كيف تحول حذاء الـ«غومينو» في «بينالي البندقية» إلى تحفة فنية؟

هدف دييغو ديلا فالي صاحب مجموعة «تودز» كان تجميل الحِرف اليدوية لإغراء الشباب

استعرضت ورشات محلية حرفيتها المتجذرة في التاريخ مثل صناع الجندول والزجاج والخشب والموزاييك (تودز)
استعرضت ورشات محلية حرفيتها المتجذرة في التاريخ مثل صناع الجندول والزجاج والخشب والموزاييك (تودز)
TT

كيف تحول حذاء الـ«غومينو» في «بينالي البندقية» إلى تحفة فنية؟

استعرضت ورشات محلية حرفيتها المتجذرة في التاريخ مثل صناع الجندول والزجاج والخشب والموزاييك (تودز)
استعرضت ورشات محلية حرفيتها المتجذرة في التاريخ مثل صناع الجندول والزجاج والخشب والموزاييك (تودز)

في نهاية الأسبوع الماضي، حطّت العشرات من العلامات التجارية الفاخرة في مدينة البندقية. كعادتها، تريد أن يكون لها «في كل عُرس قرص». المناسبة هذه المرة كانت النسخة الستين لـ«بينالي البندقية 2024». بيد أن حضور دار «تودز» كان له ما يُبرّره ويمنحه صبغة شرعية. فهو هنا شريك ومموِل للجناح الإيطالي، والأهم من هذا مُنظّم لفعالية مهمة بعنوان: فن الحرفيّة اليدوية... مشروع من توقيع كبار حرفي البندقية Venetian Masters.

شارك في الفعالية 11 ورشة منها صناع الأقنعة لأهميتهم وكونهم جزءاً من ثقافة مدينة البندقية (سيرجيو بولدرين)

يحتفل هذا المشروع، كما يشير عنوانه، بالحرفية الإيطالية وتقاليدها الفنية المتوارثة. أيقونة دار «تودز»، وهو حذاء الـ«غومينو» ذو النعل المزين بحبيبات، كانت المحور. 11 ورشة محلية متخصصة في مجالات متنوعة شاركت في هذه الفعالية، مستعملة أدواتها وموادها الخاصة في صياغته من دون المساس بأساسياته. كانت النتيجة استعراضاً مثيراً لمهارات وتقنيات تعكس روح وشخصية مدينتهم المتجذرة في التاريخ، شارك فيها صناع الجندول والزجاج والخشب والموزاييك وأيضاً صناع الأقنعة والقبعات وغيرهم.

دييغو ديلا فالي الرئيس والمدير التنفيذي وأندريا ديلا فالي نائب رئيس مجموعة «تودز» مع التينور أندريا بوتشيللي في حفل خاص بمناسبة افتتاح «بينالي البندقية» ومشروع «تودز» (خاص)

دييغو ديلا فالي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «تودز» هو العقل المُدبّر لهذا المشروع. كان حاضراً في كل الفعاليات. يتفقد كل صغيرة وكبيرة، وكأنه جنرال يتفقد ثكناته العسكرية. يُوزِع الابتسامات والقبلات على ضيوفه، ويتجول بينهم وهو يشرح بلكنته الإيطالية وصوته الخافت تفاصيل المشروع ومدى إيمانه بكل ما هو مصنوع باليد في إيطاليا. لا يُخفي أنه يُدرك، كرئيس مجلس إدارة ورئيس تنفيذي، أن تحقيق الأرباح من أوليات أي شركة «لكن هذا لا يأتي على حساب مسؤوليتانا نحو المجتمع، وهذه ما تعكسه هذه المبادرة بتركيزها على الجودة والحِرف اليدوية واهتمامها بحياة الحرفيين ومستقبلهم»، حسب تصريحه.

يعدّ ديلا فالي نفسه أحد حُراس الفنون الإيطالية. في عام 2011 تبرّع بنحو 28 مليون دولار لترميم الكولوسيوم. في العام نفسه، أصبحت «تودز» عضواً دائماً في مؤسسة مسرح لا سكالا بميلانو، ساهم فيها في تغطية تكلفة الكثير من الإنتاجات الأوبرالية. هذا عدا عن تمويل مدارس جديدة وترميم قصور قديمة وما شابه.

