مدبر هجمات باريس درس في مدرسة كاثوليكية وتسكع في الحانات

لعب دورًا أساسيًا في حملات التجنيد الخاصة بـ«داعش».. وعرف بحبه لإراقة الدماء

جنود خلال مداهمة ضاحية سان دوني شمال باريس أمس (أ.ب)
جنود خلال مداهمة ضاحية سان دوني شمال باريس أمس (أ.ب)
TT

مدبر هجمات باريس درس في مدرسة كاثوليكية وتسكع في الحانات

جنود خلال مداهمة ضاحية سان دوني شمال باريس أمس (أ.ب)
جنود خلال مداهمة ضاحية سان دوني شمال باريس أمس (أ.ب)

عندما تلقت عائلة عبد الحميد أباعود خبرًا من سوريا خلال الخريف الماضي بأنه قُتِل أثناء القتال مع تنظيم داعش، ابتهجت العائلة لما اعتبرته خبرًا سارًا عن ابن ضال باتت تحتقره.
وقالت شقيقته الأكبر ياسمينا في ذلك الوقت: «ندعو الله أن يكون عبد الحميد ميتا فعلا». لكن دعوات العائلة، ومعها آمال المسؤولين الأمنيين الغربيين، لم تستجب. في الواقع، كان أباعود، الذي كان يبلغ 26 عامًا حينها، في طريقه للعودة إلى أوروبا للالتقاء سرًا بالمتطرفين الإسلاميين الذين يقاسمونه عزمه على نشر الفوضى. وكان مرتبطًا في ذلك الحين بسلسلة عمليات إرهابية بلغت ذروتها مع هجمات باريس، مساء يوم الجمعة الماضي. وأعلن أباعود، في فيديو تجنيدي لتنظيم داعش باللغة الفرنسية صدر قبل وفاته المفترضة بوقت قصير: «بالطبع، ليس من المفرح إراقة الدماء. لكن، من وقت لآخر، من السار رؤية دماء الكفار».
وخلال رحلاته للعودة إلى أوروبا في نهاية العام الماضي، اقتفت أجهزة الأمن الأوروبية أثره، وتتبعت مكالماته الهاتفية إلى أثينا، وفقا لمسؤول عسكري أوروبي متقاعد. لكنها فقدت أثره حينها، وبعدها بفترة وجيزة ظهر في بلجيكا، حيث ترعرع وسط عائلة ناجحة معتدلة من أصل مغربي.
وفي الوقت الذي بدأ فيه أباعود رحلة العودة إلى أوروبا، وجّه أبو محمد العدناني، القيادي في تنظيم داعش الذي تعرض الولايات المتحدة الآن مكافأة مقدارها خمسة ملايين دولار لمن يقتله، نداءً حماسيًا لقتل الكفار. وقال العدناني في رسالة مسجلة: «إذا كان بإمكانك قتل كافر أميركي أو أوروبي، خصوصا الفرنسي الحاقد والقذر، فلتتوكل على الله وتقتله بأي وسيلة وبأي شكل كان».
وتحاول وكالات الاستخبارات الغربية، القلقة بشأن تخطيط «داعش» لتوسيع مجازره من الشرق الأوسط إلى أوروبا، تعقب مقاتلي «داعش» القادمين من سوريا إلى القارة. وأوردت محطة تلفزيونية بلجيكية تقريرا، الاثنين الماضي، يفيد بأن أجهزة الأمن تلقت تنبيها بعودة أباعود إلى أوروبا من خلال مكالمة هاتفية أجراها من اليونان برفيق له موجود في بلجيكا.
وأدى إدراك مسؤولي الأمن لعودة أباعود إلى أوروبا إلى شن عملية كبيرة لاعتراضه. وقد داهمت السلطات منزلاً آمنًا في يناير (كانون الثاني) للمتشددين. وهناك، قُتِل اثنان من رفاقه، أحدهما الشخص الذي هاتفه. وهللت السلطات البلجيكية بالغارة على أنها أحبطت «عملية إرهابية كبيرة».
لكنها فشلت في الإطاحة بالهدف الرئيسي، الذي هو أباعود، الذي ذهب بطريقة ما إلى سوريا، التي يشير تنظيم داعش إليها بالاسم التاريخي «شام». وقال أباعود لاحقًا في مجلة «دابق» التابعة لـ«داعش»: «الله أعمى رؤيتهم، واستطعت المغادرة والقدوم إلى الشام، رغم مطاردتي من قبل كثير من وكالات الاستخبارات».
