المعطف الشتوي.. قطعة لا بد منها

اختيار معطف ليس بالمهمة السهلة بالنسبة للكل، وكثير من الرجال يعترفون بأنهم يجدونها معقدة مقارنة بشراء بنطلون جينز أو كنزة صوفية أو حتى بدلة. والسبب أنهم بحكم عدم حاجتهم إليه دائما، إما لأن فصل الشتاء قصير جدًا في بلدانهم، أو لأن تغير ثقافة العمل في السنوات الأخيرة، لم تعد تتطلب ارتداء الرجل بدلة رسمية في كل الأوقات، وما شابه، مما جعله يستعيض عنه بجاكيتات «سبور» أو معاطف بتصاميم قصيرة تستهدف التخفيف من رسمية بدلة مفصلة. ما لا يختلف عليه اثنان أن الحاجة إلى معطف شتوي في منطقة الشرق الأوسط أقل بكثير عنها في أي منطقة أخرى، لهذا فإن الرجل الشرقي يكتفي في غالب الأحيان ببدلة من صوف الكشمير وإيشارب يلفه حول عنقه ليشعر بالدفء حتى في أيام البرد القارس. بالنسبة للشباب، فإنهم قد يضيفوا جاكيت قصيرًا من الجلد أو واقيًا من المطر من باب الأناقة وليس الضرورة.
لكن بما أن كل قطعة يطرحها المصممون تُحسب في آخر السنة لتُضاف إلى أرقام مبيعاتهم، ومن تم أرباحهم، فإن تسويقها مكسب لهم، لهذا لا يُقصرون في تجديدها والإبداع فيها حتى تكتسب أناقة وجاذبية يصعب مقاومتهما سواء تطلبها الطقس أم لا. ما قاموا به هذا الموسم أنهم اقترحوها بأكتاف غير محددة، مما جعلها مريحة للعين وعلى الجسم، خصوصا أنهم ركزوا فيها على الأقمشة المرنة ذات الجودة العالية حتى يخففوا من وزنها أيضًا. وقد اكتشفوا أن هذه وسيلة فعالة لتسويقها، بعد أن جسوا النبض في المواسم الماضية من خلال البدلات، التي جاءت هي الأخرى غير محددة أو صارمة عند الأكتاف لتنسدل على الجسم بحرية أكثر. لاقت هذه السترات إقبالا من طرف الرجل، مما شجع على تطبيقها على المعاطف في الموسم الحالي، بما فيها تلك المخصصة للمناسبات الرسمية والمهمة. والدليل أن شركات كبيرة وأسماء مهمة مثل «كانالي»، «بوتيغا فينيتا»، «دريز فان نوتن»، «جيورجيو أرماني»، «بال زيليري»، «زينيا» وغيرهم، ابتعدوا عن التصاميم الضيقة التي تعانق الجسم، وطرحوا بدلها معاطف بتصاميم سخية تبتعد عن الجسم من دون أن تغمره، كونها محسوبة عند الأكتاف والجوانب، من ناحية الخصر.
بعضهم طرحه أيضًا بنقشات مبتكرة ومربعات كلاسيكية كما رأينا في عروض كل من «برادا»، «دولتشي أند غابانا»، «بريوني»، «لويس فويتون» و«فالنتينو»، بينما حقنه البعض الآخر بجرعة من الفينتاج. والمقصود هنا أنها تستحضر موضة الأربعينات من القرن الماضي، مثلما هو الحال بالنسبة لـ«زينيا» و«برلوتي». الفرق بين معاطف تلك الحقبة ومعاطف هذا الموسم هو نوع الأقمشة المغزلة بأساليب لا تثقل الأكتاف. بل زادت «برلوتي» على ذلك بالاستغناء عن التبطين مفضلة استعمال الكشمير في الجهتين، ودون خياطة واضحة، حتى يتمكن الرجل من ارتدائه بوجهين. الجميل فيها أيضًا، أنها جريئة وحميمة، بحيث تميز بعضها بأحزمة للحصول على المزيد من الدفء والتحديد عند الخصر. بالنسبة لمصمم الدار، أليساندرو سارتوري، فإن المعطف هو ثاني أهم قطعة في خزانة الرجل الأنيق بعد البدلة، وبالتالي يجب أن تتوفر فيها كل عناصر الترف والأناقة إلى جانب العملية. وأشار أيضًا إلى أنه ركز على طرحها بحجم كبير هذه المرة ليتوفر فيها عنصر الدفء وتكتسب مظهرًا رجوليًا في الوقت ذاته، وهو ما يختلف عن تصاميم الأعوام الماضية التي كان فيها المعطف محددا عند الخصر وقصيرا فوق الركبة، إلى حد أن البعض وصفه بالجاكيت الطويل.
