حراك لبناني في باريس لحل أزمة الرئاسة.. ولقاء فرنجية ـ الحريري يثير هواجس الحلفاء

ريفي: كل مرتبط ببشار الأسد لا يمكن أن نرى فيه نموذجًا لرئاسة الجمهورية

الحريري مستقبلاً جنبلاط في مقر إقامته بباريس يرافقه نجله تيمور والوزير أبو فاعور (صفحة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري على «فيسبوك»)
الحريري مستقبلاً جنبلاط في مقر إقامته بباريس يرافقه نجله تيمور والوزير أبو فاعور (صفحة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري على «فيسبوك»)
TT

حراك لبناني في باريس لحل أزمة الرئاسة.. ولقاء فرنجية ـ الحريري يثير هواجس الحلفاء

الحريري مستقبلاً جنبلاط في مقر إقامته بباريس يرافقه نجله تيمور والوزير أبو فاعور (صفحة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري على «فيسبوك»)
الحريري مستقبلاً جنبلاط في مقر إقامته بباريس يرافقه نجله تيمور والوزير أبو فاعور (صفحة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري على «فيسبوك»)

خرقت اللقاءات المكثفة التي يجريها رئيس تيار «المستقبل» ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري في العاصمة الفرنسية باريس، مع عدد من رؤساء الأحزاب اللبنانية، رتابة المشهد السياسي، كما أنهت أشهرا طويلة من الجمود الذي طبع الملف الرئاسي، باعتبار أن الاجتماع الذي عقده ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية أثار هواجس حلفاء الطرفين من إمكانية تحقيق تفاهم يقضي بانتخاب الأخير رئيسا للبلاد، وهو من أشد المقربين للرئيس السوري بشار الأسد.
وقد ساهم تردد الطرفين بإعلان إتمام اللقاء بزيادة التساؤلات حول خلفياته وأبعاده، نظرا لعدم صدور أي بيان رسمي في هذا الخصوص، وحصر «المردة» زيارة رئيسها لفرنسا بإطار «اجتماعي». إلا أن نوابا من «المستقبل» ارتأوا يوم أمس تأكيد حصول اللقاء، واضعين إياه في إطار الحوارات المفتوحة بين الحريري وكل الفرقاء اللبنانيين دون استثناء. واستقبل الحريري، أمس، في مقر إقامته في باريس، رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط. وأشار بيان أصدره المكتب الإعلامي لرئيس تيار «المستقبل»، إلى أن «البحث تناول الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والأزمة السياسية المتمادية وما باتت تمثله من مخاطر جمة على ميثاق لبنان واستقراره وأمنه واقتصاده الوطني، في ظل الأحداث الدامية في محيطنا العربي». وتحدث البيان عن «اتفاق تم خلال اللقاء على ضرورة بذل كل الجهود لإيجاد تسوية وطنية جامعة تحفظ ميثاقنا الوطني وتكرس مرجعية اتفاق الطائف وتعالج بداية أزمة الشغور الرئاسي، وتضع حدا لتداعي مؤسساتنا الوطنية وتطلق عمل المؤسسات الدستورية وتفعل عمل الحكومة والمجلس النيابي وتؤمن المظلة السياسية والأمنية لحماية لبنان والنهوض باقتصاده الوطني من أوضاعه الحالية وتوجد حلولا للأزمات الاجتماعية المتراكمة». وقال الزعيمان إنّهما سيتابعان «الاتصالات مع باقي المكونات الوطنية والقوى السياسية للبحث في سبل إطلاق وإنجاز هذه التسوية بأسرع وقت».