يشكل حذاء الـ«غومينو» لـ«تودز» ما تمثله حقيبة «البيركين» لدار «هيرميس» لحرفيته وتميزه (تودز)

كل هذا بفضل ما يحققه من مبيعات الإكسسوارات، وتحديد حذاء الـ«موكاسان» المعروف بحبيبات تزين نعله. أقبل عليه الرجال والنساء من الطبقات الأرستقراطية والمالكة والنجوم على حد سواء، ليُشكّل اليوم لـ«تودز» ما تُشكله حقيبة الـ«بيركين» لدار «هيرميس» أو الجاكيت الأسود لـ«شانيل» أو ساعة «سابمارينر» لـ«روليكس. يشرح ديلا فالي: «هذه المنتجات تثير الحلم ولم تفقد بريقها في أي مرحلة من المراحل لأنها أيقونات». حذاء الـ«غومينو» نجح في ترسيخ مكانته العالمية لما «يختزنه من تقاليد حرفية عمرها عشرات السنين».

بالنسبة لديلا فالي، مهما تطورت الأفكار وتقدمت الصناعات، لا شيء يقارن بمفهوم «صُنع باليد». «هذه الحرفية اليدوية فن قائم بذاته، ومن الواجب علينا الحفاظ عليه والاحتفال بها كأي فن آخر» حسب قوله. لا يفرق إذا كانت العملية تتعلق بترميم آثار ومعالم تاريخية ضخمة، أم دعم ورشة صغيرة تتخصص في صناعة أدوات صغيرة تساعد الفنانين على رسم أو نحت أعمالهم. «هذه الأدوات مهمة وأساسية، لكن لا يمكن أن تؤدي مهمتها من دون أيادٍ خبيرة وماهرة تُطوِعها».

وهذا ما أثبتته فعاليته: «الحرفيّة اليدوية... مشروع من توقيع كبار حرفي البندقية Venetian Masters التي استعمل فيها كل من الـ11 من الحرفيين المشاركين الأدوات والمواد التي يُتقنونها.

لم تكن صياغة حذاء الـ«غومينو» من الزجاج سهلاً... لكنه كان تحدياً فنياً لصناع زجاج المارينو (روبرتو بيلترامي)

يصل الزائر إلى «أرسينالي» بواسطة تاكسي مائي. ليس ببعيد عن الجناح الإيطالي، يتراءى مبنى بمساحة لا يستهان بها يحتضن مشروع «تودز»، وتوزع بداخله 11 حرفياً، كل حول طاولة يستعرض فيها تخصصه، فيما توزعت صور لحذاء الـ«غومينو» في كل المكان. ثلاثة أحذية من هذا التصميم على الأقل توسطت المكان. واحد منها من الجلد باللون الأحمر والثاني مُغلف بالذهب والثالث من الزجاج. روبرتو بلترامي، وهو صانع الزجاج من جزيرة مورانو، علّق على عمله قائلاً إن «صُنع حذاء من الزجاج واستنساخ كل التفاصيل بما في ذلك الحبيبات التي تميز نعله، لم يكن سهلاً، لكن صعوبته هي ما جعلت العمل تحدياً لذيذاً وممتعاً... فالأمر بالنسبة لنا جديد وغير مسبوق... إنه بمثابة عمل فني».

من بين المشاركين ورشة إنتاج ورق ذهبي يستعمل في الديكورات والأعمال الفنية وأيضاً في الإكسسوارات (ماريو بيرتا باتيلورو)

على بُعد أمتار منه، انكبّت سارة مينيغازو، وهي من العائلة الوحيدة التي لا تزال تمارس الضرب التقليدي على الذهب في البندقية. تعلمت من والدها مارينو مينيغازو كيف تُقطّع وتُرص صفائح من أوراق الذهب. جلست على طاولة تُقطِع أوراقاً ذهبية ناعمة جداً تتطاير مع نسمات هواء باردة كانت تتسلل بين الفينة والأخرى. تُرتّبها على شكل مربعات صغيرة بدقة وبصبر قبل أن تضعها جانباً. فهي هنا أصبحت جاهزة للاستعمال في الديكورات المنزلية، مثل ورق الجدران، أو لإبداع تحف ولوحات فنية، وأيضاً في تغليف علب لحفظ الأحذية وغيرها. بالقرب منهما كان حذاء «غومينو» يلمع ذهباً ويدور حول نفسه داخل إطار زجاجي لوقايته من الغبار. غني عن القول أنه كانت ثمرة هذا العمل.

