هكذا أصبحت سرت مستعمرة لـ«داعش»

عاصمة نشطة للتنظيم تعج بالمقاتلين الأجانب.. واتجاه لشن هجمات إرهابية ضد «العدو البعيد»

عناصر «داعش» يعدمون مواطنين إثيوبيين في أبريل الماضي بعد احتجازهم لفترة طويلة كرهائن (نيويورك تايمز)
عناصر «داعش» يعدمون مواطنين إثيوبيين في أبريل الماضي بعد احتجازهم لفترة طويلة كرهائن (نيويورك تايمز)
TT

هكذا أصبحت سرت مستعمرة لـ«داعش»

عناصر «داعش» يعدمون مواطنين إثيوبيين في أبريل الماضي بعد احتجازهم لفترة طويلة كرهائن (نيويورك تايمز)
عناصر «داعش» يعدمون مواطنين إثيوبيين في أبريل الماضي بعد احتجازهم لفترة طويلة كرهائن (نيويورك تايمز)

يتدفق القادة العراقيون من سوريا لتبدأ أول عملية قطع رؤوس علنية، ولم تعد محطات الراديو تذيع موسيقى، وبدلا من ذلك أخذت في الإطراء على خليفة تنظيم داعش، أبو بكر البغدادي.
فعندما رفع ذراع «داعش» في ليبيا العلم الأسود للتنظيم للمرة الأولى في مدينة سرت الساحلية العام الماضي، لم يكن يتعدى عدد مسلحيهم هناك آنذاك حفنة المقاتلين الذين حاولوا الظهور بمظهر القوي.
اليوم أصبحت سرت مستعمرة نشطة تمثل مركزا وعاصمة لـ«داعش» تعج بالمقاتلين الأجانب من كافة أنحاء المنطقة، وفق روايات الأهالي والقادة العسكريين والرهائن الذين أفرج عنهم وخرجوا للتو من السجن الرئيسي للمدينة.
وأفاد نوري المنقوش، مدير شركة للشاحنات مقرها هنا في مصراتة التي تبعد نحو 65 ميلا غرب منطقة نفوذ «داعش» القريبة من سرت، أن «قوام تشكيل حكومة داعش بالكامل هنا من الأجانب، وهم من يصدرون الأوامر». ويعيش الكثير من موظفيها في سرت، وجرى اعتقال خمسة منهم هناك مؤخرا.
ففي ظل الضغط العسكري والاقتصادي المتزايد على «داعش» في سوريا والعراق، اتجه قادة التنظيم للخارج.
ومن ضمن مظاهر التحول هو الاتجاه لشن هجمات إرهابية على نطاق واسع ضد أهداف بعيدة مثل تلك التي وقعت في باريس، وتفجير الطائرة الروسية فوق مصر، وفق مصادر استخباراتية أوروبية. وحسب مسؤولين غربيين، يعمل قادة التنظيم على تسخير مصادر جديدة ولفت الانتباه إلى أعضائهم في مناطق بعيدة ممن أعلنوا الولاء لها في دول مثل مصر، وأفغانستان، ونيجيريا وغيرها. فهناك على الأقل منتسبون في ثماني دول.
وتعتبر سرت أهم مراكز التنظيم حاليا، وهي ميناء على البحر المتوسط يبعد نحو 400 ميلا جنوب غربي مدينة سيسلي. وحسب مسؤولين غربيين مطلعين على التقارير الاستخباراتية، سرت الآن هي المدينة الوحيدة التي تعمل تحت السيطرة المباشرة لقادة «داعش». وأفاد أهالي سرت الليبية وبعض القادة العسكريين أن التحول الذي طرأ على تنظيم داعش واضح للعيان منذ شهور.
وقال باتريك بيريور، كبير محللي هيئة الدفاع الاستخباراتية لمحاربة الإرهاب، في تصريح أدلى به في مؤتمر عقد في واشنطن مؤخرا، إن «ليبيا هي العضو الذي طالما قلقنا بشأنه.. فهي القبلة التي يسعى التنظيم من خلالها إلى لسيطرة على شمال أفريقيا بالكامل».
ويحكم قادة التنظيم الآن قبضتهم على سرت بقوة للدرجة التي جعلت وكالات الاستخبارات الغربية يعبرون عن خشيتهم من تقهقر التنظيم إلى باقي مناطق ليبيا وتكوين قواعد بديلة لاستخدامها عند الضرورة كمرفأ لمقاتليها بغرض الاستمرار في القتال من تلك المناطق في حال طُردوا من مناطقهم الأصلية.
وحسب مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الأميركية الذي اشترط عدم كشف هويته نظرا للطبيعة الاستخباراتية للمعلومات، قد يلجأ «داعش» للتفكير في «خطة للطوارئ». وقال مسؤولون غربيون يعملون في السياسة الليبية إن الولايات المتحدة وبريطانيا أرسلتا عناصر كوماندوز (قوات خاصة) بغرض المراقبة وجمع معلومات استخباراتية من على الأرض في ليبيا. وكانت الولايات المتحدة صعدت من ضرباتها الجوية ضد قادة «داعش»، غير أن الاستراتيجيات العسكرية لا تزال ينقصها الخيارات بعيدة المدى لاستيعاب التنظيم هنا.
من الوارد أن تصدر ليبيا معضلاتها للغرب، على الأقل بنفس درجة الصعوبة الحالية التي تشكلها قواعد «داعش» في سوريا، تحديدا الرقة، في ظل اشتعال الحرب الأهلية هناك حيث «داعش» محاط بجماعات مسلحة تتمتع بدعم دولي في الوقت الذي تتلقى فيه ضربات جوية من الولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، وسوريا.
