النمر وآل شويل: منظرا الإرهاب من مذهبين.. أمام ميزان واحد

خيانة الوطن وتوظيف الدين لأغراض سياسية واستباحة شاملة للدماء

إرهاب السكان هدف مستمر للإرهابيين («الشرق الأوسط»)
إرهاب السكان هدف مستمر للإرهابيين («الشرق الأوسط»)
TT

النمر وآل شويل: منظرا الإرهاب من مذهبين.. أمام ميزان واحد

إرهاب السكان هدف مستمر للإرهابيين («الشرق الأوسط»)
إرهاب السكان هدف مستمر للإرهابيين («الشرق الأوسط»)

بينهما روابط مشتركة، إذ خلعا البيعة عن أعناقهما لحكام السعودية، وانتهجا الخيانة وفقا لنصي حكميهما، معلنين من منبرين، تتفاوت بينهما سنوات، أنه لا شرعية لهذه البلاد.. إنهما عملة واحدة، أحد أوجهها رجل الدين الشيعي نمر النمر، ووجه آخر يتمثل في منظّر تنظيم القاعدة فارس آل شويل، ولهما في إيران موقع للتدريب، وفقا لما أثبتته مسيرة جلسات محاكمتهما في المحكمة الجزائية المتخصصة بالعاصمة السعودية الرياض.
* نمر باقر النمر
يتوقف عمره عند الخامسة والخمسين، وعاش حياته في العوامية وتتلمذ في مدارسها، وبعدما اندلعت الثورة الإسلامية في إيران هاجر إليها لأهداف شتى، ومنها إلى العراق الذي التحق فيه بحوزة الإمام القائم (الحوزة: لفظ اصطلاحي على مدرسة تدرس المذهب الجعفري الاثني عشري الشيعي)، ومن ثم انتقل إلى سوريا، وظل بعيدا عن السعودية لأكثر من خمس عشرة سنة، قبل أن يعود في 1994، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن ظل مارقا على أنظمة الدولة، على الرغم من إيقافاته المتكررة.
في عام 2009 صعد منبره في العوامية، موجها الهجوم على وزارة الداخلية السعودية، واتهمها بكثير من التهم المترافقة مع الخطابات التحريضية القادمة من قم إيران. واتهم الأجهزة الأمنية أنها تسعى للخراب وليس الأمن. وظل على ذات المنوال حتى اندلاع الثورات العربية، وقيام احتجاجات في مملكة البحرين التي أخمدتها السياسة البحرينية والأمن الخليجي بعد ثبوت تورط إيراني في تلك الاحتجاجات، والدفع بعدد كبير من الأفراد للخروج، بغية إسقاط حكم الأسرة الحاكمة في البحرين.
وطالب النمر، الذي استؤنف الحكم عليه بالقصاص، في خطبه منذ 2011 التي أصبحت منتشرة ومتناغمة مع التطور التقني وتناقلتها الأجهزة الذكية، بإعادة الهجوم على السعودية، وحكامها وأجهزتها الأمنية، متهما إياها بـ«القمع»، ومطالبا بالخروج للتظاهر ضد الحكومة وحكامها، والمطالبة بالإفراج عن متهمين لهم علاقة بـ«تفجيرات الخبر» 1996. وحملت تلك الدعوات انسجاما في الموقف الرسمي الإيراني، وبعض المرجعيات الدينية التي ظل النمر ممثلا في مسرحها، لتأجيج الشارع.
وبعد وفاة الأمير نايف بن عبد العزيز (رحمه الله)، ولي العهد وزير الداخلية السعودي، سخر النمر من وفاته، وطالب عبر خطبة دموية بتحكيم ولاية الفقيه في هذه البلاد، ومطالبته بإسقاط مملكة البحرين، ودعوته للشباب السعودي إلى مناصرة مثيري الفتنة في البحرين بالقول والفعل وغير ذلك مما حوته خطبه.
وفي شهر يوليو (تموز) من عام 2012، وأثناء قيام إحدى الدوريات الأمنية بعملها المعتاد، لاحظت وجود أحد المطلوبين على لائحة القائمة الأمنية الـ«23» هو حسين آل ربيع (قبض عليه بعد شهرين من القبض على النمر ويمثل حاليا أمام القضاء الشرعي)، وأثناء محاولتها القبض عليه قام بإطلاق النار على الدورية الأمنية، وخلال تلك اللحظات حاولت سيارة أخرى تضليل المطاردة الأمنية للمطلوب، واتضح أنها تعود للمطلوب حينها نمر النمر. وعندها أقدمت الأجهزة الأمنية للقبض على النمر، ولكن أثناء القبض عليه حضرت سيارة أخرى إلى المكان وأطلق من كانوا فيها وابلا من الرصاص على الأمن، ونتج عنها إصابة نمر النمر، الذي تم نقله للعلاج.