ومن غير المعروف ما إذا كان أباعود تواصل بشكل مباشر في سوريا مع العدناني، المدبر لما أطلق عليه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، جون برينان، الماضي الاثنين، اسم «جدول العمليات الخارجية لـ(داعش)». وباعتباره مقاتلا على مستوى منخفض، لم يكن من المرجح أن يكون أباعود اختلط بكبار الشخصيات في التسلسل الهرمي للتنظيم، بحسب خبراء في بلجيكا.
لكن الرجلين يتشاركان شغف الدعاية، حيث يعمل العدناني متحدثًا رسميًا باسم «داعش»، ويظهر أباعود في مختلف حملات التجنيد الخاصة بالتنظيم. ويمتلك أباعود رصيدًا لا يقدر بثمن لقادة «داعش» الراغبين في نقل معركتهم إلى أوروبا، يتمثّل في مجموعة من الأصدقاء والمعارف في أوروبا مستعدين لتنفيذ الهجمات.
ومثل الكثير من الجهاديين الذين نفذوا هجمات في أوروبا، بمن فيهم الأشقاء الذين هاجموا مقر مجلة «شارلي إبدو» الفرنسية الساخرة في يناير، أظهر أباعود اهتمامًا بالسرقة والمخدرات عندما كان شابا أكبر بكثير من اهتمامه بالإسلام، عكس المتشددين المتفانين الذين تفضلهم الجماعات المتطرّفة.
أما شقيقه عمر، فيمتلك متجر ملابس خارج ساحة السوق في حي مولينبيك ببروكسل، وتعيش عائلته في الجوار في شارع رو دو لافنير (شارع المستقبل)، بالقرب من مركز شرطة محلية.
وعلى الرغم من استنكاراته اللاحقة لسوء معاملة المسلمين في أوروبا، فإن أباعود تمتع بمزايا متاحة لعدد قليل فقط من أبناء المهاجرين، التي تشمل القبول في مدرسة كاثوليكية خاصة «كوليج سانت - بيير دي أوكل» في منطقة سكنية راقية ببروكسل. وكان أباعود طالبًا في الصف الأولى في مدرسة ثانوية، لكنه لم يبق فيها سوى عام واحد. وقالت مساعدة مدير مدرسة «سانت - بيير»، رفضت ذكر اسمها، إنه ترك الدراسة على ما يبدو، فيما قال آخرون إنه طُرِد من المدرسة لسوء سلوكه.
وبعدها، انضم أباعود إلى مجموعة من الأصدقاء في مولينبيك شاركوا في جرائم صغيرة متنوعة. وكان ضمن أصدقائه إبراهيم وصلاح عبد السلام، شقيقان كانا يقطنان على بُعد بضعة مبانٍ من مسكن أباعود، وهما الآن في مركز التحقيق في هجمات باريس. وكان إبراهيم عبد السلام أحد انتحاريي باريس، فيما يشكّل صلاح عبد السلام، الذي استأجر سيارة في بروكسل لنقل بعض المسلحين في هجمات باريس، الهدف من حملة المطاردة واسعة النطاق.
وكانت السلطات قد ألقت القبض على أباعود لارتكابه بعض الجرائم الصغيرة في عام 2010، وقضى وقتًا في السجن نفسه في بروكسل الذي احتجز فيه إبراهيم عبد السلام، وفقا لمتحدث باسم المدعي الاتحادي البلجيكي ومحامي إبراهيم السابق. ومن غير المعروف إذا ما كان الرجلان على اتصال ببعضهما وهما في السجن، لكنهما لم يبقيا هناك لفترة طويلة. وبعد الإفراج عنهما، عادا إلى مولينبيك، وكانا يتسكعان غالبا في حانة متواضعة معروفة بأنها مكان استراحة لتجار المخدرات.