استعرض فنان طباعة الشاشة جيانباولو فالاني مهارته في رسم ملصقات تجسّد الأدوات المستخدمة في صنع حذاء الـ«غومينو» بألوان آندي وارهول المتوهجة (جيانباولو فالاني)

من جهته، استعرض جيانباولو فالاني، الفنان في الطباعة، مهارته في رسم ملصقات تُجسّد الأدوات التي تُستخدم في صناعة الإكسسوارات، مثل حذاء الـ«موكاسان» وحقائب اليد. استعمل أسلوب الـ«بوب آرت» المستمد من ألوان آندي وارهول المتوهجة، مثل اللون الأصفر والأزرق المائي والوردي الساخن والبنفسجي؛ الأمر الذي جعل مطبوعاته تبدو وكأنها لوحات تهافت عليها الضيوف في نهاية اليوم. كانت بالنسبة لهم مكسباً للذكرى. أما سيرجيو بولدرين، الذي صنع أقنعة فيلم ستانلي كوبريك «Eyes Wide Shut»، فنجح في صناعة ثمانية أقنعة باستخدام قصاصات وعينات من الجلد وفّرتها له «تودز».

تم خلال الفعالية تقديم عرض حي في صناعة مجذاف خشبي يعمل كنقطة الارتكاز العمودية لمجداف الجندول (دري باستور)

ولأن الجندول مثل الأقنعة، جزء لا يتجزأ من الحياة في مدينة البندقية، كان لا بد أن يكون لصناعه مكان بين هؤلاء الحرفيين العمالقة. وهكذا قدّم سافيريو باستور وبييرو دري، اللذان يعملان في ورشة محلية متخصصة، عرضاً حياً شمل صناعة مجذاف خشبي، يعمل كنقطة الارتكاز العمودية لمجداف الجندول.

ما أكده هذا المشروع ليس فقط مدى اهتمام «تودز» وحرصها على استعمال تقاليد قديمة بأسلوب معاصر، بل أيضاً تطلعها للإبقاء على الحرفية ونقلها إلى المستقبل. يشير ديلا فالي إلى أن هذه التقاليد استمرت لحد الآن بفضل آباء توارثوها عن الأجداد، إلا أن عزوف الشباب عنها وتفضيلهم وظائف أخرى، يُهدد استمراريتها. مجرّد التفكير في هذه الاحتمالية يثير مخاوف الإيطاليين. دييغو ديلا فالي واحد منهم. يفرُق عنهم أنه لا يقف مكتوف اليدين. يعمل كل جهده لتجميل صورة هذه الحرف التقليدية على أمل إغراء الأحفاد لدخول مجالاتها. يشرح: «هذه الحرف تحتاج منا إلى دعم لجذب الشباب، لهذا كان مهماً أن يتضمّن المشروع رسالة مفادها أن العمل الحرفي مهنة نبيلة، وليس خياراً من الدرجة الثانية».

ستبقى كل الترجمات التي صاغها هؤلاء الحرفيون شاهداً على قدراتهم في متحف دار «تودز» بما في ذلك هذا الحذاء المصنوع من زجاج مورانو (روبرتو بيلترامي)

تجدر الإشارة إلى أن القطع التي تم صُنعها بالتعاون مع هؤلاء الحرفيين الـ11، ستبقى شاهداً تاريخياً على هذه المبادرة، حيث ستُنقل إلى مقر «تودز» الرئيسي أو على الأصح إلى متحفها الواقع بالقرب من مصنعها في منطقة «ماركي». هناك سيستمتع بها الموظفون. لكن دييغو يريد أكثر من ذلك. يريدهم في كل مرة تقع أعينهم عليها، أن يتأكدوا أنه من الممكن الجمع بين العمل كوظيفة وكثقافة وفن.


