«مكارم الأخلاق» المنسوب لأبي منصور الثعالبي بالإنجليزية لأول مرة

حققه باحثان عن مخطوطة وحيدة موجودة في مكتبة جامعة «ليدن» الهولندية

«مكارم الأخلاق» المنسوب لأبي منصور الثعالبي بالإنجليزية لأول مرة
TT
20

«مكارم الأخلاق» المنسوب لأبي منصور الثعالبي بالإنجليزية لأول مرة

«مكارم الأخلاق» المنسوب لأبي منصور الثعالبي بالإنجليزية لأول مرة

صدر مؤخرًا كتاب «مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب وبدائع الأوصاف وغرائب التشبيهات» المنسوب لأبي منصور الثعالبي (ت 429هـ/ 1039م) عن دار النشر العريقة «بريل» بعنوان إنجليزي «The Book of Noble Character».
قام بتحقيق الكتاب بلال الأرفه لي ورمزي بعلبكي من الجامعة الأميركية في بيروت. وقد أهدى المحقّقان الكتاب إلى زميلهما الراحل الدكتور سامي مكارم، بعد أن حققاه عن مخطوطة وحيدة موجودة في مكتبة جامعة ليدن الهولندية. وكان المحقّقان قد تعاونا في تحقيق عمل سابق للثعالبي بعنوان «زاد سفر الملوك» صدر عن المعهد الألماني للدراسات الشرقية في بيروت.
وكتاب مكارم الأخلاق، كما يشير المحققان في مقدمتهما، مؤلف من مقدمة وثلاثة أبواب ينقسم كل منها إلى أقسام. يعالج الباب الأول موضوع التحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، ويجمع الباب الثاني أقوالاً في التزكِّي عن مساوئ الأخلاق ومقابح الشيم، بينما يركز الباب الثالث على بدائع الأوصاف وغرائب التشبيهات. يلي ذلك ملحق يجمع أمثالاً مرتبة أبجديًا.
ويرى المحققان أن هذه الأبواب الثلاثة والملحق تندرج ضمن مظلة «الأدب» بتعريفه القديم الذي يتضمن عناصر المحاضرة والتأديب والأخلاق والمنهج الفكري. ويرى المحققان أيضًا أن الكتاب يقع ضمن دائرة النوع الأدبي - الأخلاقي المسمى «مكارم الأخلاق». وهنا يعكف المحققان على التعريف بهذا النوع الأدبي وسرد جميع الكتب المعروفة الواقعة في دائرة هذا النوع، مما يجعل من مقدمة الكتاب مرجعًا أكاديميًا لا غنى عنه في مجال دراسة هذا النوع الأدبي. وننوه هنا بجهد المحقّقين في وضع الكتاب في سياقه التاريخي والأدبي والمعرفي.
وبالنسبة للباب الثالث من الكتاب الذي يُعنى بالأوصاف والتشبيهات فيربطه المحققان بالمقطوعات الشعرية الوصفية التي درجت في كتب الأدب منذ القرن الثالث للهجري علاوة على كتب معاني الشعر والتشبيهات أمثال ديوان المعاني لأبي هلال العسكري والتشبيهات لابن أبي عون. أما فيما يتعلق بقسم الأمثال فيميز المحققان بين عدة مقاربات لجمع الأمثال في التراث العربي ويضعان هذا القسم من الكتاب بدوره في سياق فني تاريخي، فالمقدمة بتركيزها على موقع الكتاب في التراث العربي تشكل رحلة بين أنواع أدبية مختلفة تصلح لأن تدرس في مساقات الأدب العربي والحضارة العربية - الإسلامية.
أمّا فيما يتعلق بنسبة الكتاب إلى الثعالبي الذي ذُكر في الصفحة الأولى من المخطوط، فيفصّل الباحثان إشكالية النسبة بتأنٍّ ودقة حذرتين. إذ هناك مئات الكتب التي نسبت للثعالبي في التراث العربي بسبب ذيع شهرته، ومن الصعب أحيانًا الجزم بصحة نسبة كتاب ما إليه. غير أنه من الملاحظ أن جميع أقوال الكتاب وأشعاره والأسماء الواردة فيه لا تتعدى القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، ولذا فإن نسبة الكتاب لأبي منصور الثعالبي المتوفي سنة 429هـ/ 1039م ممكنة، لا بل مرجحة.
وبعد ترجيح النسبة يفصّل المحققان الحديث عن كتب الأمثال المختلفة التي نسبت للثعالبي في التراث العربي معتمدين على عدد من المخطوطات التي لم تنشر بعد، والتي حصّلاها من مكتبات مختلفة في تركيا وإيران. ويختم المحققان المقدمة بالحديث عن حياة أبي منصور الثعالبي ومصادر دراستها. والثعالبي من أهم الأدباء في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، وفضله على الأدب العربي لا يخفى على الباحثين في مجال الأدب العربي - الإسلامي. وكان أحد المحققين وهو بلال الأرفه لي قد نشر عددًا من المقالات التي تطرقت لحياة هذا الأديب اللامع الذي لُقّب بجاحظ نيسابور، وترك عددًا كبيرًا من كتب الاختيار الأدبي واللغة والمعاجم والتاريخ.
أبدع المحققان في تحقيقهما للكتاب، فضبط النص خالٍ من الأخطاء، وقد عادا إلى كمّ هائل من المصادر الأولية، فحققا نسبة معظم الأقوال والأحاديث والأشعار والأمثال، وتتبعاها في المصادر التي رُتّبت بشكل تاريخي في الهوامش. وقد عرّف المحققان بجميع الشخصيات المذكورة في النص والهوامش، وفي ذلك إفادة كبيرة وتسهيل على طلاب الأدب العربي ومحبيه. يلي متن الكتاب فهارس للآيات القرآنية والحديث والأعلام والأماكن والأشعار كلّها أُعدت بدقة تستحق التنويه. أمّا دار النشر، فقد نجحت هي الأخرى في إخراج الكتاب بخط أنيق واضح وزيّنت الغلاف بلوحة من لوحات سامي مكارم الذي أهدى المحققان الكتاب إليه. ودار «بريل» دار عريقة تأسست عام 1683 وتهتم بجوانب متعددة من التراث الإسلامي وتصدر الكثير من الدوريات الأكاديميّة والموسوعات المهتمة بالإسلام أهمها الموسوعة الإسلامية والموسوعة القرآنية.



