مهرجان القاهرة السينمائي: خمسة دروس مستفادة

انتهى بحفل ناجح وبدأ الاستعداد للدورة المقبلة

وزير الثقافة المصري حلمي النمنم والفائزون
وزير الثقافة المصري حلمي النمنم والفائزون
TT

مهرجان القاهرة السينمائي: خمسة دروس مستفادة

وزير الثقافة المصري حلمي النمنم والفائزون
وزير الثقافة المصري حلمي النمنم والفائزون

بانتهاء الدورة السابعة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي أول من أمس (الجمعة)، طوى المهرجان في الواقع مرحلة جديدة لمهرجان يسعى حثيثًا للتطور والتطوير من دون أن يأخذ حقّه في ذلك.
حفلة توزيع الجوائز كانت منظّمة وفاعلة وقليلة الخطابات تمامًا كما كانت حفلة البداية؛ إذ هي أيضًا كانت مضبوطة على إيقاع سريع. وهي حملت جوائز كثيرة في خمس مسابقات من بينها المسابقة الرسمية التي فاز عنها الفيلم الإيطالي «البحر المتوسط» لجوناس كاربنيانو بالجائزة الأولى، ومسابقة «آفاق السينما العربية» التي منحت جائزتها للفيلم السوري «في انتظار الخريف» لجود سعيد، ومسابقة النقاد التي منحت جائزتها الأولى إلى الفيلم البولندي «العنكبوت الأحمر».
إلى جانب أن الحفلة كانت منظّمة (أكثر من أي حفلة اختتام في السنوات القريبة الماضية)، فإنها كانت تسجيلاً لانعطاف مهم: ها هي دورة تمضي وأخرى تقترب من هذه اللحظة، فبعد فترة راحة قصيرة تنطلق المساعي من جديد لكي تنظم دورة العام المقبل.
* لمعة
لم يفز فيلم مصري بأي جائزة رئيسية في أي من المسابقة الرسمية. السبب واضح وجلي: لجان التحكيم ليست هنا لكي تراضي جهة أو بلدًا أو أشخاصًا، بل لتمنح جوائزها بحرية ومن دون حسابات خارج الإطار الفني. والمنتج بول وبستر الذي ترأس لجنة التحكيم الرئيسية كان على حق حين قال: «لقد اطلعنا على 16 فيلمًا من 15 دولة ووجدنا أنها تلتقي على أن السينما لغة تواصل وسلام وليست لغة عنف وحرب». وإن لجنة التحكيم الدولية لاحظت اختلافات بين الأفلام المتسابقة لكن كان هناك، على أي حال، ما يكفي من أعمال لتوزيع الجوائز الأساسية بينها.
هل سيكون الحال أفضل في الدورة القادمة؟ هل مزيد من التنظيم يعني المزيد من النجاح أو أن النجاح له ظروفه الأقوى؟ وما هي ملامح المستقبل المرتسم لهذا المهرجان الذي يحاول تجاوز محناته وأزماته، بالإضافة لتجاوز محنات وأزمات المنطقة؟
الحقيقة، إن دورة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الحالية لم تكن بالسوء الذي تحدّث عنه بعض المشاركين من الداخل والخارج. نعم، لم يكن هناك لمعان شديد. لم يحضر مخرج في وزن الألماني فولكر شلندروف، ولا أثار احتمال حضور وزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ تجاذب الآراء الذي أدّى لتمنّعه عن الحضور كما في العام الماضي، كذلك لم يرأسه ممثل سابق أو منتج كبير أو نجم شهير. آل إلي يدي رئيسة أنثى سبق لها وأن أدارت بنجاح «مهرجان السينما العربية في باريس» وتميّزت بالنظرة الواقعية وبمحاولة حل المشكلات قبل وقوعها.
مع هذه الحقائق في الحسبان، يمكن استخراج خمسة دروس مهمّة تبلورت في هذه الدورة ومرشحة لأن تكون ذات أثر مهم في الدورات المقبلة إلا إذا أمكن تفادي سلبياتها.
* الدرس الأول: على المهرجان أن ينعم بإدارة دائمة.
