النمر وآل شويل: منظرا الإرهاب من مذهبين.. أمام ميزان واحد

خيانة الوطن وتوظيف الدين لأغراض سياسية واستباحة شاملة للدماء

إرهاب السكان هدف مستمر للإرهابيين («الشرق الأوسط»)
إرهاب السكان هدف مستمر للإرهابيين («الشرق الأوسط»)
TT

النمر وآل شويل: منظرا الإرهاب من مذهبين.. أمام ميزان واحد

إرهاب السكان هدف مستمر للإرهابيين («الشرق الأوسط»)
إرهاب السكان هدف مستمر للإرهابيين («الشرق الأوسط»)

بينهما روابط مشتركة، إذ خلعا البيعة عن أعناقهما لحكام السعودية، وانتهجا الخيانة وفقا لنصي حكميهما، معلنين من منبرين، تتفاوت بينهما سنوات، أنه لا شرعية لهذه البلاد.. إنهما عملة واحدة، أحد أوجهها رجل الدين الشيعي نمر النمر، ووجه آخر يتمثل في منظّر تنظيم القاعدة فارس آل شويل، ولهما في إيران موقع للتدريب، وفقا لما أثبتته مسيرة جلسات محاكمتهما في المحكمة الجزائية المتخصصة بالعاصمة السعودية الرياض.
* نمر باقر النمر
يتوقف عمره عند الخامسة والخمسين، وعاش حياته في العوامية وتتلمذ في مدارسها، وبعدما اندلعت الثورة الإسلامية في إيران هاجر إليها لأهداف شتى، ومنها إلى العراق الذي التحق فيه بحوزة الإمام القائم (الحوزة: لفظ اصطلاحي على مدرسة تدرس المذهب الجعفري الاثني عشري الشيعي)، ومن ثم انتقل إلى سوريا، وظل بعيدا عن السعودية لأكثر من خمس عشرة سنة، قبل أن يعود في 1994، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن ظل مارقا على أنظمة الدولة، على الرغم من إيقافاته المتكررة.
في عام 2009 صعد منبره في العوامية، موجها الهجوم على وزارة الداخلية السعودية، واتهمها بكثير من التهم المترافقة مع الخطابات التحريضية القادمة من قم إيران. واتهم الأجهزة الأمنية أنها تسعى للخراب وليس الأمن. وظل على ذات المنوال حتى اندلاع الثورات العربية، وقيام احتجاجات في مملكة البحرين التي أخمدتها السياسة البحرينية والأمن الخليجي بعد ثبوت تورط إيراني في تلك الاحتجاجات، والدفع بعدد كبير من الأفراد للخروج، بغية إسقاط حكم الأسرة الحاكمة في البحرين.
وطالب النمر، الذي استؤنف الحكم عليه بالقصاص، في خطبه منذ 2011 التي أصبحت منتشرة ومتناغمة مع التطور التقني وتناقلتها الأجهزة الذكية، بإعادة الهجوم على السعودية، وحكامها وأجهزتها الأمنية، متهما إياها بـ«القمع»، ومطالبا بالخروج للتظاهر ضد الحكومة وحكامها، والمطالبة بالإفراج عن متهمين لهم علاقة بـ«تفجيرات الخبر» 1996. وحملت تلك الدعوات انسجاما في الموقف الرسمي الإيراني، وبعض المرجعيات الدينية التي ظل النمر ممثلا في مسرحها، لتأجيج الشارع.
وبعد وفاة الأمير نايف بن عبد العزيز (رحمه الله)، ولي العهد وزير الداخلية السعودي، سخر النمر من وفاته، وطالب عبر خطبة دموية بتحكيم ولاية الفقيه في هذه البلاد، ومطالبته بإسقاط مملكة البحرين، ودعوته للشباب السعودي إلى مناصرة مثيري الفتنة في البحرين بالقول والفعل وغير ذلك مما حوته خطبه.
وفي شهر يوليو (تموز) من عام 2012، وأثناء قيام إحدى الدوريات الأمنية بعملها المعتاد، لاحظت وجود أحد المطلوبين على لائحة القائمة الأمنية الـ«23» هو حسين آل ربيع (قبض عليه بعد شهرين من القبض على النمر ويمثل حاليا أمام القضاء الشرعي)، وأثناء محاولتها القبض عليه قام بإطلاق النار على الدورية الأمنية، وخلال تلك اللحظات حاولت سيارة أخرى تضليل المطاردة الأمنية للمطلوب، واتضح أنها تعود للمطلوب حينها نمر النمر. وعندها أقدمت الأجهزة الأمنية للقبض على النمر، ولكن أثناء القبض عليه حضرت سيارة أخرى إلى المكان وأطلق من كانوا فيها وابلا من الرصاص على الأمن، ونتج عنها إصابة نمر النمر، الذي تم نقله للعلاج.
