إزالة غرام واحد من دهون البنكرياس تؤدي إلى «اختفاء» السكري

بحث جديد يثير جدلاً واسعًا في الأوساط الطبية

إزالة غرام واحد من دهون البنكرياس تؤدي إلى «اختفاء» السكري
TT

إزالة غرام واحد من دهون البنكرياس تؤدي إلى «اختفاء» السكري

إزالة غرام واحد من دهون البنكرياس تؤدي إلى «اختفاء» السكري

أعلن باحثون بريطانيون أن إزالة غرام واحد من الشحوم الموجودة على البنكرياس تقي من الإصابة من مرض السكري من النوع الثاني، بل وقد تساعد على التخلص نهائيًا من المرض.
وقال الباحثون الذين عرضوا نتائجهم أمام المؤتمر العالمي للسكري في فانكوفر بكندا، إن دهون الجسم ليست هي المهمة في تحديد احتمالات الإصابة بالسكري، بل تلك الدهون القليلة المختزنة في البنكرياس، وهو عضو الجسم المسؤول عن إفراز هرمون الإنسولين.
ويحدث السكري من النوع الثاني عندما يخفق البنكرياس في إفراز كميات كافية من الإنسولين، أو ازدياد مقاومة الجسم له، ما يؤدي إلى ازدياد تركيز السكر في الدم. وقد يكون السبب في عدم قدرة البنكرياس على إنتاج الكمية الكافية من الإنسولين، هو أن الجسم يطلب الكثير من هرمون الإنسولين، وذلك في حالات السمنة وزيادة الوزن وزيادة كمية الشحوم في الجسم، وخصوصا في البطن. ويشكل هذا النوع من السكري نسبة 90 في المائة من حالات الإصابة بالمرض، فيما يشكل النوع الأول منه النسبة الباقية.
وأجرى الباحثون تجارب على 18 شخصًا مصابًا بالنوع الثاني من السكري الذي يصيب الكبار عادة، ولاحظوا أن فقدان كمية صغيرة من دهون البنكرياس أدت إلى عكس عملية الإصابة بالمرض، إذ تمكن المصابون من التحكم مجددًا بشكل ما بمستوى السكر في الدم لديهم بواسطة الإنسولين المفرز عندهم. وإن صحت هذه النتائج، التي يتأهب الباحثون لنشرها في مجلة علمية رصينة، فإن بمقدورهم تطوير علاج مباشر لعكس عملية الإصابة بالسكري. وتتمثل النصيحة الطبية الحالية بحث الأشخاص البدينين والسمينين الذين تزداد احتمالات إصابتهم بالسكري على خفض أوزانهم والتخلص من دهونهم.
وقد أثارت هذه النتائج جدلاً علميًا حادًا، إذ صرح ستيف أوراهيلي البروفسور في جامعة كمبردج المتخصص بأمراض الأيض (لتمثيل الغذائي) بأن «مفهوم (دهون البنكرياس) قد استخدم بشكل غير دقيق، إذ إن البنكرياس يتكون من أنسجة لغدة هضمية ولا تشكل الجزر الداخلية فيه التي تفرز هرمون الإنسولين سوى نسبة واحد في المائة منه». وأضاف أن العلماء عمومًا لا يمتلكون أي معلومات عن موقع وجود الدهون في البنكرياس، أو مدى أهميتها لوظيفة الجزر المفرزة للإنسولين.
إلا أن روي تايلور البروفسور في الطب وأمراض الأيض في جامعة نيوكاسل الذي قاد فريق البحث، قال إن النتائج تمهد لطرح تفسير جديد للسكري من النوع الثاني وتطوير علاج له. ونقلت عنه صحيفة «إندبندنت» البريطانية، أن البحث وجد زيادة في دهون البنكرياس لدى المصابين بالسكري لا توجد لدى الأصحاء، وإن تمت إزالتها، فإن البنكرياس يعود إلى دوره بإفراز الإنسولين. وأضاف أنه سعيد بالنتائج لأن العلماء حتى الآن لم يتمكنوا عمومًا من فك أسرار إخفاق خلايا البنكرياس في إفراز الإنسولين حتى الآن.
وشملت تجربة الباحثين مقارنة 18 مصابًا بالسكري مع 9 أشخاص من البدينين الأصحاء، وقد خضعوا كلهم إلى جراحة شد وتقليص المعدة، كما منع المصابون من تناول أدويتهم بعد إجراء الجراحة. وفقد أفراد كل من المجموعتين نفس المقدار من الوزن بنحو 13 في المائة من كتلة أجسامهم في المتوسط. وحدد الباحثون دهون البنكرياس عند تصويرها بجهاز الرنين المغناطيسي. ولم تتغير كميات الدهون في البنكرياس لدى مجموعة الأصحاء. وبخلاف ذلك، انخفضت لدى أفراد المجموعة المصابة.
وقال تايلر إن فقدان 0.6 غرام من دهون البنكرياس لدى المصابين بالسكري أحدث تغيرًا حاسمًا، فقد ازداد إفراز الإنسولين إلى مستوياته الطبيعية وانحسر السكري نهائيًا! وأضاف: «إذا نجحنا في منع تراكم الدهون على البنكرياس فإننا سننجح في عكس عملية الإصابة بالمرض»، أي الشفاء منه. إلا أن مثل هذه الإزالة، تتطلب حتى الآن العمل على إزالة كميات كبيرة من الدهون في كل الجسم.. و«لذا علينا تطوير عقار موجه لدهون البنكرياس».
إلا أن البروفسور أوراهيلي يناقض هذا الأمر، فقد أشار إلى أن أهمية «اختفاء الدهون من البنكرياس» عند المسح والتصوير بجهاز الرنين المغناطيسي، لا تستند إلى دعائم علمية. وأضاف أن «الدهون لا تفقد من الأنسجة الدهنية فقط، بل إنها تفقد من كل المواقع الأخرى مثل الكبد والعضلات والبنكرياس، حيث تختزن الدهون لدى بعض الأشخاص المعانين من السمنة. ومن المدهش حقًا أن فقدان تلك الدهون يؤدي أيضًا إلى اختفاء السكري». ولذا من المهم خفض الوزن والحفاظ على وزن مثالي لدرء الإصابة بالمرض.
ويؤدي السكري إلى مضاعفات خطيرة، إذ يقود ارتفاع السكر في الدم إلى البدء بإتلاف أنسجة متعددة في الجسم كالأعصاب والأوعية الدموية في الكلى أو شبكية العين أو أعضاء أخرى كالقلب أو الدماغ أو الأطراف كالأرجل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».