علم المنطق لفظًا وأداة

عرّفته القواميس العربية القديمة من حيثية وظيفته

فرنسيس فوكوياما  -  تمثال نصفي لأرسطو
فرنسيس فوكوياما - تمثال نصفي لأرسطو
TT

علم المنطق لفظًا وأداة

فرنسيس فوكوياما  -  تمثال نصفي لأرسطو
فرنسيس فوكوياما - تمثال نصفي لأرسطو

بالنظر إلى مآلات مناهج التفكير والبحث، يصح لنا أن نقول إنه لم يعامل أي منهج بمقدار الاحتفاء والتثمين الذي عومل به المنطق الأرسطي خلال تاريخ الفكر، حيث ظل – خاصة في السياق الثقافي الأوروبي - يشكل المرجعية المعيارية لقياس صدقية السلوك المعرفي، طيلة أزيد من ألفي عام. وإذا كان راموس ودافنشي، ثم ديكارت وبيكون، قد تجرأوا على نقده واتهامه بالعقم، فإنهم على الرغم من ذلك، لم يستطيعوا التقليل من جاذبيته وسحر نسقه البنائي؛ إذ إلى حدود القرن الثامن عشر نجد إيمانويل كانط، فيلسوف النقد، يتناسى وظيفة النقد هذه عند ارتطامه بصرح المنطق الأرسطي، فيقول عنه، بانبهار واندهاش، إنه العلم الذي ولد من عقل أرسطو كاملا.
أجل، لو استثنينا السياق الثقافي الإسلامي، حيث انتقد المنطق من قِبَلِ السهروردي والنوبختي وابن تيمية، جاز القول بأنه لم ينله أي نقد ابستمولوجي جاد طيلة عشرين قرنا. إذ لم يبدأ الإرهاص بالتحول عن المنطق الأرسطي في الالتماع في واقع الثقافة الأوروبية، إلا في القرن السابع عشر مع فرنسيس بيكون. ولم تكن البداية الفعلية لتجاوز السياج الحديدي الذي وضعه أرسطو لمعيارية الفكر إلا مع لايبنز، بفضل إحساسه بضرورة الانتقال إلى الصياغة الرياضية، وتأسيس منطق رمزي. وهنا يُفرض السؤال التالي: ما سبب هذه الهيمنة الإطلاقية، وهذا التسييد المبالغ فيه لمعيارية التفكير التي ابتدعها أرسطو؟ وما الذي جعل العقل العربي الإسلامي يتجرأ على خرق هذه المعيارية ويؤسس لبديل لها؟
للإجابة عن هذين الاستفهامين، لا بد من استحضار شكل تلقي هذا المنطق وصيرورة انتقاله في ثقافات البحر الأبيض المتوسط، ومن ضمنها الثقافة العربية الإسلامية. لكننا سنكتفي هنا بلحظة تأسيس المنطق ثم انتقاله إلى السياق الثقافي العربي.
بداية، لا بد من الإشارة إلى أن أرسطو لم يستعمل لفظ المنطق/ لوجيك؛ فأبحاثه المنطقية لم يجمعها هو، في سفر مضموم، حتى يفكر في ضرورة الاصطلاح عليها بميسم أو عنوان خاص. بل تم ضمها لاحقا، وتسميتها أورغانون (آلة) من قبل تلامذته. كما أن الاصطلاح على هذا العلم بلفظ المنطق، لم يكتب له الذيوع والانتشار إلا بفضل الشراح المشائيين، أمثال أندرونيقوس الرودسي والإسكندر الأفروديسي وغالينوس وغيرهم.
إضافة إلى ما سبق، فإن أرسطو لم يكن يتصور المنطق كعلم. وهذا ملحوظ في تصنيفه للعلوم، حيث لا نجده يذكر المنطق ضمن العلوم النظرية، ولا ضمن العلوم العملية. وهذا إيحاء منه بالمرتبة الأداتية للمنطق، إذ كان يتصوره «أداة» ليس لها مجال محدد يسوغ لها أن تقتطعه وتستقل بدراسته، بوصفها علما خاصا بموضوع مخصوص. بل قَعَّد له بوصفه أداة تصلح لكل الحقول العلمية، الأمر الذي جعل البعض يتأول المنطق بوصفه «علم العلوم». وحتى عندما تم تعريفه بـ«علم التفكير»، لم يتم بذلك فصله عن حقول المعرفة، وإعطاؤه مرتبة علم مستقل بذاته عن غيره من أنواع العلوم، بل برسم هذا الوصف، أي «علم التفكير»، جرى توكيد مرتبته الأداتية كضابط معياري لعملية التفكير في مختلف حقول المعرفة؛ لأن هذه الحقول، على تعدد مناهجها وموضوعاتها، هي نتاج التفكير.
