لم يعد ممكنًا التنبؤ بمن يخرج بأوسكارات كل عام كما كان من الممكن سابقًا. تكاثرت الأفلام وتكاثرت الشخصيات وتداخلت الشروط الجديدة مع تلك القديمة بحيث أصبح من الصعب تحديد وجهة في أي من مسابقات الأوسكار المتعددة. ومع تعدد ضروب الإنتاج وتنوّع مصادره ازدادت كذلك المشكلات المتعلقة بتحديد الأولوية في هذا الخصوص.
في الوقت ذاته، كانت الأكاديمية ذاتها، تقوم بما يمكن تسميته بإصلاحات داخلية طوال السنوات القريبة الماضية، من توسيع رقعة الأفلام المرشّحة للأوسكار الرئيسي نفسه، إلى تحديد معالم الفيلم القصير على نحو أكثر تحديدًا إلى إدخال أذرع عمل إضافية من شأنها تسهيل المهمّة الشاسعة الملقاة على عاتق الأعضاء المنتخِبين.
مسابقة الأفلام الأجنبية (أي تلك الناطقة باللغة غير الإنجليزية على نحو كامل أو غالب) داخلتها ترميمات جديدة بدورها. من بينها قيام رئيس هذه المسابقة، مارك جونسون، بتخفيض عدد الأفلام التي على الأعضاء مشاهدتها. كذلك تم انتقاء أعضاء دون الخمسين سنة من العمر، بعدما كان الغالب أن يكون الأعضاء فوق ذلك السن، وذلك تجاوبًا مع الطروحات الجديدة والعناصر الإبداعية الأكثر تنوعًا في المواضيع والأساليب حاليًا.
جيل كبير وجيل صغير
ما كان سائدًا حتى عهد قريب، هو قيام فريق من أعضاء الأكاديمية (التي يشارف عددها على 6000 عضو) بالإعلان عن رغبتهم في الانضمام إلى الفريق الذي سيشاهد ويعاين الأفلام المرسلة من قِبل دولها ومؤسساتها الوطنية. كان السائد هو كبر عمر أعضاء هذا القسم وتمتّع معظمهم بشغف نحو الأفلام التاريخية وأفلام الحروب العالمية وتبعاتها، والأفلام المسرودة على نحو كلاسيكي يعكس قربًا من مفاهيم سائدة في هذا الشأن.
في هذا الصدد لا عجب أن الأفلام التسعة التي تم ترشيحها رسميًا للمخرج السويدي إنغمار برغمن من عام 1960 إلى عام 1984 لم يحظ منها أي فيلم بأوسكار أفضل فيلم. تجاوز المصوِّتون عن «فريز برّي» Wild Strawberry و«صرخات وهمسات» و«وجه لوجه» و«سوناتا الخريف» والأوسكار الوحيد الذي ناله برغمن هو أوسكار أفضل إخراج عن «فاني وألكسندرا» (1982) الأسهل سردًا وقبولاً من معظم أعماله الأخرى.
الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني كان حظّه من ترشيحات الأوسكار فيلمًا واحدًا دخل القائمة الرئيسية، كونه ناطقًا باللغة الإنجليزية، وهو فيلم «انفجار» (1966) في حين لم يتم انتخاب أي من أعماله «الأسلوبية» الصعبة ضمن الأفلام الأجنبية ومنها «الصحراء الحمراء» و«المغامرة» و«الليل» و«الخسوف».
الجيل الأصغر يعرف أكثر في السينما الأجنبية ويقدّر الأوضاع الإنتاجية المحددة في كل بلد ناشئ أو تلك الإنتاجات التي يتم تحقيقها نشازًا عن السائد التجاري ويتعامل معها على نحو أفضل.
في العام الماضي، على سبيل المثال، نلحظ أنه على الرغم من تبوؤ ثلاثة أفلام أوروبية الترشيحات في مسابقة الفيلم الأجنبي، وهي الدنمارك وإيطاليا وبلجيكا، كان هناك مجال لدولتين صغيرتي القدرات تقعان خارج منظومة الإنتاجات المتعددة والسائدة هما كمبوديا التي مثلها فيلم «الصورة المفقودة» وفلسطين التي مثلها فيلم «عمر» لهاني أبو أسعد.
في مطلع هذا العام، تعدد وجود دول أوروبية (ثلاث أيضًا هي روسيا وإستونيا وبولندا، التي خرجت بأوسكار أفضل فيلم أجنبي عن «آيدا») لكن التحق بالترشيحات الرسمية الفيلم الموريتاني «تمبكتو» والأرجنتيني «حكايات خارق».