خلال السنوات التالية لوفاة الرئيس الأسبق سعد الدين وهبة، التي تميّزت بالتأسيس والحزم، تناوب على رئاسة المهرجان خمسة أشخاص بعضهم لعام واحد فقط قبل أن يمضي. كل بأسلوب عمل مختلف، وبتطلعات متباينة، وبالتالي نتائج متباعدة. لكل أسلوبه الخاص في العمل ولكل رؤيته وفهمه للكيفية التي يستطيع فيها إدارة هذا المهرجان. صحيح أن بعض الغاية كان رفع راية المهرجان عاليًا، لكن النية غلبت المعرفة ولم ينتج عنها ما يمكن أن يعني تطوّرًا وارتفاعًا بل مجرد تسجيل حضور من عام لعام.
مع كل تغيير كان هناك الكثير من الموظفين الذين يأتون ويذهبون. بالتالي طواقم تتبدل تاركة ما تعلّمته لطواقم جديدة تبدأ من هذه اللحظة. وحسب مصدر من الداخل، كان كل ربّان سفينة وطاقمه يمسح ما تم تدوينه من معلومات لمجرد أنه سيترك المنصب. والذي يليه كان عليه أن يبدأ من جديد. بالتالي، التواصل في المعرفة وربط دورات المهرجان ومكتسباته بعضها مع بعض لم يتم وتفككت أواصره أكثر من مرّة.
الدرس هنا هو أن على المهرجان أن ينعم بإدارة دائمة لا تتغير كل عام أو كل عامين، بل تبقى لتمارس التأسيس الصحيح والخبرة المكتسبة حتى ولو اضطر الأمر للاستغناء عن الرئيس علمًا بأن استقرار المهرجان مرتبط أيضًا باستمرار رئيسه ومنحه ما يكفي من السنوات لكي يستكمل مساعيه.
* إعلام يكرر نفسه
* الدرس الثاني: الميزانية
بلغت ميزانية هذا المهرجان 6 ملايين جنيه مصري. بالكاد تكفي لإنجاز ما يريد. الخطر هنا هو أن ضحالة الميزانية تؤثر على قدرة المهرجان التمتع بالثراء الذي يرغب به. تحد من عدد الضيوف وتحد من عدد السينمائيين البارزين الذين يتصدر حضورهم وكالات الأنباء. يفرض على المهرجان اختصار أيام الدعوات. يجعل المهرجان غير قادر على استئجار سيارات واستبدالها بالحافلات الصغيرة. إلغاء الحفلات الليلية التي عادة ما تجذب النجوم المصريين كما كان الحال في السنوات السابقة. وبجلبهم يزداد حضور الإعلام العربي ويتحوّل المهرجان إلى حدث فني عوض أن يبقى مجرد حفل كبير.
زيادة الميزانية تمنحه، وهذا هو الأهم، القدرة على إثراء العروض بأفلام وتظاهرات محددة. توسيع رقعة المطبوعات والخروج من دائرة جلب الأفلام عبر السفارات غالبًا لصالح القيام بشبكة اتصالات تثمر عن أفلام أفضل. كذلك تتيح الميزانية المطلوبة إذا تأمّنت توفير معدات عرض وصوت أفضل.
* الدرس الثالث: أماكن العرض
يعتمد المهرجان على قاعة كبيرة واحدة وثلاث صالات أصغر. القاعة الكبيرة هي وحدها المؤهلة فعلاً لعرض الأفلام. لكن هذه القاعة، الموجودة في دار الأوبرا، أصغر من أن تستوعب الجمهور الكبير، خصوصًا ذلك الذي يتحمس لمشاهدة فيلم قرأ عنه كثيرًا أو آخر مصري يريد أن يحضره، كما كان الحال هذا العام وفي العام الماضي، مما ينتج عنه إقفال القاعة عن مئات الحضور الذين وصلوا قبل العرض ليجدوا أنها امتلأت وأن تذاكرهم لا تعني شيئًا.
القاعات الأخرى ليست أهلاً لعرض مهرجاناتي دولي، واحدة منها لديها باب يفتح مباشرة في وجه الصالة وكلها تحفل بكراسي غير مريحة وبمساحة ضيقة بين الصفوف بحيث لا يستطيع المرء الجلوس براحة.
