فشل اجتماع باريس.. وأوروبا تتجه لعقوبات ضد روسيا

لافروف يرفض لقاء وزير الخارجية الأوكراني في باريس

وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف خلال لقاء في باريس أمس (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف خلال لقاء في باريس أمس (أ.ب)
TT

فشل اجتماع باريس.. وأوروبا تتجه لعقوبات ضد روسيا

وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف خلال لقاء في باريس أمس (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف خلال لقاء في باريس أمس (أ.ب)

وفر لبنان، من حيث لا يدري، المظلة لمشاورات دولية حول تطورات الوضع في أوكرانيا بمناسبة مؤتمر المجموعة الدولية لدعمه التي التأمت في قصر الإليزيه بعد ظهر أمس. فللمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، جلس الوزراء الغربيون الأساسيون (الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا) مع نظيرهم الروسي سيرغي لافروف، كما أن وزارة الخارجية وقصر الإليزيه استضافا الكثير من اللقاءات الثنائية وغير الثنائية التي صبت كلها في البحث عن «مخرج» لخفض التوتر وإيجاد حل. وتنبع أهمية لقاءات باريس أنها جاءت قبل يوم واحد من اجتماع قادة دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل اليوم وعلى رأس أجندتهم فرض عقوبات على روسيا بسبب ما يعدونه انتهاكا لسيادة أوكرانيا واحتلالا لأراضيها.
وأبرز اللقاءات التي حصلت أمس اثنان، الأول ضم وزير الخارجية الروسي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري، في قصر الإليزيه عقب انتهاء الاجتماع الخاص بلبنان وجرى على الشرفة المطلة على حديقة القصر بمناسبة ارتشاف القهوة وشارك فيه أيضا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ووزيرا الخارجية الفرنسي لوران فابيوس والألماني فرانك فالتر شتاينماير. أما الثاني، فجرى في مقر إقامة السفير الأميركي في باريس واقتصر على الوزيرين الأميركي والروسي.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية أن كيري ولافروف تمازحا على عادتهما في بيت السفير الأميركي بحضور معاونيهما بعد أن قال لافروف لكيري إن «الملف الذي تحمله سميك للغاية». ورد عليه الثاني «ليس كل هذا يخصك». وكان الوزير كيري قد اصطحب في طائرته مساء أول من أمس وزير خارجية أوكرانيا أندريه ديشتشيتسا الذي أجرى مشاورات موسعة مع الوزراء الأوروبيين الموجودين في العاصمة الفرنسية. بيد أن الغرض الذي جاء من أجله، وهو الاجتماع مع لافروف لم يتحقق رغم الضغوط التي مارسها كيري ووزير خارجية بريطانيا ويليام هيغ. وروت مصادر أميركية لـ«الشرق الأوسط» أن الوزير الأوكراني حمل معه «هدية» للوزير لافروف، هي عبارة عن قميص رياضي (تي شيرت) طبع عليها عبارة: «من روسيا مع محبتي». لكن اللقاء لم يحصل بسبب رفض لافروف القاطع باعتبار أن موسكو لا تعترف بشرعية الحكومة الأوكرانية التي قامت عقب الثورة وبالتالي لا مجال للقاء رسمي مع أي من وزرائها.
وكان الوزير الأوكراني قد حرص منذ الصباح، وبعد لقاء أول مع الوزير الفرنسي فابيوس على التأكيد أن بلاده «ترغب في تسوية الأزمة سلميا كما أنها لا تريد محاربة روسيا»، مضيفا أنه يريد المحافظة على الحوار وإقامة علاقات جيدة مع الشعب الروسي. ولمح المسؤول الأوكراني إلى رغبته في لقاء لافروف بقوله إنه «يثمن غاليا» كل الاتصالات الممكنة. بيد أن كل هذه الاتصالات لم تكن قد أسفرت حتى مساء أمس عن تقدم ذي معنى.
وكانت جهود الوزراء الغربيين تركزت أمس على مطالبة لافروف بعقد لقاء مع الوزير الأوكراني ديشتشيتسا وإجراء محادثات معه. وصرح وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ أن حكومات الاتحاد الأوروبي ليس أمامها خيار سوى التفكير في فرض عقوبات على روسيا إذا لم توافق على دخول حوار مع الحكومة الأوكرانية التي لا تعترف بها موسكو.