فارغاس يوسا يسدل الستار على الجيل الذهبي لكُتَّاب أميركا اللاتينية

الكاتب ماريو فارغاس يوسا في الأكاديمية الفرنسية بباريس فبراير 2023 (أ.ف.ب)
الكاتب ماريو فارغاس يوسا في الأكاديمية الفرنسية بباريس فبراير 2023 (أ.ف.ب)
TT
20

فارغاس يوسا يسدل الستار على الجيل الذهبي لكُتَّاب أميركا اللاتينية

الكاتب ماريو فارغاس يوسا في الأكاديمية الفرنسية بباريس فبراير 2023 (أ.ف.ب)
الكاتب ماريو فارغاس يوسا في الأكاديمية الفرنسية بباريس فبراير 2023 (أ.ف.ب)

«أعرف أن غيابه سيترك حزناً عميقاً بين أفراد أسرته وأصدقائه وقرائه حول العالم، لكننا نعقد الأمل أن الجميع سيجد عزاء في كونه تمتع بحياة مديدة ومثمرة، وترك لنا أعمالاً سترافقنا طويلاً من بعده».

بهذه العبارات نعى الفارو، النجل البكر لماريو فارغاس يوسا، رحيل والده وهو على أبواب التسعين، بعد أسبوعين بالتمام من احتفاله بعيد ميلاده التاسع والثمانين في منزله المطل على البحر في مدينة ليما التي لم ينقطع عنها أبداً رغم ترحاله المستمر وإقامته فترات في مدن كثيرة، كانت مدريد آخرها، حيث توطدت بيننا صداقة وكانت مدخلاً لانضمامه إلى أسرة «الشرق الأوسط» منذ نيّف وثلاث سنوات.