قاعة جديدة، مثل قاعة المؤتمرات في مصر الجديدة، هي أجدر للمناسبة، كذلك استئجار قاعات تجارية مؤهلة أساسًا للعروض الكبيرة كصالات المولات في أنحاء شتّى من القاهرة. وهذا ما يعيدنا إلى ضرورة رفع الميزانية المقررة.
* الدرس الرابع: الإعلام المصري يكرر نفسه
باستثناء عدد قليل من الصحف المصرية، لم يستفد الإعلام من وجود المهرجان كحدث فني ولم يَفِد أيضًا. الكثير من النقد عاد لعادة نقد المهرجان وليس الاشتراك به. ومع أن نقاد السينما في مصر استغلوا الفرصة للمشاهدة عن كثب، إلا أن مجالات النشر، على كثرتها، كانت محدودة بالنسبة لهم. كذلك، فإن المواضيع المثارة هي ذاتها وتتعلّق بسير حفلة الافتتاح وحفلة الختام وغياب النجوم أو حضور بعضهم.
النقاشات بقيت قليلة. اللقاءات التي كان يمكن أن تثري هذه النقاشات شبه معدومة. المهرجان بقي، بالنسبة للكثير من المصريين، حدثًا جانبيًا صغيرًا لم ينتشر جيّدًا. وبالنسبة لوكالات الأنباء أمر بعيد عن الأهمية مما حد من تغطيته كثيرًا.
كذلك على الإعلام أن يبلور مفهومًا جديدًا يتوقف فيه عن مقارنة المهرجان المصري بالمهرجانات العالمية الكبرى. الواقع والحقيقة هما أنه ليس كذلك. هو بالتأكيد ليس واحدًا من المهرجانات الدولية المنتظرة، وبالتأكيد أكثر ليس من بين المهرجانات «الكبرى في العالم» كما تردد في عدد من الصحف.
الواقع هو أنه حدث محدود في عالم مزدحم بالمهرجانات التي تسبقه في الأهمية محليًا أو إقليميًا أو دوليًا.
* الدرس الخامس: على المنتجين العرب العودة إلى القاهرة
في سنوات سابقة، كان المنتجون والموزعون وأصحاب الصالات العرب يتوافدون على المهرجان بكثافة، يعتبرونه المكان الأفضل لعقد الصفقات، كانوا يبحثون عن الجديد ويشترونه أو يأتون بما لديهم لبيعه، وكان تواصلهم ضروريًا لتنشيط الصناعة السينمائية في مصر والعالم العربي. صحيح أن هذا الشغل بأسره كان تجاريًا، لكن لا مهرجان ناجحًا من دون محيطه التجاري. لا أفلام بديلة أو مستقلة من دون أخرى غالبة من النوع السائد.
اليوم يغيب المنتجون العرب ويغيب السينمائيون المصريون أنفسهم باستثناء من لديه فيلم مشارك، وغيابهم يترك فراغًا لا يمكن للمهرجان أن يسدّه مهما حاول. محطات التلفزيون لا تساهم في شراء أي جديد تعرضه، ولا تمد يد العون للمشاريع الشابة أو تكترث لشراء مجموعة من الأفلام القصيرة فتمنح المخرجين الشبان فرصًا مفقودة.
لا يتبدّى ذلك الاكتراث بما يستطيع المهرجان فعله لإنعاش الحياة السينمائية في مصر. هذه الحياة التي لا تتوقف رغم كل تلك العراقيل والظروف التي تتعرّض البلاد لها بفعل عناصر الإرهاب التي تريد حجب الشمس عن كل مصر.

** جوائز المسابقة الرسمية
* الهرم الذهبي لأحسن فيلم: - «البحر الأبيض المتوسط» (إيطاليا، فرنسا، أميركا، ألمانيا، قطر)
* الهرم الفضي لأحسن فيلم: - «فوسي» (ألمانيا)
* الهرم البرونزي لأحسن فيلم أول أو ثانٍ للمخرج: - «بولينا» (الأرجنتين، البرازيل، فرنسا)
* أفضل ممثل- كودوس صيون عن «البحر الأبيض المتوسط»
* أفضل ممثلة - لويز بورجوان عن «أنا جندية» (فرنسا، بلجيكا)
* جائزة نجيب محفوظ لأفضل سيناريو - «الكنز» (رومانيا، فرنسا)
* جائزة أحسن إسهام فني - «الشمس الساطعة» (كرواتيا، صربيا، سلوفانيا)



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».