مقالات ذات صلة

«تيفاني أند كو» تُشعل مجوهراتها بالنيران والشهب

لمسات الموضة أقراط أذن من مجموعة «شوتينغ ستار» من الماس والذهب الأصفر والجمشت (تيفاني أند كو)

«تيفاني أند كو» تُشعل مجوهراتها بالنيران والشهب

للكثير من بيوت الأزياء أو المجوهرات ولادتان: ولادة تأسيسية؛ بمعنى تاريخ انطلاقها، وولادة ثانية تكون في الغالب إبداعية تبث فيها روحاً فنية تغير مسارها وتأخذها…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حشد من رجال الشرطة والجيش لتأمين العاصمة الفرنسية قبل افتتاح ألعاب باريس (رويترز)

ماذا أرتدي في الأولمبياد؟ كن أنيقاً وابقَ مرتاحاً

الإرشادات المناسبة للملابس لتحقيق التوازن بين الأناقة والراحة عند حضور الألعاب الأولمبية الصيفية هذا العام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
لمسات الموضة من مجموعة "عريس صيف 2024" للمصمّم اللبناني نمر سعادة (دار أزياء نمر سعادة)

«عرسان» نمر سعادة يرتدون البدلة الملوّنة

ذهب مصمّم الأزياء اللبناني المتخصّص في الموضة الرجاليّة إلى أقصى الجرأة، عندما قرّر أن يُلبِس عريس الموسم بدلة ملوّنة.

كريستين حبيب (بيروت)
لمسات الموضة يقدر سعرها بأكثر من مليون دولار والأحجار هي السبب (فابيرجيه)

بيضة «فابيرجيه» الجديدة بمليون دولار… فمن يشتري؟

بيضة بمليون دولار.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أشرف على المشروع فريق  من الباحثين من مختلف المجالات وكبار الخبراء في الذكاء الاصطناعي، واستغرق العمل عليه 3 سنوات (برونيللو كوتشينيللي)

كيف زاوج برونيللو كوتشينيللي بين الأعمال اليدوية والتكنولوجيا

من المفترَض ألا يفاجئنا المصمم برونيللو كوتشينيللي، وهو يقدم لنا درساً عن الزواج المثالي بين الإبداع البشري وقدرات الذكاء الاصطناعي، وهو الذي يبيع لنا بدلات…

جميلة حلفيشي (لندن)

أولمبياد باريس: الصراع على الذهبية بين المجموعات الضخمة والمصممين المستقلين

الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
TT

أولمبياد باريس: الصراع على الذهبية بين المجموعات الضخمة والمصممين المستقلين

الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)
الأزياء التي صمّمتها دار «كنزو» لفريق الجودو الفرنسي (كنزو)

كل الأنظار ستتوجه اليوم نحو باريس. فالكل موعود بمشهد لا مثيل له. يقال إنه سيتضمن موكباً لأكثر من 160 قارباً، يحمل 10500 رياضي على طول نهر السين يتألقون بأزياء تُمثل بلدانهم. لكن المناسبة ليست عرض أزياء كما تعوَّدنا عندما يُذكر اسم باريس، بل مناسبة رياضية ربما تكون أهم نظراً لقاعدتها الجماهيرية الكبيرة: ألا وهي الألعاب الأوليمبية لعام 2024.

على مدى 16 يوماً، سيعيش عشاق كل أنواع الرياضات مباريات، سترفع من نسبة الأدرينالين في الجسم، وتُمتع العيون بمنافسات عالمية على الميداليات.

المنافسات على الميداليات تحتدم... والمصممون المستقلون هم الفائزون حتى الآن (د.ب.أ)

ومع ذلك لا يمكن أن نكون في باريس لأي حدث كان، ولا تحضر الموضة. فبموازاة هذه المنافسات الرياضية، سنتابع صراعاً على مستوى آخر يدور بين مصممين مستقلين نجحوا في استقطاب رياضيين شباب إلى صفهم، أو حصلوا على دعم من بلدانهم مثل لورا ويبر من آيرلندا وستيفان أشبول من فرنسا ولولوليمون من كندا، وعلي الإدريسي من المغرب، والمجموعات ذات الإمكانات الضخمة التي تُخوّل لها اقتحام أي فعالية أو حدث بسهولة، مثل مجموعة «أرماني» التي صممت ملابس الفريق الإيطالي، ومجموعة LVMH الفرنسية.