وهذا الطابع الأداتي هو ما حرص المناطقة العرب على توكيده، واتخاذ ذلك ذريعة للدفاع عن ضرورته وجوازه من الناحية الشرعية، حيث ذهب الإمام أبو حامد الغزالي إلى حد وصف من لا يعرف المنطق بأنه «لا يوثق بعلمه». وهذا ما نجده مضمنا في القواميس العربية القديمة التي عرفته من حيثية وظيفته، حيث نقرأ عند الجرجاني: «المنطق آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر». وعند الفارابي، في كتابه «إحصاء العلوم»: «نسبة صناعة المنطق إلى العقل والمعقولات كنسبة صناعة النحو إلى اللسان والألفاظ».
وبالعود إلى الأصل الاشتقاقي للفظ «لوجيك» في اللسان اليوناني، سنلاحظ أنه يرجع إلى لفظ لوغوس الذي يعني العقل والكلمة. ومن هنا يتضح هذا الربط والوصل من الناحية الوظيفية، بين علم المنطق والعقل، حيث تم تحديد وظيفته في عصم الذهن من الوقوع في الخطأ.
لكن عملية التفكير لا تجري بمعزل عن اللغة، وكل لغة تحمل قواعد تركيبية خاصة بها، ومن هنا كانت حصافة المترجم العربي القديم، الذي قابل لفظ اللوجيك بالمنطق. بيد أن هذا الوعي بارتباط المنطق باللسان كان حاضرا أكثر عند منتقديه. فلو رجعنا إلى المناظرة الشهيرة بين النحوي أبي سعيد السيرافي، والمنطقي متى بن يونس، سنلاحظ أن مرتكز السيرافي في نقد المنطق الأرسطي هو كونه مجرد «نحو» اللغة اليونانية وليس قانونا عاما وكونيا للفكر.
وكما أسلفنا القول فإن لفظ اللوجيك الإغريقي، فيه هو أيضا، إحالة إلى اللغة؛ لأنه يرجع من حيث أصوله الاشتقاقية إلى كلمة لوغوس التي تحيل في اللسان اليوناني إلى معنيين: معنى الخطاب/ الكلام، ومعنى العقل/ الفكر. بل تشير الأبحاث الفيلولوجية، إلى أن مدلول لفظ اللوجيك في اللسان اليوناني كان هو «الكلمة»، ثم اتسع حقل الدلالة ليشير إلى العقل، بناء على أن العملية العقلية هي التي تكمن خلف الكلام.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الترجمة العربية للفظ «لوجيك» إلى منطق، لم تمر في تراثنا الفكري بصمت، بل أثارت مقدارا من الصخب والخلاف. فلفظ المنطق في اللغة العربية كان قبل دخول اللوجيك ينصرف معناه إلى الكلام واللغة، وفي ذلك ألف يعقوب بن إسحق السكيت كتابه «إصلاح المنطق»، الذي هو كتاب لغة ولا علاقة له بالمسائل المنطقية، حيث إن المقصد من الكتاب هو إصلاح نطق العامة والتنبيه إلى أغلاطهم اللغوية. لذا كان من الطبيعي أن يحتج بعض فقهاء اللغة والمشتغلين بها على الفلاسفة والمناطقة، مستنكرين وضعهم للفظ المنطق للدلالة على علم دخيل؛ لأنه لفظ يحيل عندهم مباشرة إلى حقل اللغة وسياقها التداولي. وهذا التمييز حاضر أيضا في كتاب الإمام السيوطي «صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام». ولعل هذا الخلاف الشديد على الاستئثار بلفظ المنطق بين اللغويين والفلاسفة كان من بين الأسباب التي جعلت الكثير من المشتغلين بعلم المنطق يحرصون على تسمية بعض كتبهم بألفاظ بديلة، مثل لفظ «المعيار»، و«الميزان»، و«المِفْعَل»، وغيرها من الكلمات التي قصدوا بها الدلالة على علم المنطق.



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).