وقد يكون «التطور» الوحيد الذي حصل جاء من وزيري خارجية فرنسا وألمانيا، إذ أن فابيوس الذي أكد أنه «لا أحد ينوي إعلان الحرب على روسيا»، أعلن أنه يسعى مع نظيره شتاينماير إلى بلورة خطة لخفض التوتر والخروج من الأزمة. وتقوم الخطة على استعادة بعض نقاط الاتفاق الذي أبرم في كييف يوم 21 فبراير (شباط) الماضي مثل تشكيل حكومة اتحاد وطني وانسحاب العناصر الروسية من أوكرانيا وحل الميليشيات المتطرفة والعودة إلى دستور عام 2004 وإجراء انتخابات رئاسية جديدة لم يطرح فابيوس تاريخا لإجرائها.
ومساء أمس، أعلن لافروف بعد لقائه مع نظيره الأميركي أنهما «متفان على مساعدة الأوكرانيين على تنفيذ الاتفاقات المبرمة في كييف في 21 فبراير» الماضي. لكن الوزير الروسي لم يشرح المقصود بكلامه وما إذا كانت واشنطن تقبل بعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل تنحية الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وتشكيل حكومة جديدة وإصدار قوانين وتشريعات متسارعة.
لكن الواضح أن واشنطن سارت خطوة باتجاه المطالب الروسية إلا أنه لم يعرف ما هو المقابل الذي قدمه لافروف. وقلل الأخير من أهمية الاتصالات الجارية على صعيد منظمة الأمن والتعاون في أووربا والمجلس الروسي - الأطلسي ومنظمات دولية أخرى، عادا أنها «لا تساهم في إيجاد مناخ من الحوار والتعاون البناء». وتقرر عقد لقاء بين لافروف والوزراء الثلاثة الذين رعوا اتفاقات كييف (وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبولندا) في وقت لاحق من الليلة الماضية، فضلا عن ذلك، تسارعت الاتصالات أمس، لتحفيز روسيا على قبول تشكيل «مجموعة الاتصال» التي قالت عنها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبل يومين إن بوتين يقبل بها. وذهب الوزير فابيوس إلى حد اعتبار أن مجرد قبول موسكو لها يعد «تراجعا للتوتر».
ونشط الوزير الفرنسي أمس على أكثر من جبهة بما في ذلك عقد لقاء خاص مع لافروف فيما عقد وزراء خارجية ما يسمى بـ«مذكرة تفاهم بودابست» التي تضم واشنطن ولندن وموسكو وكييف اجتماعا قاطعه الوزير الروسي.
وسعى الغربيون إلى تحقيق «شيء ما» يوم أمس قبل اجتماع القادة الأوروبيين اليوم في بروكسيل. وكان وزراء خارجيتهم قد أكدوا أول من أمس، أنه في حال عدم توافر مؤشرات من قبل روسيا لخفض التوتر في أوكرانيا مثل بدء انسحاب وحداتها المنتشرة في شبه جزيرة القرم، فإن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ستفرض عقوبات اقتصادية على روسيا تطال الاستثمارات والودائع والتأشيرات. لكن لافروف سارع من مدريد باستباق اجتماعات باريس بالقول إن بلاده «لا تملك القدرة على التأثير على وحدات الدفاع الذاتي» الموجودة في القرم لا بل إن الرئيس بوتين نفسه نفى أن تكون لموسكو أي قوات عسكرية في أوكرانيا غير تلك الموجودة في قاعدة سيباستوبول بموجب اتفاق موقع بين موسكو وكييف وصالح لعام 2042.
وتتخوف مصادر فرنسية من أن فرض عقوبات «سيصعد الأمور»، كما أنها تتخوف من النتائج المترتبة على الاقتصادات الغربية وأولها الأوروبية. وجدير بالذكر أن 40 في المائة من حاجات أوروبا من الغاز تلبى من روسيا فيما السوق اليوم لا توفر البديل عما تصدره موسكو للغرب. وسبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن حذر أن أي عقوبات اقتصادية «ستكون سيفا ذا حدين»، وأنها ستصيب الاقتصاد الغربي كما الاقتصاد الروسي. وبحسب هذه المصادر، لا تبدو كل البلدان الأوروبية موحدة في مواقفها من موضوع العقوبات، ذلك أن دول البلطيق الثلاث تبدو الأكثر تطرفا تضاف إليها بولندا التي دعت أمس إلى اجتماع لمجلس الحلف الأطلسي بموجب المادة الرابعة من ميثاق الحلف.