لا شك في أن غياب فارغاس يوسا سيُحدث فراغاً كبيراً في نفوس الذين تهافتوا على أعماله ووجدوا في أدبه رفيقاً حميماً في ساعات البهجة كما في ساعات القنوط.

يوم الأربعاء الفائت تحدثت إلى ألفارو لأبلغه أن «الشرق الأوسط» نشرت في ذلك اليوم مقالة والده عن صديقه خوسيه دونوسو، وطلبت إليه أن ينقل إلى «دون ماريو» تحيات عطرة من سمرقند التي قال لي مرة إنه يحلم بزيارتها بعد قراءة الرواية التي وضعها أمين معلوف عن هذه المدينة الساحرة. وبعد قليل، ردّ المتوج بنوبل للآداب والعضو الوحيد في الأكاديمية الفرنسية الذي لم ينشر كتاباً واحداً بلغة موليير، بقوله: «كم هو العالم بحاجة إلى مدن مثل سمرقند في أيامنا هذه!».

في تواصلي الأسبوعي مع نجله البكر، وهو أيضاً كاتب، كان يخبرني أنه منذ عودته العام الفائت إلى بيرو، بدأ فارغاس يوسا يقوم بنزهات «خفيفة» في الأماكن التي ألهمته في أعماله، وأنه في إحدى السهرات ذهب إلى مشاهدة عرض مسرحي خاص مستوحى من روايته «مَن قتل بالومينو موليرو؟». بعد ذلك زار المدرسة العسكرية التي تابع فيها مرحلة دراسته الثانوية وألهمته رائعته «المدينة والكلاب» التي ارتقى بها إلى أولمب الآداب الإسبانية مطلع ستينات القرن الفائت، ورسم فيها صورة فذة عن تعقيدات مجتمع بلاده، بيرو. كما تردد غير مرة على المقهى الذي اختمرت على مقاعده روايته «محادثة في الكاتدرائية»، وكانت نزهاته الأخيرة في أجمل أحياء ليما، «الزوايا الخمس»، المشرف على البحر.

ماريو فارغاس يوسا يلقي كلمة في تجمع جماهيري بليما 21 أغسطس 1987 أمام حشدٍ تجاوز 50 ألف شخص (أ.ب)
ماريو فارغاس يوسا يلقي كلمة في تجمع جماهيري بليما 21 أغسطس 1987 أمام حشدٍ تجاوز 50 ألف شخص (أ.ب)

وقد أوصى يوسا بأن يوارى الثرى في جنازة خاصة جداً، وغير رسمية، تقتصر على أفراد أسرته المقربين من جهة والده. وشاءت الصدف أن غالبية مواطنيه لم يعرفوا بنبأ وفاته من نشرات الأخبار، بل من متابعتهم إحدى المباريات المهمة بكرة القدم على ألسنة المعلقين الرياضيين، كما لو أنه هو الذي كتب هذا المقطع الأخير من حياته، وهو الذي كان شغوفاً بالفريق الذي خسر تلك المباراة، والذي كان عضواً فخرياً فيه لا يفوّت مباراة له كلما كان في ليما.

كان مزيجاً من فيكتور هوغو وغوستاف فلوبير، الذي قيل إن أحداً لم يكتب عنه بمثل العمق والتألق الذي فعله فارغاس يوسا عن صاحب «مدام بوفاري». وبرحيله ينسدل الستار على الجيل الذهبي من كتَّاب أميركا اللاتينية الذين رصّعوا الأدب العالمي بأجمل الدرر، مثل غارسيا ماركيز وكارلوس فونتيس وخوليو كورتازار.

«الشرق الأوسط»، بالاتفاق من نجله ووكيلته الأدبية، ستواصل نشر مقالات له سابقة مرتين في الشهر، وهي تتقدم إلى أسرته بخالص العزاء.