* نص الحكم الابتدائي
وجاء نص الحكم الابتدائي على نمر النمر بعدد من الإدانات، أقر فيها النمر بأنه لا بيعة في عنقه لأحد، وأن البيعة لا تكون إلا لله ولرسوله وآله وللأئمة الاثنى عشر، وأنه لا شرعية لحكام هذه البلاد، كونه لا تتوفر فيهم الشروط الشرعية للبيعة. واتهم القضاء في السعودية بعدم النزاهة، ووصف الدولة بأنها «دولة إرهاب وعنف». كذلك وصف كثيرا من الأنظمة والقوانين المتبعة فيها بأنها غير شرعية، خصوصا النظام الأساسي للحكم. ووصف رجال الأمن بـ«عصابات قطاع الطرق»، وقوات «درع الجزيرة» بـ«عار الجزيرة»، مطالبا بإخراجهم من البحرين. وحرض للدفاع عن المطلوبين في قضايا تمس أمن البلاد والمعلن عنهم في قائمة «الـ23»، وهرب وتخفى عن رجال الأمن بعدما علم أنه مطلوب للسلطات المختصة.
حمل نص الحكم، بناء على إفادات عدد من الأشخاص المرصودة سابقا والمتضمنة، أن النمر هو من يتزعم التوتر الحاصل في بلدة العوامية، ويقوم بتحميس الشباب في البلدة على مواصلة المسيرات والتجمعات، وعدم الخوف من الجهات الأمنية. ويسيء في خطبه لولاة الأمر، ويطالب باستقلال العوامية. وبعد أن ثبت لدى المحكمة الجزائية المتخصصة «خروجه على إمام هذه الدولة والحاكم فيها خادم الحرمين الشريفين بقصد تفريق الأمة وإشاعة الفوضى وإسقاط الدولة (...) ونظرا إلى أنه قد ثبت للمحكمة إدانة المدعى عليه بأفعال ضارة على الأمن العام وسكينة المجتمع وسلمه، الذي استقرت به أوضاعه، حيث تجاوز الأمر إبداء الرأي المجرد، والذي مارسه المدعى عليه سنين طويلة دون أن يؤاخذ به انطلاقا من ترحيب الشريعة الإسلامية بالرأي وعدم مصادرته»، تم الحكم بقتله تعزيرا.
* فارس آل شويل
آل شويل محرض في بحر الأربعين من العمر، خاض حياته في التأليب والتحريض، حتى انتهى به الحال بين قضبان الحديد، ومحكوم عليه بالقتل تعزيرا.
رحل من منطقة الباحة إلى المدينة المنورة في عام 1996، لدراسة المرحلة الجامعية بالجامعة الإسلامية، حيث لم يستمر بها أكثر من سنة، انتقل بعدها إلى القصيم (بوسط السعودية)، ومن ثم انتقل جنوبا إلى أبها، حيث أكمل فيها دراسته، ومن ثم تزوج ورزق بطفلين.
نشيط في الكتابة، وساهم تنامي الوهج المحلي على الإنترنت مع بداية الألفية الحالية، على القيام بكثير من الأمور الشرعية وفقا لتخصصه الجامعي. وبما أن تنظيم القاعدة في عمله يقوم على ثلاثة شعب: الشرعية والعسكرية والإعلامية، فإن آل شويل كان حجر الأساس الشرعي للفتيا في التنظيم، وكان يمد الشعبة الإعلامية بنتاجه من كتب مسمومة، يشرعن فيها الزاد النظري أمام الجناح العسكري المتعدد الأفراد.
* الكتب التي ألفها
ألف آل شويل عشرات الكتب، وأصدر عدة رسائل صوتية عبر الإنترنت، وكان من بين أبرز كتبه التي كتب بعضها باسم مستعار هو «أبو جندل الأزدي» - أزاله لاحقا بعدما أصبح على قائمة المطلوبين - هو: «الباحث عن حكم قتل أفراد وضباط المباحث»، و«أسامة بن لادن مجدد الزمان وقاهر الأميركان»، و«وجوب استنقاذ المستضعفين من سجون الطواغيت والمرتدين»، و«الآيات والأحاديث الغزيرة على كفر قوات درع الجزيرة»، و«تحريض المجاهدين الأبطال على إحياء سنة الاغتيال»، و«نصوص الفقهاء حول أحكام الإغارة والتترس».