ماكرون يدعو أوكرانيا للتحلي بـ«الواقعية» ويعتبر ماسك خطراً على الديمقراطية

TT

ماكرون يدعو أوكرانيا للتحلي بـ«الواقعية» ويعتبر ماسك خطراً على الديمقراطية

ماكرون يلقي كلمته خلال اجتماع سفراء فرنسا حول العالم في الإليزيه الاثنين (رويترز)
ماكرون يلقي كلمته خلال اجتماع سفراء فرنسا حول العالم في الإليزيه الاثنين (رويترز)

للمرة الثلاثين، تجمهر سفراء فرنسا عبر العالم وكبار المسؤولين الحكوميين، الاثنين،

ماكرون لدى وصوله لحضور اجتماع سفراء فرنسا حول العالم في الإليزيه الاثنين (أ.ف.ب)

في قصر الإليزيه للاستماع لرئيس الجمهورية يعرض أمامهم العالم كما يراه والتحديات التي تواجهها بلادهم والتي يتعين عليهم التعامل معها. ومرة أخرى، كان الرئيس إيمانويل ماكرون مجليا، وهو المعروف عنه شغفه بالتحديات الجيوسياسية، في رسم صورة شاملة وواقعية، لما يعاني منه عالم اليوم، خصوصا على ضوء نزاعات وحروب وميل نحو اللجوء إلى القوة وتحولات لم يكن أحد ينتظرها في الماضي القريب.

أوكرانيا والواقعية السياسية

رغم أن ما جاء على لسان ماكرون لم يكن جديدا تماما، فإنه حمل عدة رسائل للأوكرانيين من جهة، وللرئيس الأميركي المنتخب ترمب من جهة ثانية، وللأوروبيين من جهة ثالثة. وأهمية الرسالة الأولى أن ماكرون الذي يريد أن يفرض نفسه أفضل صديق لأوكرانيا، لمح للأوكرانيين بأن وضع حد للحرب لا يمكن أن يتم من غير تنازل كييف عن بعض أراضيها، وذلك من خلال قوله إن على الأوكرانيين أن يتقبلوا «إجراء مناقشات واقعية حول القضايا الإقليمية» أي حول الأراضي. بيد أنه سارع إلى التنبيه من أن أمرا كهذا لا يمكن أن يقوم به سوى الأوكرانيين، مؤكدا أن «لا حل في أوكرانيا من غير الأوكرانيين». وتحذير ماكرون الأخير موجه بالطبع لكييف، لكنه موجه أيضا للرئيس ترمب الذي زعم مرارا في السابق أنه قادر على إيجاد حل للحرب الروسية الأوكرانية سريعا. والتخوف الفرنسي - الأوروبي أن يعمد الأخير لاستخدام الدعم السياسي والمساعدات الاقتصادية والمالية وخصوصا العسكرية لأوكرانيا وسيلة ضغط من أجل حملها على قبول السلام وفق الرؤية الأميركية. كذلك وجه ماكرون رسالة مباشرة ومزدوجة الى ترمب بقوله، من جهة، إنه «لا يوجد حل سريع وسهل في أوكرانيا» ومن جهة ثانية دعوته واشنطن إلى «توفير المساعدة من أجل تغيير طبيعة الوضع وإقناع روسيا بالجلوس إلى طاولة المفاوضات».

السفراء يستمعون إلى كلمة ماكرون في الإليزيه الاثنين (إ.ب.أ)

وفي السياق نفسه، حذر الرئيس الفرنسي ترمب الذي استضافه في قصر الإليزيه وجمعه بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمناسبة احتفال انتهاء ترميم كاتدرائية نوتردام، في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الماضي من أن الولايات المتحدة «لا تملك أي فرصة للفوز بأي شيء إذا خسرت أوكرانيا»، مضيفا أن خسارتها ستعني أن الغرب سيفقد مصداقيته وأن استسلامها سيكون «كارثيا» ليس فقط للأوروبيين ولكن أيضا للأميركيين.

