حالة استنفار في السعودية بسبب الأمطار

الدفاع المدني بالرياض يدعو لأخذ الحيطة والحذر وعدم التوجه إلى أماكن السيول والشعاب المحيطة بالمنطقة

هطول أمطار بجنوب الرياض (تصوير: سعد الدوسري)
هطول أمطار بجنوب الرياض (تصوير: سعد الدوسري)
TT

حالة استنفار في السعودية بسبب الأمطار

هطول أمطار بجنوب الرياض (تصوير: سعد الدوسري)
هطول أمطار بجنوب الرياض (تصوير: سعد الدوسري)

شهدت الأجواء السعودية منذ يوم الأحد الماضي موجة من الأمطار متوسطة الغزارة، أدت إلى تعليق الدراسة في معظم مناطق البلاد الوسطى والشمالية والشرقية. وتوقعت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة انتهاء هذه الحالة مساء اليوم في المنطقة الشرقية، ورفضت تسمية الحالة المطرية التي تشهدها الأجواء السعودية بـ«سابغة»، وهي التسمية التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أكدت أن ما تشهده البلاد من أمطار أقل من الغزيرة ولا يستوجب إطلاق تسميات لا أساس علميا لها.
ووفق الموقع الرسمي للرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، سيستمر هطول الأمطار الرعدية من متوسطة إلى غزيرة، مصحوبة بنشاط في الرياح السطحية مثيرة الأتربة والغبار، على مناطق الشرقية والرياض والقصيم وحائل والأجزاء الشرقية من الحدود الشمالية (رفحا) وأجزاء من منطقة الجوف، ويتنبأ موقع الرئاسة بهطول أمطار رعدية تصحب بنشاط في الرياح السطحية على أجزاء من منطقة المدينة المنورة وعلى منطقة مكة المكرمة (تشمل الأجزاء الساحلية)، كذلك على مرتفعات مناطق عسير والباحة وجازان.
وكانت متابعو مواقع التواصل قد أطلقوا على الحالة المطرية التي تعيشها السعودية اسم «سابغة»، لاتساع المساحة التي تشملها الأمطار ولغزارتها في أحيان كثيرة. وقال حسن القحطاني، المتحدث باسم الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة: «إن الرئاسة لم تطلق هذه التسمية على ما تشهده السعودية من أمطار، ونحن نأخذ التسميات للأعاصير والكوارث والحالات المناخية من منظمة عالمية للظواهر الجوية الحادة، التي تطلق عليها التسمية، ونحن كمنشأة علمية لا نعترف بتسمية ما تشهده السعودية من أمطار بـ(سابغة)، لأنها ليست تسمية علمية وإنما أطلقها ناشطون فقط»، متابعا: «ما يحدث في الأجواء السعودية ظاهرة عادية، وأمطار ليست شديدة الغزارة».
وانتقد القحطاني كثرة التوقعات للحالات المناخية التي تشهدها البلاد، وقال: «إن هذه التوقعات التي يطلقها أشخاص يعتمدون على تنبؤات وعمل فردي تسبب التشويش على المعلومات الدقيقة والرسمية التي تصدر عن الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، خصوصًا في الحالات التي تستمر فيها ظاهرة مناخية لعدة أيام كتلك التي نعيشها من استمرار للحالة المطرية للأجواء السعودية». وأضاف: «استخدمنا الوسائل كافة، ووجودنا على (السوشيال ميديا) وعلى مدار الساعة، لبث معلومات رسمية وتوقعات علمية ومهنية للحالة المناخية للبلاد».
وأوضح خالد الزعاق، المتخصص في الأحوال المناخية، أن إطلاق التسميات على ما تشهده الأجواء السعودية يسبب حالة اشتباه لدى الناس بأن هناك أمطارا غزيرة وغير مسبوقة، والواقع أنها حالة مناخية عادية، تنبأ الجميع بها قبل نحو أسبوعين، وكان متوقعا حتى كمية الأمطار التي ستنجم عنها، مشددا على أن هذه الحالة ليست استثناء أو حالة غير عادية، وهي دورة مناخية تحدث كل أربع سنوات، لكن أسهمت التسمية في الإيحاء بأن الوضع غير طبيعي.
وقال الزعاق إنه يميل إلى تفسير التغيرات المناخية التي تشهدها منطقة الخليج والجزيرة العربية على أنها ناتجة بفعل عوامل بشرية من تلوث واحتباس حراري، تتسبب في تغيرات مناخية حادة في بعض الأحيان، مثل موجات الغبار التي تشهدها المنطقة التي قال إنها بسبب استمرار الحروب في منطقة العراق والشام على مدى 40 سنة، والتي تمثل بوابة الرياح لمنطقة الخليج.
وقال لـ«الشرق الأوسط» الرائد محمد الحمادي، الناطق الإعلامي بمديرية الدفاع المدني بالرياض إن المعلومات الواردة للدفاع المدني تفيد باستمرار الحالة المطرية على العاصمة الرياض حتى اليوم الأربعاء، مهيبا بالجميع أخذ الحيطة والحذر وعدم التوجه إلى أماكن السيول والشعاب المحيطة بالمنطقة، موضحا أن الدفاع المدني باشر حالة اختناق مركبة بأحد الأودية في محافظة الغاط ليلة البارحة، وجرى إنقاذ صاحب المركبة ومركبته، إضافة إلى التماسات كهربائية معتادة أثناء نزول الأمطار لم تنتج عنها أي خسائر مادية أو بشرية.
وبيّن الحمادي أن هناك الكثير من الفرق نشرت في مواقع عدة بالرياض ومحافظاتها، وقوة بشرية وآلية ضمن خطة الدفاع المدني التي أعدها، داعيا سكان الرياض ومحافظاتها إلى عدم التوجه للمناطق البرية والأودية لأنها في حالة وعورة وجريان شديد وغير مناسبة للتوجه، مهيبا بالجميع متابعة الدفاع المدني وتحذيراته التي يطلقها على وسائل الإعلام الرسمية أو حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأعلنت إدارات التعليم في الرياض، والقصيم، ومحافظة الخرج، ومحافظات رماح وثادق وحريملاء والدرعية والعيينة وضرما والمزاحمية، تعليق الدراسة في مدارس التعليم العام والتعليم الأهلي والأجنبي للبنين والبنات اليوم الأربعاء، بسبب استمرار هطول الأمطار.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)