وتفتقد ليبيا، حيث ساعدت الضربات الجوية التي شنها حلف شمال الأطلسي «الناتو» في الإطاحة بمعمر القذافي منذ أربع سنوات، إلى حكومة فعلية، وانشغلت الطوائف المتحاربة في الاقتتال الداخلي بين بعضهما البعض، بدلا من الاتجاه لمحاربة «داعش». ويعاني جميع جيران ليبيا من حالة ضعف وعدم استقرار جعلتهم عاجزين عن قيادة أو حتى استضافة تحالف للتدخل العسكري هناك.
وأحكم «داعش» قبضته بالفعل على مسافة تجاوزت 150 ميلا على امتداد شواطئ البحر المتوسط بالقرب من سرت؛ من بلدة «أبوقرين» في الغرب حتى النوفلية في الشرق، وتراجعت كل الميليشيات في مدينة مصراتة، التي كانت قد تعهدت في السابق بطرد التنظيم بالكامل، ولم يعد في المنطقة سوى نقاط تفتيش محدودة لحراسة أراضي التنظيم لا يتواجد فيها سوى عنصر أو اثنين من مسلحي «داعش» حيث يتحرك مسلحوه بحرية ذهابا وإيابا.
وبحسب تقديرات القادة العسكريين والمسؤولين الغربيين، تضم قوات «داعش» في ليبيا في الوقت الحالي نحو 2000 مقاتل، منهم بضع مئات في سرت، والكثير منهم منتشرون في الشرق حول مدينة النوفلية. وزادت سلسلة التفجيرات والاغتيالات والهجمات التي وقعت مؤخرا وزادت المخاوف من أن تصبح مدينه إجدابيا الواقعة في أقصى الشرق، الهدف القادم للتنظيم، إذ أن غزو المدينة قد يسهل سيطرة التنظيم على عدة مفترقات طرق وطرق حيوية للبترول وحقول النفط شرق المدينة.
الأدهى أنه في ضوء تأزم الأوضاع التي أتت على ما تبقى من الحكومة الليبية هي أن مقاتلي «داعش» يتسلمون أسلحة وإمدادات أخرى من الثروات النفطية المتكدسة التي هي ملك للدولة الليبية في الأساس. ويتسلم «داعش» الأسلحة عن طريق نفس الوسيط الذي لعب دورا ثانويا في الهجوم المميت الذي تعرضت له البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي عام 2012.
وحسب أهالي سرت ومسؤولين غربيين، وصل إلى ليبيا مؤخرا أحد قادة «داعش» الملقب حاليا بـ«أبو على الأنباري»، وهو ضابط سابق في الجيش العراقي في عهد صدام حسين، في قارب عن طريق البحر المتوسط. ويضيف المسؤولون أن قائدا عراقيا كبيرا آخر لدى «داعش» يدعى وسام نجم عبد زايد الزبيدي، الملقب بأبو نبيل، ربما عمل كقائد كبير لـ«داعش» في ليبيا قبل أن يقتل هذا الشهر في قصف جوي أميركي بالقرب من مدينة درنة شرق سوريا.
وقال عمر آدم (34 عاما)، قائد ميليشيا كبيرة في مصراتة، إن «ليبيا تشهد حاليا هجرات كبيرة لداعش من سوريا والعراق».
وأفاد الأهالي وزوار سرت أن التنظيم في سرت شرع في تطبيق النموذج الأكثر تشددا في الشريعة الإسلامية بفرض النقاب على كل النساء، ومنع الموسيقى والتدخين، وإغلاق المحال التجارية وقت الصلاة، وطبق على الأقل أربع حالات صلب في أغسطس (آب) الماضي.
وقام «داعش» الشهر الماضي بتنفيذ عمليتين علنيتين لقطع رؤوس لرجلين اتهما بالشعوذة، وفق شهادة نزلاء في نفس السجن الذي اعتقل فيه الرجلان في سرت.
وكان تنظيم داعش قد دعا المسلمين من كل مكان للمجيء لسوريا والعراق للانضمام لدولة الخلافة التي أعلنها هناك، وصورت حملة دعاية التنظيم الهجرة إلى هناك كواجب ديني، ووجهوا النداء للمسلمين من كافة التخصصات، من الأطباء للمهندسين وغيرهم للإسراع بالانضمام لدولتهم. وحذرت مجلة التنظيم الصادرة باللغة الإنجليزية والتي تحمل اسم «دابق» المتقاعسين من أنهم سيواجهون عقابا أليما يوم القيامة جراء عدم تلبية النداء.
وخرج أول عدد من المجلة بدعوة تقول: «أسرع إلى ظلال الدولة الإسلامية مع أبويك وأقاربك وزوجاتك وأطفالك».
غير أن الرسائل بدأت تتغير مع تعرض مشروع بناء الدولة في سوريا لضربات عسكرية، وبدأ قادة «داعش» في التركيز على معركتهم بالخارج. فعندما شرعت الولايات المتحدة في توجيه ضرباتها العسكرية ضد التنظيم الخريف الماضي، دعا المتحدث باسم التنظيم الملقب بأبو محمد العدناني، مسلمي الغرب للبقاء حيث هم وقتل من حولهم.
وقال العدناني في رسالة صوتية «إن استطعت فلتقتل أميركيا أو أوروبيا كافرا، خاصة الفرنسيين الحاقدين القذرين، أو اقتل كنديا»، مضيفا: «توكل على الله واقتله بأي طريقة كانت».
استجاب للنداء بعض «الذئاب المنفردة»، منهم مسلح قام بمهاجمة البرلمان الكندي وقتل جنديا تواجد بالقرب من المكان.
* خدمة «نيويورك تايمز»



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).