أما بالنسبة للأوروبيين، فإن ماكرون دعاهم للعمل من أجل «إيجاد الضمانات الأمنية» لأوكرانيا بديلا عن انضمامها إلى الحلف الأطلسي الذي ترفضه موسكو بالمطلق. وفي هذا السياق، سبق لماكرون أن اقترح أن يرسل الأوروبيون قوات لمراقبة وقف إطلاق النار في حال التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن وتعزيز أمن أوكرانيا فضلا عن الاتفاقيات الأمنية الثنائية المبرمة بين عواصم أوروبا وكييف. بيد أن مقترح ماكرون لم يلق حماسة أوروبية من جهة، كما أن زيلينسكي لا يرى أنه سيكون كافيا. وعلى خلفية تساؤلات أوروبية وأميركية متكاثرة لجهة استمرار الحرب وأنه لا أفق لنهايتها، فإن الرئيس الفرنسي نبه من شعور «الإرهاق» الذي يمكن أن يضرب الغربيين ومن انعكاساته الكارثية ليس على أوكرانيا وحدها بل على الأمن الأوروبي. وتوجه ماكرون إلى الأوروبيين بقوله: «إذا قررنا أن نكون ضعفاء وانهزاميين، فإن هناك فرصة ضئيلة لأن تحترمنا الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترمب».

الاستقلالية الاستراتيجية مجدداً

لم يفوت ماكرون فرصة التذكير بأنه كان أول من طرح فكرة الاستقلالية الاستراتيجية وبناء الدفاع الأوروبي وقد فعل ذلك في عام 2017، أي في العام الذي انتخب فيه رئيسا للمرة الأولى. من هنا، عودته مجددا لدفع الأوروبيين «للمضي قدما بشكل أسرع وأقوى» من أجل تعزيز صناعاتهم الدفاعية بوجه تصاعد التهديدات. وأضاف: «المسألة تكمن في معرفة ما إذا كان الأوروبيون يريدون أن ينتجوا خلال السنوات العشرين المقبلة ما سيحتاجون إليه لأمنهم أم لا»، محذرا من أنه «إذا كنا نعول على القاعدة الصناعية والتكنولوجية للدفاع الأميركي، فعندها سنكون أمام معضلات صعبة وتبعيات استراتيجية خاطئة». وسخر ماكرون من الذين كانوا ينظرون سابقا بكثير من الشك لمبدأ الدفاع الأوروبي أما اليوم فقد تبنوا المبدأ وأخذوا في الدفاع عنه.

ماكرون وترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عند اجتماعهم في «قصر الإليزيه» مساء 7 ديسمبر الحالي (رويترز)

الشعور المسيطر من خلال كلمة ماكرون أنه يسعى، منذ إعادة انتخاب ترمب، إلى بناء علاقة قوية معه على غرار ما فعل في عام 2017 ولكن دون طائل، لا، بل إن هناك نوعا من التسابق لكسب ود الأخير بين القادة الأوروبيين. من هنا، يتعين النظر إلى ما جاء به ماكرون لجهة التذكير بأن باريس «أحسنت التعامل مع الرئيس ترمب» في ولايته الأولى، وهذا الكلام ليس دقيقا، لأن القادة الأوروبيين بمن فيهم ماكرون لم يحصلوا على أي شيء من ترمب، لا في ملف البيئة ولا في الملف النووي الإيراني ولا بالنسبة للحرب في سوريا وحماية الأكراد. ومع ذلك، فقد حرص ماكرون على إيصال رسالة للرئيس المعاد انتخابه بقوله: «يعلم دونالد ترمب أن لديه حليفاً قوياً في فرنسا، حليفاً لا يستهين به، حليفاً يؤمن بأوروبا ويحمل طموحاً واضحاً للعلاقة عبر الأطلسي»، مؤكداً التزام فرنسا بتعزيز التعاون مع حث الدول الأوروبية على تحصين وحدتها وصمودها. كذلك دعا ماكرون إلى «التعاون مع الخيار الذي أقدم عليه الأميركيون».

بيد أن امتداح ترمب لا ينسحب على أقرب المقربين منه وهو الملياردير إيلون ماسك الذي هاجمه الرئيس الفرنسي بعنف، متهما إياه بحمل لواء «الرجعية الدولية الجديدة» من خلال منصته على وسائل التواصل الاجتماعي «إكس». وامتنع ماكرون عن تسمية ماسك، مشيرا لدعمه المزعوم لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف في ألمانيا وتدخله المتزايد في الانتخابات الأوروبية. وأضاف: «من كان يتصور، قبل 10 سنوات، أن مالك إحدى أكبر شبكات التواصل الاجتماعي في العالم سيتدخل مباشرة في الانتخابات، بما في ذلك في ألمانيا». ويرى ماكرون في ماسك الذي سبق له أن استقبله عدة مرات في قصر الإليزيه ولكن قبل شرائه لـ«تويتر» خطرا على الديمقراطية ومؤسساتها وعاملا مزعزعا للاستقرار.