فريق المغرب على متن قارب في العرض العائم على نهر السين خلال حفل الافتتاح بأزيائه أزياء المستوحاة من رمال الصحراء والعلم المغربي (رويترز)

هذه الأخيرة، تنضوي تحتها 75 شركة منها «ديور» و«بيرلوتي» و«لوي فويتون» و«كنزو» وغيرها إلى جانب عدد من دور مجوهرات مثل «شوميه» التي ستصمم الميداليات الذهبية تحديداً. لهذا ليس غريباً أن يتوقَّع أن يكون لها نصيب الأسد.

ثم إن المجموعة لا تملك الإمكانات المادية واللوجيستية التي تخوِّل لها التعاقد مع أي فريق أو رياضي فحسب، بل تمتلك أيضاً الدعم الحكومي لما ضخّته من ملايين لتمويل هذا الحدث. في صورة تاريخية تداولتها وسائل الإعلام، في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، ظهر برنار آرنو، أغنى رجل في فرنسا وصاحب مجموعة «إل في إم آش» ليعلن في مؤتمر صحافي، مشاركة كلٍّ من «ديور» و«بيرلوتي» و«لوي فويتون» و«شوميه» وغيرهم في الأوليمبياد. كلٌّ حسب اختصاصه. «ديور» و«بيرلوتي» بتوفير الأزياء والإكسسوارات، و«لوي فويتون» بالعلب التي ستقدَّم فيها الميداليات الذهبية، و«شوميه» بتصميم الميداليات الذهبية تحديداً.

الأزياء التي صمَّمتها دار «بيرلوتي» للفريق الفرنسي (بيرلوتي)

مصممون مستقلون يدخلون المباريات

هذا الخطاب وكون الفعالية تجري في عقر عاصمة الموضة العالمية، التي تحتكرها المجموعة تقريباً، خلّف الانطباع بأنها ستأكل الأخضر واليابس، لكن ما حدث كان غير ذلك. اكتسبت الأزياء نكهات متنوعة مستمدة تارةً من التراث مثل ملابس فريق منغوليا التي سرقت الأضواء، أو من خبرات مصممين محليين، كما هو الحال بالنسبة لفرق كل من كندا وآيرلندا وإسبانيا.

فريق منغوليا على متن قارب في العرض العائم على نهر السين خلال حفل الافتتاح

حتى الفريق الفرنسي لم يكتفِ بما ستقدمه «ديور» أو «كنزو» أو «بيرلوتي» من منتجات، بعد أن تولت اللجنة الأوليمبية، ولأول مرة في تاريخ الأولمبياد، اختيار مصمم مستقل يقوم بهذه المهمة لأكثر من 60 رياضة.

يحمل رياضيو فريق إسبانيا الأعلام الإسبانية خلال حفل الافتتاح ويرتدون أزياء استوحتها شركة «جوما» الرياضية من العَلم الإسباني (أ.ف.ب)

كانت هذه اللفتة من نصيب الفرنسي ستيفان أشبول، مؤسس «بيغال»، ماركة طليعية متخصصة في الأزياء الرياضية. طُلب منه توفير ملابس عالية التقنية لمشاركين في أكثر من 60 رياضة عبر الألعاب الأولمبية والبارالمبية، من ركوب الدراجات إلى الرماية مروراً بكرة السلة على الكراسي المتحركة، علماً بأن هذه مهمة كانت تحتكرها شركات كبيرة مثل «نايكي» و«أديداس» من قبل. وفيما استغرق تصميم هذه المجموعات نحو ثلاث سنوات من أشبول، حسب قوله، فإن تصنيعها نفذته شركة فرنسية أخرى لها إمكانات لوجيستية لإنتاجها هي «لوكوك سبورتيف Le Coq Sportif».

شركة «جوما» الرياضية استوحت من العَلم الإسباني ألوانه للفريق ووردة القرنفل لرمزيتها الثقافية (موقع الشركة)

الفريق الإسباني أيضاً ظهر بأزياء من علامة إسبانية متخصصة في الأزياء الرياضية هي «جوما Joma»، التي تأسست عام 1965 في طليطلة.