وبينما تردد أن لقاء جمع الحريري مساء يوم أمس برئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل، قال النائب في تيار «المستقبل» أحمد فتفت، إن اجتماع الحريري بفرنجية استدعى وضع الحلفاء بأجوائه، لافتا إلى أن الحديث عن اتفاق على انتخاب رئيس «المردة» رئيسا للبلاد، «مبكر جدا، خاصة أن المطلوب منه أن يثبت قدرته على أن يكون رئيسا توافقيا وهو ما عجز عنه رئيس تكتل (التغيير والإصلاح) العماد ميشال عون». وأضاف فتفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا مشاكل شخصية لدينا لا مع العماد عون أو مع غيره، ما نسعى إليه هو حل أزمة الرئاسة في أسرع وقت ممكن عبر انتخاب رئيس لا يمكن أن نقبل إلا أن يكون توافقيا».
واعتبر فتفت أن اللقاءات التي تتم في باريس «تؤكد لكل المشككين بأن الرئيس الحريري لا يزال يلعب الدور المحوري في لبنان»، لافتا إلى أن موضوع التسوية السياسية التي كان قد طرحها حزب الله سيُبحث خلال الاجتماعات الثنائية المرتقبة مع حزب الله، وأضاف: «لكن ما يعنينا أولا وقبل البحث في تفاصيل هذه التسوية، إعادة بناء الثقة مع الحزب من خلال حل مسألة سرايا المقاومة والاتفاق على مبدأ الرئيس التوافقي».
ولم يتلق عون وفريقه السياسي تماما كحلفاء الحريري، وعلى رأسهم رئيس حزب «القوات» سمير جعجع بكثير من الإيجابية خبر لقاء الحريري - فرنجية في باريس، خاصة أنهم لم يكونوا مطلعين على خلفياته وأهدافه. إلا أن القيادي في تيار عون، النائب السابق سليم عون تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن «ثقة تامة» بحلفائهم ومن ضمنهم فرنجية وعلى رأسهم حزب الله، لافتا إلى أنّه «لا إمكانية لتجاهلنا من قبل أحد على الإطلاق نظرا لقوتنا الشعبية ولأننا أصحاب حق». وقال: «نحن واعون تماما إلى أن تيار المستقبل قد يكون يقوم بمناورة للإيقاع بيننا وبين حليفنا الوزير فرنجية، لكننا نؤكد لهم أننا لن نقع في هذا الفخ.. فليحاوروا ويقوموا بالألاعيب التي يريدونها، بتنا نعرف أنهم لا يملكون قرارهم وبالتالي ما لم يستطيعوا الالتزام به معنا، لن يتمكنوا من الالتزام به مع حليفنا».
واستغرب عون «كيف أن الحريري بات يساوم مع الصديق الشخصي للرئيس السوري (بإشارة إلى فرنجية)، وكأنّه يقر بالهزيمة في سوريا وبخسارة رهانه السياسي». في المقابل، قطع وزير العدل اللواء أشرف ريفي، وهو من فريق «المستقبل» الوزاري في حكومة الرئيس تمام سلام، الطريق على رئاسة فرنجية للجمهورية. وقال في لقاء شعبي في مدينة طرابلس شمالي البلاد: «نحن نرى أن من يريد أن يتبوأ هذا المركز يجب ألا يكون لا من فريق 14 آذار ولا من 8 آذار، وكل شخص مرتبط ببشار الأسد لا يمكن أن نراه نموذجا لتولي رئاسة الجمهورية في لبنان أبدا».
واعتبر ريفي أن لقاء فرنجية والحريري «أمر طبيعي وإيجابي، إنما لا أحد يحمل اللقاء أكثر مما يحتمل، فأنا لا أرى أن الوزير سليمان فرنجية مع احترامنا له، يمكن أن يكون رئيسا لجمهورية لبنان، وطبعا هذا رأيي الشخصي لأن رئاسة الجمهورية يجب أن تكون فوق الانقسامات السياسية لكي يستطيع الرئيس المقبل جمع الأفرقاء على طاولة واحدة دون أن ينحاز لفريق»، وأضاف: «من يقرأ التطورات العالمية والإقليمية يدرك تماما أن كل من هو محسوب على المحور الإيراني السوري لا يمكن أن يصل إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.