* نص الحكم الابتدائي
وجاء نص الحكم الابتدائي على نمر النمر بعدد من الإدانات، أقر فيها النمر بأنه لا بيعة في عنقه لأحد، وأن البيعة لا تكون إلا لله ولرسوله وآله وللأئمة الاثنى عشر، وأنه لا شرعية لحكام هذه البلاد، كونه لا تتوفر فيهم الشروط الشرعية للبيعة. واتهم القضاء في السعودية بعدم النزاهة، ووصف الدولة بأنها «دولة إرهاب وعنف». كذلك وصف كثيرا من الأنظمة والقوانين المتبعة فيها بأنها غير شرعية، خصوصا النظام الأساسي للحكم. ووصف رجال الأمن بـ«عصابات قطاع الطرق»، وقوات «درع الجزيرة» بـ«عار الجزيرة»، مطالبا بإخراجهم من البحرين. وحرض للدفاع عن المطلوبين في قضايا تمس أمن البلاد والمعلن عنهم في قائمة «الـ23»، وهرب وتخفى عن رجال الأمن بعدما علم أنه مطلوب للسلطات المختصة.
حمل نص الحكم، بناء على إفادات عدد من الأشخاص المرصودة سابقا والمتضمنة، أن النمر هو من يتزعم التوتر الحاصل في بلدة العوامية، ويقوم بتحميس الشباب في البلدة على مواصلة المسيرات والتجمعات، وعدم الخوف من الجهات الأمنية. ويسيء في خطبه لولاة الأمر، ويطالب باستقلال العوامية. وبعد أن ثبت لدى المحكمة الجزائية المتخصصة «خروجه على إمام هذه الدولة والحاكم فيها خادم الحرمين الشريفين بقصد تفريق الأمة وإشاعة الفوضى وإسقاط الدولة (...) ونظرا إلى أنه قد ثبت للمحكمة إدانة المدعى عليه بأفعال ضارة على الأمن العام وسكينة المجتمع وسلمه، الذي استقرت به أوضاعه، حيث تجاوز الأمر إبداء الرأي المجرد، والذي مارسه المدعى عليه سنين طويلة دون أن يؤاخذ به انطلاقا من ترحيب الشريعة الإسلامية بالرأي وعدم مصادرته»، تم الحكم بقتله تعزيرا.
* فارس آل شويل
آل شويل محرض في بحر الأربعين من العمر، خاض حياته في التأليب والتحريض، حتى انتهى به الحال بين قضبان الحديد، ومحكوم عليه بالقتل تعزيرا.
رحل من منطقة الباحة إلى المدينة المنورة في عام 1996، لدراسة المرحلة الجامعية بالجامعة الإسلامية، حيث لم يستمر بها أكثر من سنة، انتقل بعدها إلى القصيم (بوسط السعودية)، ومن ثم انتقل جنوبا إلى أبها، حيث أكمل فيها دراسته، ومن ثم تزوج ورزق بطفلين.
نشيط في الكتابة، وساهم تنامي الوهج المحلي على الإنترنت مع بداية الألفية الحالية، على القيام بكثير من الأمور الشرعية وفقا لتخصصه الجامعي. وبما أن تنظيم القاعدة في عمله يقوم على ثلاثة شعب: الشرعية والعسكرية والإعلامية، فإن آل شويل كان حجر الأساس الشرعي للفتيا في التنظيم، وكان يمد الشعبة الإعلامية بنتاجه من كتب مسمومة، يشرعن فيها الزاد النظري أمام الجناح العسكري المتعدد الأفراد.
* الكتب التي ألفها
ألف آل شويل عشرات الكتب، وأصدر عدة رسائل صوتية عبر الإنترنت، وكان من بين أبرز كتبه التي كتب بعضها باسم مستعار هو «أبو جندل الأزدي» - أزاله لاحقا بعدما أصبح على قائمة المطلوبين - هو: «الباحث عن حكم قتل أفراد وضباط المباحث»، و«أسامة بن لادن مجدد الزمان وقاهر الأميركان»، و«وجوب استنقاذ المستضعفين من سجون الطواغيت والمرتدين»، و«الآيات والأحاديث الغزيرة على كفر قوات درع الجزيرة»، و«تحريض المجاهدين الأبطال على إحياء سنة الاغتيال»، و«نصوص الفقهاء حول أحكام الإغارة والتترس».
