزب نيّة للتجاوب مع أي طرح يقدمه الوسيط الألماني ضمن صفقة شاملة ومتكاملة، وهنا أوكلت السلطات اللبنانية إلى اللواء إبراهيم التنسيق مع الطرفين الألماني والتركي، إلى أن أفضت النتيجة إلى إطلاق سراح الطيارين التركيين ومخطوفي أعزاز في توقيت واحد خلال شهر سبتمبر (أيلول) 2013.
ولعل ما سرّع في حصر مبادلة الأسرى التسعة بالطيارين التركيين، هو الخوف اللبناني من سقوط منطقة أعزاز التي يوجد فيها الأسرى التسعة بيد تنظيم داعش، الذي سيطر على مناطق حدودية واسعة ما بين سوريا وتركيا وبين سوريا والعراق.
أما التجربة الثانية للتفاوض التي خاضها لبنان فكانت أيضًا عبر اللواء عباس إبراهيم، وهي نجحت في إطلاق سراح 16 راهبة من مدينة معلولا السورية في 13 مارس (آذار) 2014، كنّ قيد الاحتجاز لدى «جبهة النصرة»، كان ثلاثي التفاوض اللواء إبراهيم والوسيط القطري و«جبهة النصرة»، وتضمنت صفقة الراهبات، إفراج النظام السوري عن 153 امرأة من المعتقلات السورية، بينهن سجى الدليمي زوجة زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، وشقيقة أحد قياديي «النصرة» في منطقة القلمون السورية، والتي حالفها الحظ أن تكون ممن أفرجت عنهم السلطات اللبنانية مع أطفالها أمس، وقد تمت عملية تسليم الراهبات وتسلم المعتقلات الـ153 في جرود بلدة عرسال اللبنانية المقابلة لمدينة يبرود السورية. ونقلت الراهبات يومها إلى الحدود السورية في موكب للأمن العام اللبناني، وعن طريق عرسال توجه موكب الراهبات إلى معبر جديدة يابوس الحدودي ومن هناك توجه موكب سوري أقلهن إلى دمشق.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.