ومع ذلك، لا يمكن القول إن التصاميم الجديدة تخرج عن المضمون، بل العكس، فقد تم تصميمها لكي تخدم الرجل من جهة، وتزيده أناقة من جهة ثانية. العملية تتجلى في أنها تحتضن بدلات مفصلة تحتها، والأناقة في كونها تمزج الكلاسيكي بالعصري، لا سيما حين تكون بأحزمة. ما انتبه إليه المصممون أيضا، أنه من الصعب إخراج الرجل الناضج مما تعود عليه. فما إن يتعود على أسلوب يرتاح فيه حتى يعانقه بحميمية ولا يريد أن يغيره إلا بشق الأنفس وبعد عدة محاولات لطمأنته. وهذا ما تعكسه طريقته في التسوق أيضا، فعلى العكس من المرأة، لا يشتري أي قطعة إلا إذا كان يحتاجها، وقلما يشتريها لأنه يرغب فيها أو يشعر بأنها ستكون إضافة إلى مظهره، باستثناء قلة من المتابعين للموضة. المعطف تحديدًا، يبقى قطعة يريد أن يرتاح فيها، وقلما يميل إلى تغييرها بشكل موسمي. فما دامت تلك التي اشتراها منذ بضعة مواسم في حالة جيدة ولم تظهر عليها علامات القدم والتلف، فلمَ تغييرها؟ طبعًا هذا الرأي لا ينطبق على شريحة الشباب، الذين استحلوا اللعب بالموضة، وبات الكثير منهم يتابع تطوراتها وتغيراتها بشغف متجاوزين مسألة العملية، بدليل تزايد عدد المجلات البراقة المخصصة لهذه الشريحة. من جهة أخرى، وبتغييرهم تصاميم المعاطف الجديدة بجعلها أكثر أناقة وراحة، يأمل المصممون تغيير رأي الرجل عمومًا وتشجيعه عليها حتى وإن لم يكونوا بحاجة ماسة إليها. فالمعطف قد يكون للوقاية من المطر والبرد، لكنه أيضًا لتعزيز المظهر وإضفاء جرعة من الرقي على إطلالتهم. فحتى عندما لا يتطلبه الطقس، يمكنهم الاكتفاء بوضعه على أكتافهم وكأنه إكسسوار.
والجدير بالذكر أنهم، حتى يغطوا كل الجوانب ويلبوا كل الأذواق، شملت اقتراحاتهم لهذا الموسم، طبعات مبتكرة إلى جانب المربعات، كما أدخلوا ألوانا فاتحة تخاطب الشباب أكثر، مثل الوردي، في عرض «ديسكاورد2» و«سان لوران»، وهو ما لم يكن يخطر على بال الرجل من قبل، لكن دخول شريحة الشباب من أسواق نامية متعطشة لكل ما يحمل اسمًا عالميًا، أنعشت هذه الموجة الجريئة، كما أنعشت بعض بيوت الأزياء التي حققت نجاحا في هذه الأسواق، مثل بول سميث، الذي تعتبر سوقه الأولى هي اليابان وغيرها و«غوتشي» أخيرًا.
فتنامي قطاع الأزياء الرجالية، كان بمثابة الإشارة لكي يطلق المصممون العنان لخيالهم، ويتبنوا لغة جريئة لمخاطبة زبائنهم الجدد مع محاولات لإخراج زبائنهم القدامى من حالة المضمون التي استكانوا إليها طويلا بجرعات، ومن دون إحداث خضات كبيرة. البداية كانت بتشجيعه على معانقة أسلوبه الخاص والتعبير عنه بحرية بمزج الكلاسيكي بالعصري، وانتهت في المواسم الماضية بتشجيعه على معانقة الألوان الفاتحة، التي لم تكن تخطر على باله من قبل، وكانت في أحسن الحالات قصرا على مغني الروك أند رول في الستينات والسبعينات أو الاستعراضيين المتمردين على المألوف. طبعا لن ندخل حاليا في موضوع استعمالهم أقمشة نسائية في أزيائه، الأمر الذي شهد حالة من الجنون في عروضهم لربيع وصيف 2016. من «بيربيري» إلى «غوتشي» حيث تابعنا إسهابهم في استعمال الحرير والدانتيل مثلا.
