مؤتمر في واشنطن حول ثورة هندسة الجينات في الصين

بعد أن وصل حجم الإنتاج إلى مليون بقرة استنساخية سنويًا

مؤتمر في واشنطن حول ثورة هندسة الجينات في الصين
TT

مؤتمر في واشنطن حول ثورة هندسة الجينات في الصين

مؤتمر في واشنطن حول ثورة هندسة الجينات في الصين

تبدأ هنا، يوم الأربعاء، قمة دولية لدراسة الهندسة الوراثية، متمثلة في هندسة الجينات (العوامل الوراثية في الحمض النووي، دي إن إيه)، ومركزة على التبعات الأخلاقية لهذا التطور العلمي الحديث، وخصوصا، بعد تقارير بأن علماء في الصين تبحروا في هذا المجال، وصاروا قادرين على إنتاج مليون بقرة استنساخية كل عام. وتوقع أن تصل تكنولوجيا الجينات إلى إنتاج أطفال حسب الطلب.
يحضر القمة كبار علماء البيولوجيا في الولايات المتحدة، وأوروبا، بالإضافة إلى الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، ودول آسيوية ولاتينية.
أمس الأحد، قال متحدث باسم المؤتمر إن الأكاديميات الأميركية في العلوم، والهندسة، والطب، تشرف على المؤتمر. بالإضافة إلى أكاديمية العلوم الصينية، والجمعية الملكية البريطانية. وإن المؤتمر سيعقد في مبنى الأكاديمية الأميركية للعلوم في قلب واشنطن (يجلس أمامها تمثال عملاق للعالم ألبرت أينشتانين).
سيتحدث في المؤتمر بيل فوستر، عضو مجلس النواب، ورئيس لجنة التطورات الحضارية والعلمية. وجون هولدرين، مسؤول العلوم والتكنولوجيا في البيت الأبيض، والذي كان قد رعى، قبل شهرين، حفلا لطلاب المدارس العلمية. وحضره الرئيس باراك أوباما.
في الصيف الماضي، عقد في نيويورك مؤتمر تمهيدي لمؤتمر هذا الأسبوع. وأيضا، تصدى لمخاوف عبر عنها علماء وأساتذة أخلاق وعلوم إنسانية. في ذلك الوقت، أوردت وكالة «رويترز» أن الموضوع الرئيسي كان «ببيى باي ديماند» (مولود حسب الطلب)، بهدف وضع خطوط استرشادية للتكنولوجيا الجينية الجديدة داخل نطاق أخلاقي متفق عليه.
تسمح هذه التكنولوجيا المسماة «كريسبر»، للعلماء تغيير أي جين يريدون في قائمة الجينات البشرية. وتشبه هذه التكنولوجيا الجديدة برامج الكومبيوتر لمعالجة النصوص، لكن، هذه المرة في المجال الحيوي (البيولوجي). ويتوقع أن تمكن تكنولوجيا «كريسبر» العلماء من رصد أي عيوب جينية، واستبدالها بجينات دون عيوب.
في مؤتمر الصيف الماضي، فرق المؤتمرون بين شركات بيولوجية وجامعات تقول إن الهندسة الوراثية يمكن أن تكون مفيدة وثورية، مثل تكنولوجيا الحمض النووي (دي إن إيه) التي تطورت في السبعينات والثمانينات، وبين تقارير صحافية وإنسانية مثيرة تقول إن التكنولوجيا الجديدة ستخلق أطفالا حسب الطلب، أو أطفالا مشوهين، أو مخلوقات تجمع بين أطفال وحيوانات.
في نهاية الصيف الماضي، زادت هذه المخاوف بعد أن أعلن علماء صينيون أول تجربة لاستخدام تكنولوجيا «كريسبر» لتغيير الجينات لإحداث تعديلات في الحمض النووي لأجنة بشرية وهي في أرحامها. رغم أن العلماء الصينيين قالوا إن هذه الأجنة «غير قابلة للحياة، ولن تتطور إلى مواليد»، قوبلت التجربة بتحذيرات من علماء قالوا إن هذا قد يعني أن تغيير الخريطة الجينية للإنسان يمكن أن يكون مسألة وقت. وقوبلت التجربة باستنكار من منظمات وجمعيات دينية وإنسانية وأخلاقية.
حسب بيان أكاديمية العلوم الأميركية عن قمة الهندسة الجينية هذا الأسبوع، بادرت الأكاديمية ودعت لهذه القمة على ضوء ما حدث في الصين. واشترك في الإعداد لهذه القمة مجلس استشاري، كان أسسه الكونغرس، لوضع ضوابط دولية تدرس الأسس العلمية، والآثار الأخلاقية، والقانونية، والاجتماعية، لتغيير الجينات البشرية.
وقال تقرير كانت نشرته صحيفة «واشنطن بوست» في الشهر الماضي إن هندسة الجينات تستخدم شريطا حمضيا نوويا واحدا (آر إن إيه) مكان جزء يتم حذفه من خلية حيه أخرى (دي إن إيه). أو، أحيانا، إزالة كل الخلية الحية. حسب التقرير، يقول المدافعون عن استمرار الأبحاث إنها ستساعد التنبؤ بالأمراض على أسس علمية، مثل توقعات الإصابة بمرض كبر السن (ألزهايمر)، أو الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).
لكن، تحدث آخرون، وحذروا من «تكنولوجيا السيوبرمان» (الرجل الخارق). وأنها يمكن أن تؤدي إلى خلق «بشر خارقين». ولا يمكن وضع حدود لما ستكون عليه أشكالهم، أو أوضاعهم، وبالتالي، تغير البشرية كما نعرفها.
في المؤتمر القادم، سيكون هناك تركيز علمي، وإعلامي، على الوفد الصيني. وذلك بسبب تقارير بأن شركات التكنولوجيا الحيوية هناك يمكن أن تصل مرحلة إنتاج واسع النطاق استنادا إلى تجاربها الحالية. وأن شركة «بويالايف» الصينية تستثمر نصف مليار دولار في مشروع استنساخ أبقار من خلايا الشعر بالاشتراك مع شركة مماثلة في كوريا الجنوبية. وأن علماء في الصين، اعتمادا على تكنولوجيا «كريسبر»، صاروا يقدرون على أخذ جينات من نواة خلية من شعر البقر، ثم زرعها في بويضة غير مخصبة. وسيصبح ممكنا «إنتاج» مليون بقرة سنويا.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)