مجموعة «تجمع بين التقاليد الكلاسيكية والحداثة، وهو أسلوب ظهر في الأقمشة عالية الأداء التي تم اختيارها». من الناحية الجمالية، زينتها زهرة القرنفل، كونها رمزاً متجذراً في الثقافة الإسبانية، واللونين الأحمر والأصفر، ألوان العَلم الإسباني.

المصممة الآيرلندية لورا ويبر، التي صممت أزياء فريق آيرلندا وباقي إكسسواراته، حرصت هي الأخرى على أن تجمع الأناقة بالراحة، مضيفةً لمسة شخصية على كل زي، من خلال تطريزات على طرف الأكمام تشير إلى المقاطعة التي ينتمي لها كل رياضي.

علي الإدريسي اختار للفريق المغربي أزياء مستوحاة من رمال الصحراء والعلم المغربي

المصمم المغربي علي الإدريسي الذي صمم ملابس الفريق الأولمبي المغربي هو أيضاً فكّر في تفاصيل تجعل هذه الأزياء خاصة. طرَّز على الجزء الداخلي من السترات أسماء لأبطال أولمبيين سابقين لتكريمهم من جهة وفتح حوار بين الأجيال من جهة ثانية. اختار للسترات لون البيج وطرّز أحد جوانبه بنجمة خضراء، فيما اختار للبنطلونات اللون الأحمر، في إشارة إلى العَلم المغربي. حتى الأحذية، التي جاءت ثمرة تعاونه مع فنان «بوب آرت» محمد أمين البلاوي، المعروف بـ«ريبل سبيريت»، غلبت عليها هذه الألوان من خلال أربطة حمراء وخضراء.

فريق كندا اختار ماركة «لولوليمون» لتصميم ملابس وإكسسوارات لاعبيه (أ.ب)

العلامة الكندية، «ليفت أون فرايداي Left On Friday»، التي أسسها مديرون تنفيذيون سابقون لشركة «Lululemon» في عام 2018، كان لها دور في تصميم أزياء وإكسسوارات فريق كرة الطائرة، فيما تولت «لولوليمون» تصميم باقي الملابس والإكسسوارات.

يلوح رياضيو فريق كندا بأعلامهم (رويترز)

هولندا أيضاً اختارت علامة محلية هي «ذي نيو أوريجينلز The New Originals» لتصميم ملابس فريق رقص «البريك دانس» الهولندي، فيما اختارت اللجنة الأولميبية النيجيرية علامة «أكتيفلي بلاك Actively Black»، للملابس الرياضية ومقرها لوس أنجليس.

ستيلا جين أبدعت مجموعة أنيقة استعملت فيها رسمة للفنان فيليب دودار (من موقعها على «إنستغرام»)

لا يختلف اثنان على أن تفويض الاتحادات الرياضية مسؤوليات التصميم للعلامات التجارية المتخصصة في المجال الرياضي، وغير المعروفة على المستوى العالمي، خطوة شجاعة من شأنها أن تسلط الأضواء عليها، وتنعش تجارتها بالنظر إلى الجمهور العالمي الذي يتابع هذه الفعاليات.

حفل الافتتاح وحده يتوقع أن يستقطب نحو مليار شخص من المشاهدين، في حين سيحضره 326000 شخص، بعد أن تم تقليص العدد من 600000 لأسباب أمنية، وهذا ما صرحت به المصممة الهايتية ستيلا جين، التي صممت أزياء فريق هايتي وكرمت من خلالها الفنان فيليب دودار، أيضاً ابن تاهيتي، باستعمال إحدى رسماته، ليأخذ هو الآخر نصيبه من الشهرة.

بداية علاقة الموضة بالأولمبياد

في عام 1992، دخلت الموضة أول مرة الألعاب الأولمبية. كان ذلك عندما طُلب من الياباني إيسي مياكي تصميم أزياء فريق ليتوانيا لحضور أولمبياد برشلونة. كانت هذه أول مرة تشارك فيها ليتوانيا كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. حينها تبرع المصمم بخدماته من دون أي مقابل. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب لا سيما أنه دمج فيها أسلوبه الحداثي المتطور بعناصر ثقافية جسد فيها كيف يمكن أن تُعبِّر الرياضة عن حالة فنية.

كانت هذه هي نقطة التحول. بعدها بدأت مشاركات بيوت الأزياء والمصممين لتصبح منافساتهم تقليداً إلى اليوم.