من الشركات التي لا تخيِّب الأمل فيها عندما يتعلق بالمعاطف، نذكر «برونيلو كوتشينيللي» المعروفة باستعمالها للكشمير الناعم، وقد طرحته هذا الموسم، بتصاميم منسدلة، أحيانا بأحزمة، تبدو وكأنها «روب دي شومبر». والأجمل أنها بوجهين، أي يمكن أن يتحول الجزء الداخلي من التبطين إلى جزء خارجي حسب المناسبة والذوق الخاص. دار «إريمينيلدو زينيا» أيضًا أتحفتنا هذا الموسم بتصاميم مبتكرة مستوحاة من حقب ماضية، الأمر الذي يضفي عليها لمسة «فينتاج» خفيفة. هي أيضًا تستعمل الكشمير الناعم، أو المينك المغزول بالصوف للحصول على نعومة قصوى تجعل انسدالها أكثر أناقة. نعومة الخامات والأقمشة امتدت إلى «توم سويني» الدار البريطانية المتخصصة في التفصيل التقليدي، التي استعاضت هذه المرة عن المعاطف الرسمية، بأخرى تمنح شعورًا بالراحة بمجرد أن تنظر إليها. فالأكتاف طبيعية تبتعد عن مبالغة السنوات الفارطة، كما أنها بطول يلامس الركبة، مما يجعلها أكثر عصرية. للرجل المحافظ الذي تعود على أسلوبه القديم، تقدم الدار معاطف مستقيمة بصف أزرار واحدة حتى يشعر فيها بالطمأنينة، وفي الوقت ذاته تقدمه للأسلوب العصري بخطوات تدريجية.
** همسات جانبية:
* قبل أن تقرر شراء معطف جديد، انظر في خزانتك أولا، لتتعرف على تصميم المعطف الذي تضمه حتى لا تشتري مثله، فكثيرا ما نقع في الخطأ نفسه، ونشتري التصميم نفسه من دون أن نشعر، لأننا نرتاح فيه وتعودنا عليها، بينما الفكرة هي شراء تصميم مختلف تماما.
* لا تحاول شراءه عندما تكون في حاجة ماسة إليه، بل عندما تكون في حالة مزاجية عالية. هنا فقط تكون أكثر جرأة وثقة بالنفس ما يدفعك لاختياره مبتكرا، أو على الأقل مختلفا.
* إذا كنت قد أدمنت على المعاطف القصيرة والمحددة على الجسم في الأعوام الماضية، فقد يكون الوقت ملائما لشراء معطف يصل إلى الركبة ومتسع، أو جاكيت «باركا». فهذا الأخير رغم أنه بتصميم «سبور» يمكن تنسيقه مع بدلة رسمية وربطة عنق بسهولة.
* لأنه قطعة مهمة ويمكن اعتبارها استثمارا، لا تتسرع بشراء أول معطف تراه، بل ابدأ بزيارة عدة مواقع إلكترونية للبحث عن تصميم يروق لك ويناسبك، ثم توجه بعد ذلك إلى المحل لتجربته ولمسه والتأكد من ملاءمة تفاصيله لجسمك.
* أحيانا تبدو التصاميم المعروضة على خشبات العرض مجنونة وحداثية للغاية، مع أنها قد تكون في الحقيقة كلاسيكية، وكل ما في الأمر أن المصمم نسقها بشكل غريب ليخلق الإثارة التي تتطلبها عروض الأزياء. تمعن في كل قطعة جيدا وتصور نفسك فيها، وكيف ستتناغم مع باقي أزيائك وأسلوبك الخاص.
* الأحجام الكبيرة التي تشكل موضة هذه الأيام رائعة ومريحة لكنها لا تناسب الكل لهذا يجب اختيارها بعناية حتى لا تبدو وكأنك استعرتها من صديق أو أخ أكبر.
* بالنسبة للألوان، يفضل دائما أن تكون بلون حيادي، لكن بما أن الموضة تتغنى بالألوان الفاتحة، من «غوتشي» إلى «دريز فان نوتن»، لا بأس أن تختاره بدرجة «مطفية». عوض الأحمر مثلا، هناك التوتي الغامق، وعوض الأخضر هناك الكاكي أو الزيتوني، وعوض الأصفر هناك المستردي، وهكذا. فهذه الألوان تبدو أنيقة وعصرية، وحتى رسمية عندما تنسقها مع قطع غامقة مثل الأسود أو الأزرق الغامق.
* قد تكون لاحظت أن بعض المصممين سوقوا لك قطعتين وليس قطعة واحدة فيما يطلقون عليها بموضة الطبقات، وهي موضة تناسب البلدان الباردة أكثر. الفكرة أن تلبس معطفين خفيفين فوق بعضهما؛ واحد على شكل جاكيت قصير، أحيانا دون أكمام، والثاني على شكل معطف، لتكون النتيجة إطلالة شبابية أنيقة. هذه الإطلالة تناسب ذوي المقاسات الرشيقة أكثر.