التجربة البحرينية
منذ سنوات قريبة باتت الخطوات المؤدية إلى إعلان ترشيحات الفيلم الأجنبي الرسمية أوضح من ذي قبل. فهي تنقسم إلى أربع مراحل:
الأولى هي تقدّم الدول بالأفلام التي تمثلها. الثانية: هي قيام نحو 400 عضو بمشاهدة ما تم تقديمه (نحو 70 فيلمًا في المتوسط).
الثالثة: هي تأليف القائمة الرسمية التي تتضمن خمسة أفلام فقط.
المرحلة الرابعة هي قيام كل أعضاء الأكاديمية بانتخاب الفيلم الرابح من بين الخمسة المرشّحة.
المطلوب من كل عضو في هذا النطاق مشاهدة ما لا يقل عن 16 فيلمًا ثم وضع إشارات استحسانه (من سبع درجات وما فوق حتى العشر درجات). ويقوم مارك جونسون وفريقه الصغير بإحصاء الأرقام الأعلى التي حصل عليها كل فيلم وبالتالي يتم الاختيار من بينها.
هذا يؤدي إلى انتخاب تسعة أفلام رسمية والإعلان عنها قبل الوصول إلى مرحلة خامسة لاحقة وهي التصويت على الأفلام التسعة لاختيار الخمسة في القائمة الرئيسية.
وتجدر الإشارة إلى أنه، وفي الأساس، لا يمكن قبول الأفلام المرسلة على هنّاتها، وهناك ما يخفق في دخول المرحلة الثانية منذ البداية. وفي بعض الأحوال لا يتضح السبب مطلقًا، كما حدث هذا العام مع الفيلم البحريني «الشجرة النائمة» للمخرج الشاب محمد راشد بوعلي: دراما اجتماعية حول عائلة من ثلاثة أشخاص تمر بمحنة بسبب ولادة غير صحية لولدها الوحيد نتج عنها نشأته مقعدًا.
الفيلم جيد في الفكرة والجوهر، مع متاعب في السرد والانتقال (غير الضروري) بين الأزمنة، وتم إرساله، حسب كاتبه وفيق رمضان ومخرجه بوعلي ممثلاً البحرين (للمرّة الأولى) في سباق أفضل فيلم أجنبي، لكن قائمة الأفلام التي أعلن عنها قبل أكثر من شهر، وتضم تلك التي تمثل دولها لم تنطوِ على الفيلم البحريني، والغالب أنه وصل متأخرا عن نهاية موعد القبول.
وقبل أيام استبعدت اللجنة الأكاديمية الفيلم الأفغانستاني «المدينة الفاضلة» (Utopia) لمخرجه حسن ناظر من قائمة المسابقة الأولى بسبب خرقه أحد الشروط الرئيسية، وهو أن تكون النسبة الغالبة من الفيلم، تعليقًا أو حوارًا، بلغة غير إنجليزية، في حين أن «المدينة الفاضلة» يستخدم اللغة الإنجليزية بنسبة كبيرة.
هذا أثار حفيظة جوانشير حيدري، رئيس اتحاد المخرجين الأفغانيين، الذي بعث على الفور بإيضاح للأكاديمية يقول فيه إن الفيلم يحتوي على 48 دقيقة ناطقة بالأردية والهندية و37 دقيقة فقط باللغة الإنجليزية.
وقبل ذلك، قامت الأكاديمية برد فيلم «الذئب الوثن» (The Wolf Totem)، بعدما لاحظت أن عددًا كبيرًا من الفنيين العاملين فيه، بينهم المخرج جان - جاك أنو، هم من الفرنسيين وليس من الصينيين. وعليه تم استبعاد الفيلم. لكن الوقت كان لا يزال متاحًا أمام الصينيين للاستبدال بحصانهم المرفوض حصانًا آخر فتم إرسال «ابتعد أيها السرطان»، الذي لم يداخله عنصر أجنبي على الإطلاق، والذي كان نال نجاحًا كبيرًا داخل الصين حين عرضه في أواسط هذه السنة.
هذا لم يتسنَّ للفيلم الأفغاني، إذ ورد الرفض من بعد انتهاء مهلة القبول، وذكر رئيس اتحاد المخرجين حيدري في رسالته أنه يأمل في أن تعيد الأكاديمية النظر في قرارها وقبول الفيلم.
الحال كما هو عليه الآن ومع وجود نخبة كبيرة من الأفلام الجيدة هذه السنة عليه أن ينتظر حتى صدور القائمة بالتسعة الناجحة في الانتقال من المرحلة الثانية إلى الثالثة. لكن المنتظر أن تكون الغالبية أوروبية كما الحال دائمًا.