قمر صناعي أوروبي لرصد تموجات الجاذبية والزمن في الفضاء

الاستعانة بأشعة الليزر لقياس التغير الطفيف

المركبة الأوروبية ليزا باثفياندر تنطلق اليوم (إ.ب.أ)
المركبة الأوروبية ليزا باثفياندر تنطلق اليوم (إ.ب.أ)
TT

قمر صناعي أوروبي لرصد تموجات الجاذبية والزمن في الفضاء

المركبة الأوروبية ليزا باثفياندر تنطلق اليوم (إ.ب.أ)
المركبة الأوروبية ليزا باثفياندر تنطلق اليوم (إ.ب.أ)

ينطلق قمر صناعي أوروبي تجريبي اليوم الأربعاء لاختبار تقنيات رصد موجات الجاذبية والزمن في الفضاء الخارجي، ما يضيف منظورا جديدا للتعرف على الكون وفهمه.
ومن المتوقع أن يتسنى للمركبة الأوروبية واسمها «ليزا باثفياندر» أن تمهد من موقعها بالفضاء على ارتفاع 5.‏1 مليون كيلومتر السبيل بحثا عن موجات الجاذبية الناجمة عن أجرام كونية يندمج بعضها مع بعض وهي تتحرك بسرعات عالية مثل الثقب الأسود.
توجد الثقوب السوداء وسط أجرام كونية نائية تسمى النجوم الفلكية (كوازارات). وهذه الثقوب عبارة عن حيز في الفضاء به مادة مكثفة للغاية لا تسمح حتى لجسيمات فوتونات الضوء بسرعتها المطلقة بالنفاد من خلالها وتفادي جاذبيتها. ويجري رصد الثقوب السوداء من خلال الآثار الناجمة عنها على المجرات القريبة والنجوم والغبار الكوني، حسب «رويترز».
وقال أوليفر غينريتش نائب مدير هذه المهمة بوكالة الفضاء الأوروبية: «سيفتح ذلك نافذة جديدة حقا على الكون. الله يعلم بما سنجده».
وتسير الجاذبية في موجات مثلها مثل الضوء لكن بخلاف الضوء فإن موجات الجاذبية تميل إلى إحداث انحناء في النسيج المتشابك للفضاء - الزمان (الزمكان)، وهي نظرية وضع مفاهيمها ألبرت أينشتاين في النظرية النسبية العامة.
ووضع أينشتاين النظرية النسبية العامة بغية تعميم مفاهيم نظريته الخاصة لإضافة مفهومي التسارع والجاذبية. وتقول النظرية العامة إن قوانين الكون واحدة لكل الأجسام بصرف النظر عن حالات حركتها، وإن الحركة غير المنتظمة «المتسارعة» مثلها مثل الحركة المنتظمة، وكلتاهما حركة نسبية. وتقول أيضًا إن المادة هي التي تتسبب في انحناء منظومة الفضاء - الزمن (الزمكان) ويزيد هذا الانحناء بزيادة كثافة المادة في الفضاء، وكلما زاد الانحناء أبطأ الزمن من سيره.
وقبل نظرية أينشتاين كانت علوم الفيزياء تقول إنه إذا غابت الشمس يوما ما فإن سكان الأرض سيشعرون بذلك في التو، لكن أينشتاين يرى أن آثار غياب الشمس لن يشعر بها أحد قبل ثماني دقائق، وهو نفس الوقت الذي تستغرقه موجات الضوء وموجات الجاذبية وهي تقطع المسافة بين الشمس والأرض. وباءت بالفشل حتى الآن جميع محاولات رصد موجات الجاذبية بالاستعانة بأجهزة رصد على الأرض.
وتميل الأجرام الكونية الهائلة مثل الثقب الأسود إلى إحداث تحدب في الفضاء والزمان بدرجة أكبر من أجرام صغيرة مثل الشمس.
وقالت إيرا ثورب عالمة الفيزياء الفلكية بمركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لإدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا): «هناك طيف كامل لموجات الجاذبية، كما أن هناك طيفا كاملا للموجات الكهرومغناطيسية».
ويجري إنشاء مرصد تجريبي لموجات الجاذبية، وهو ما يستلزم إطلاق ثلاثة أقمار صناعية تطير في تشكيل مثلث وتصل المسافة بين كل واحد منها إلى مليون كيلومتر. وتحتوي هذه الأقمار على مكعبات معدنية صغيرة تسير بشكل ترددي مثل موجات الجاذبية.
ومن خلال الاستعانة بأشعة الليزر لقياس التغير الطفيف في المسافة بين هذه المكعبات يأمل العلماء في رصد حجم التقعر الدقيق الذي سيطرأ على الفضاء والزمن، وسترصد المركبة «ليزا باثفياندر» ذلك من خلال مكعبين معدنيين تفصل بينهما مسافة 38 سنتيمترا داخل مركبة فضائية أخرى.
وتنطلق المركبة «ليزا باثفياندر» الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش اليوم الأربعاء (15:‏11 بتوقيت شرق الولايات المتحدة أمس الثلاثاء) من منصة الإطلاق في كورو بجيانا الفرنسية التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية. وتصل المركبة إلى مدارها المقرر في غضون ستة أسابيع، وستمضي ثلاثة أشهر أخرى قبل أن تستعد للقيام بمهامها العلمية. تستغرق المهمة ستة أشهر وتتكلف نحو 400 مليون يورو (423 مليون دولار).



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».