وتنقل آل شويل بين عدد من المدن السعودية، متنكرا بزي نسائي، حتى وصل إلى مدينة أبها في شهر أغسطس (آب) من عام 2004. وبعد رصد أمني دقيق تمكنت القوات الأمنية من جعله تحت الأنظار أثناء وجوده في حديقة عامة، وكانت محاكمته تحمل تحديا أمام القضاء، إذ إنه ظل متمسكا بمنهج «القاعدة»، وأثبتت المحكمة الجزائية المتخصصة، في حكمها الذي أدانت فيه آل شويل، تأييده منهج «عدد من المنحرفين فكريا أمثال أسامة بن لادن وأبو محمد المقدسي والفقيه والمسعري وتصريحه بتمجيدهم ودفاعه عن منهجهم». كما أدين بالاستجابة لأحد الأشخاص عند مقابلته في مكة المكرمة، وسبق أن التقاه في إيران، وذلك بعرض مقابلته عددا من الأشخاص في محافظة جدة لممارسة بعض التدريبات البدنية بقصد الإعداد للقتال. وقيامه بالتردد عليهم في إحدى الشقق، وتدربه مع بعضهم على الرماية بالسلاح الرشاش، وإقراره بأنه بعد الأحداث الإرهابية التي وقعت في الرياض 2003 قرر الانتقال إلى منطقة عسير، وذلك بالتشاور مع من وصفه بـ«قائد تنظيم الجهاد في جزيرة العرب»، وكذلك بالتشاور أيضا مع عيسى العوشن.
أيضا، ثبتت إدانته بالخروج من السعودية إلى اليمن بطريقة غير مشروعة، بعد علمه أنه مطلوب للجهات الأمنية، إثر القبض على من كان يجتمع بهم في جدة. وكذلك عودته إلى المملكة بالطريقة نفسها، والتنقل من منطقة إلى أخرى متخفيا عن رجال الأمن بمساعدة عدة أشخاص، مستخدما محررات رسمية مزورة حصل عليها من شخص يقيم في منطقة القصيم سبق أن تعرف إليه أثناء وجودهما في إيران. كما قام بالاشتراك في إيواء أحد المصابين في المواجهات الأمنية في حي الفيحاء، شرق مدينة الرياض، في أبريل (نيسان) 2004، وهو راكان الصيخان، وتولى مع عبد العزيز المقرن دفنه بعد هلاكه بقصد تضليل الجهات الأمنية.
وثبت أيضا إدانة آل شويل بالتستر على عدة عمليات إرهابية علم عن الترتيب لها أثناء إقامته مع أعضاء التنظيم وقيامه بالقنوت لإتمامها، ومنها التخطيط لاغتيال وزير الداخلية آنذاك الأمير نايف بن عبد العزيز (رحمه الله)، والشروع في تفجير سفارات دول أجنبية ومبنى قوات أمن الطوارئ بتجهيز أعضاء التنظيم سيارات مفخخة، إضافة إلى إقراره بأنهم في كل مخططاتهم هدفهم في التنظيم الإطاحة بالأسرة الحاكمة في المملكة وعدد من الأسر الحاكمة في الخليج بعد الإطاحة بأميركا.
* اعتبارات تتعلق بالعقوبة
وقال حمود الزيادي، الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، إن «تنفيذ العقوبة بحق المدانين، لها عدة اعتبارات، أهمها أن من شأن ذلك يعد رادعا للذين لم ينخرطوا بعد في هذه التنظيمات المتطرفة، ويبرهن على سيادة القانون ونفاذه، وأن لا تهاون مع كل من يستحل الدماء ويعتدي على شرعية الدولة وكيانها ويتآمر على أمنها واستقرارها لتحقيق مصالح أعداء سواء كانوا تنظيمات أو دولا». وأوضح أن «ذلك سيحدث إرباكا بين أتباع تلك التنظيمات ومناصريها، وسيحطم الهيبة المصطنعة والموهومة لتلك الجماعات».
وتابع الزيادي، خلال حديث مع «الشرق الأوسط»، أن «لدى السعودية من الإمكانات والقدرات الأمنية الاحترافية ما يكفي للتصدي لمثل هذه التهديدات التي طالما وجهت إليها من هذه المجموعات الإرهابية، ورعاتها من بعض الدول الإقليمية وتحديدا إيران. وأن السعودية تعمل بحزم وصرامة مع ملف الإرهاب خلال عقد ونصف، وفككت كثيرا من الشبكات والخلايا حتى قضت على فرع تنظيم القاعدة في السعودية».



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.