أحمد نوار في مغامرة صينية بالأبيض والأسود

في معرض خاص بالقاهرة ضم 30 لوحة

من الأعمال المعروضة  -  من لوحات المعرض
من الأعمال المعروضة - من لوحات المعرض
TT

أحمد نوار في مغامرة صينية بالأبيض والأسود

من الأعمال المعروضة  -  من لوحات المعرض
من الأعمال المعروضة - من لوحات المعرض

اكتفى الفنان أحمد نوار باللون الأسود وانعكاساته الضوئية اللافتة على الورقة البيضاء، ليعبر به عن ملمح مهم من ملامح الحضارة الصينية، وهو العمارة، بسمتها القديم الراسخ في الذاكرة والوجدان، وطبيعتها الجذابة، كأشكال متنوعة تداعب خيال النحات والمصور معا.
مغامرة نوار جسدتها 30 لوحة من الحجم المتوسط، ضمها معرض خاص له، استضافه حديثا غاليري «سفر خان» بالقاهرة، وحمل عنوان «رحلة نوار»، وهو ثمرة لزيارة قام بها منذ عدة سنوات إلى الصين، ضمن وفد لفنانين تشكيليين من عدة دول.
تخلى نوار عن نزوعه الأثير للوحات الكبيرة ذات الطابع الصرحي، وبحزمة أوراق بيضاء محدده المساحة، تشف بمسحة صفراء أحيانا، وبعض أقلام الفلوماستر والرصاص، وطاقة حادة من التأمل والدهشة، استعاد طفولة الرسام في تجربته الفنية الخصبة، وابتكر فضاء تشكيليا في اللوحة، موازيا لفضاء الطبيعة في الواقع الصيني، وما تزخر به من تفاصيل ومفردات بصرية، وعناصر وشواهد أثرية، لا تزال ممتدة في الزمان والمكان.
حرص نوار على ألا تنفصل رسوماته عن فن الرسم ذي الباع الطويل في تاريخ الفن الصيني، حيث كان ينظرون إلى الفن باعتباره التجلي الأعمق، بل المقدس لعبقرية الإنسان المبدعة، ونقطة ارتكاز حية لمفهوم الكون والحياة من حوله، فلجأ إلى خامة شبيهة بالحبر الصيني ذي التراث العريق، كما اعتمد على رسم عناصر المكان في بساطتها وعمقها، من بيوت وأشجار وجبال ووديان ومعابد وأنهار، وهي العناصر نفسها الذي احتفى بها الفن الصيني القديم، لكنه أضاف إليها نماذج من العمارة الصينية الحديثة، تبرز على نحو خاص في نماذج من المحال التجارية، والمقاهي والكباري المعلقة.
ورغم أن اللوحات تخلو من الشخوص بشكل واضح، فإن حركة الخطوط والظلال المكثفة في كثير من اللوحات تعطي انطباعا بحركة البشر، وبروح الناس في المكان. على ضوء ذلك، نجح المعرض في أن يشكل حالة خاصة من الترديد البصري، تعكس طبيعة العمارة الآسيوية بشكل عام والصينية على نحو خاص، وتبدت مهارة نوار في جعل خطوطه منسابة، وبشكل عفوي فوق مسطح اللوحة، كاشفة عن حيوية جذابة لمساحات ولطشات الأسود والأبيض، كمعول أساسي في تكوين الشكل وإنضاجه تلقائيا، بحيث يبدو كأثر معماري، أو منظر خلوي، التقط توا في مغامرة الرسم، وليس مجرد استعارة بصرية لتكوينات وأشكال مسبقة. كما قدمت اللوحات حلولا بصرية فارقة في التعامل مع الفضاء والفراغ، فكثيرا ما يشكل اللون نفسه الفراغ، والعكس صحيح أيضا، إضافة إلى مراعاة طبيعة التفاصيل في التكوين، وما تنطوي عليه من نعومة بادية في بعض زوايا الصورة، أو خشونة شفيفة في زوايا أخرى، وهو ما يؤكد أننا أمام طبيعة تُستلهم، لأنها تنفرد بمقومات جمالية وحضارية خاصة، تحفز على الاستكشاف والتأمل، وإعادة القراءة وطرح الأسئلة، المشتبكة مع الماضي والحاضر معا.
كما تعكس اللوحات خبرة نوار كحفار، يعرف طبيعة السطح وطرق معالجته في إطار جدلية التجسيد والتجريد، وكيفية المواءمة بينهما، بصيغ فنية بسيطة على شكل إشارات وعلامات خطية ومساقط خاطفة للضوء، تساهم في بلورة اللون ودفع حركته في تضادات وعلاقات فنية مثمرة، وهو ما انعكس في كثير من لوحات المعرض، حيث ذابت في نسيج الكتلة بسمتها الأسود الداكن والمخفف، حيوات متنوعة للطبيعة، ولدواخل الذات الإنسانية وعلائقها المتنوعة بالمكان، وبهموم الفنان نفسه، وحلمه في أن يحول اليومي العابر إلى كائن مقيم بحب وصفاء داخل اللوحة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».