وتنقل آل شويل بين عدد من المدن السعودية، متنكرا بزي نسائي، حتى وصل إلى مدينة أبها في شهر أغسطس (آب) من عام 2004. وبعد رصد أمني دقيق تمكنت القوات الأمنية من جعله تحت الأنظار أثناء وجوده في حديقة عامة، وكانت محاكمته تحمل تحديا أمام القضاء، إذ إنه ظل متمسكا بمنهج «القاعدة»، وأثبتت المحكمة الجزائية المتخصصة، في حكمها الذي أدانت فيه آل شويل، تأييده منهج «عدد من المنحرفين فكريا أمثال أسامة بن لادن وأبو محمد المقدسي والفقيه والمسعري وتصريحه بتمجيدهم ودفاعه عن منهجهم». كما أدين بالاستجابة لأحد الأشخاص عند مقابلته في مكة المكرمة، وسبق أن التقاه في إيران، وذلك بعرض مقابلته عددا من الأشخاص في محافظة جدة لممارسة بعض التدريبات البدنية بقصد الإعداد للقتال. وقيامه بالتردد عليهم في إحدى الشقق، وتدربه مع بعضهم على الرماية بالسلاح الرشاش، وإقراره بأنه بعد الأحداث الإرهابية التي وقعت في الرياض 2003 قرر الانتقال إلى منطقة عسير، وذلك بالتشاور مع من وصفه بـ«قائد تنظيم الجهاد في جزيرة العرب»، وكذلك بالتشاور أيضا مع عيسى العوشن.
أيضا، ثبتت إدانته بالخروج من السعودية إلى اليمن بطريقة غير مشروعة، بعد علمه أنه مطلوب للجهات الأمنية، إثر القبض على من كان يجتمع بهم في جدة. وكذلك عودته إلى المملكة بالطريقة نفسها، والتنقل من منطقة إلى أخرى متخفيا عن رجال الأمن بمساعدة عدة أشخاص، مستخدما محررات رسمية مزورة حصل عليها من شخص يقيم في منطقة القصيم سبق أن تعرف إليه أثناء وجودهما في إيران. كما قام بالاشتراك في إيواء أحد المصابين في المواجهات الأمنية في حي الفيحاء، شرق مدينة الرياض، في أبريل (نيسان) 2004، وهو راكان الصيخان، وتولى مع عبد العزيز المقرن دفنه بعد هلاكه بقصد تضليل الجهات الأمنية.
وثبت أيضا إدانة آل شويل بالتستر على عدة عمليات إرهابية علم عن الترتيب لها أثناء إقامته مع أعضاء التنظيم وقيامه بالقنوت لإتمامها، ومنها التخطيط لاغتيال وزير الداخلية آنذاك الأمير نايف بن عبد العزيز (رحمه الله)، والشروع في تفجير سفارات دول أجنبية ومبنى قوات أمن الطوارئ بتجهيز أعضاء التنظيم سيارات مفخخة، إضافة إلى إقراره بأنهم في كل مخططاتهم هدفهم في التنظيم الإطاحة بالأسرة الحاكمة في المملكة وعدد من الأسر الحاكمة في الخليج بعد الإطاحة بأميركا.
* اعتبارات تتعلق بالعقوبة
وقال حمود الزيادي، الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، إن «تنفيذ العقوبة بحق المدانين، لها عدة اعتبارات، أهمها أن من شأن ذلك يعد رادعا للذين لم ينخرطوا بعد في هذه التنظيمات المتطرفة، ويبرهن على سيادة القانون ونفاذه، وأن لا تهاون مع كل من يستحل الدماء ويعتدي على شرعية الدولة وكيانها ويتآمر على أمنها واستقرارها لتحقيق مصالح أعداء سواء كانوا تنظيمات أو دولا». وأوضح أن «ذلك سيحدث إرباكا بين أتباع تلك التنظيمات ومناصريها، وسيحطم الهيبة المصطنعة والموهومة لتلك الجماعات».
وتابع الزيادي، خلال حديث مع «الشرق الأوسط»، أن «لدى السعودية من الإمكانات والقدرات الأمنية الاحترافية ما يكفي للتصدي لمثل هذه التهديدات التي طالما وجهت إليها من هذه المجموعات الإرهابية، ورعاتها من بعض الدول الإقليمية وتحديدا إيران. وأن السعودية تعمل بحزم وصرامة مع ملف الإرهاب خلال عقد ونصف، وفككت كثيرا من الشبكات والخلايا حتى قضت على فرع تنظيم القاعدة في السعودية».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.