وفي خبر لا يسر عائلته، التي لم تُظهِر أي حماسة دينية، انتقل أباعود فجأة إلى سوريا في مطلع عام 2014، بحسب خبراء في الحركات المتطرفة يتعقبون المتشددين البلجيكيين. وبعد فترة وجيزة من وصوله إلى سوريا، حيث أقام لفترة في فيلا ضخمة في حلب مستخدمة لإيواء المتطرفين الناطقين باللغة الفرنسية، أوضح أباعود اختياره في فيديو: «طوال حياتي، أرى تدفق دماء المسلمين. أدعو الله بأن يكسر ظهور هؤلاء الذين يعارضونه، وأن يبيدهم».
وفي وقت سابق من العام الحالي، عثرت مجلة «باريس ماتش» الفرنسية على فيلم يظهر أباعود وهو مبتسم ويقول النكات أثناء سحبه الجثث بشاحنة صغيرة. وقال أباعود لمجلة «دابق»: «فجأة رأيت صورتي في جميع وسائل الإعلام»، مشيرا إلى أن «الله أعمى الكفار بفضله»، ولم يروه عندما عاد إلى أوروبا في نهاية العام الماضي. كما أنه أقنع بطريقة ما شقيقه الأصغر يونس، الذي كان لا يزال في مولينبيك وكان عمره 13 عامًا فقط، بالانضمام إليه في سوريا. وغادر الصبي بلجيكا متوجها إلى سوريا بنفسه، دون إثارة أي شبهة من السلطات.
وانضم والد أباعود إلى قضية المدعي العام ضد ابنه في مايو (أيار) لتجنيده يونس. وذكر عمر أباعود لصحافيين محليين في ذلك الوقت: «لا أستطيع تحمل ذلك بعد الآن. فأنا الآن أخضع للعلاج»، مضيفا أن ابنه جلب العار للعائلة. وتابع: «لقد دمر عائلتنا. لا أريد أن أراه مجددا بعد الآن». ويعيش والد أباعود الآن في المغرب، ويريد عرض ممتلكاته في «شارع المستقبل» للبيع، بحسب صديق للعائلة.
ويُشتبه أن أباعود زعيم فرع لتنظيم داعش في سوريا يسمى «كتيبة البتار الليبية»، الذي تعود جذوره إلى ليبيا. وقال بيتر فان أوستاين، الخبير في شؤون المتشددين البلجيكيين، إن هذا الفرع بالتحديد اجتذب الكثير من المقاتلين البلجيكيين بسبب اللغة والروابط الثقافية. ويعود الكثير من المسلمين البلجيكيين إلى أصول مغربية، وفقا لأوستاين، ويتحدثون لهجة موجودة في شرق المغرب مشابهة للهجة الليبية. وذكر أيمن جواد التميمي، الذي يدرس الجماعات المتطرفة في منتدى الشرق الأوسط، وهو مركز بحثي في واشنطن، أنه لا توجد أدلة حتى الآن على أن هجمات باريس تمت بأمر العدناني أو زعيم تنظيم داعش ككل أبو بكر البغدادي. في المقابل، أوضح التميمي أن جنود الفرع الليبي الذي يضم أباعود لعبوا دورا بارزا في تصدير العنف. وتكمن إحدى مهامهم في حبك المؤامرات التي تتضمن «المقاتلين الأجانب، والخلايا النائمة في أوروبا التي كانت على اتصال بأحد العناصر النشطة في سوريا والعراق، يشغل عادة منصب في مستوى أقل من المتوسط».
* خدمة «نيويورك تايمز»



جدل حول حرية التعبير في بريطانيا بعد تحقيق الشرطة في تغريدة لصحافية

الصحافية أليسون بيرسون (وسائل إعلام بريطانية)
الصحافية أليسون بيرسون (وسائل إعلام بريطانية)
TT

جدل حول حرية التعبير في بريطانيا بعد تحقيق الشرطة في تغريدة لصحافية

الصحافية أليسون بيرسون (وسائل إعلام بريطانية)
الصحافية أليسون بيرسون (وسائل إعلام بريطانية)

طالبت زعيمة حزب المحافظين البريطاني، كيمي بادينوك، اليوم (السبت)، بمراجعة قانون حرية التعبير بعد جدل أثاره تحقيق للشرطة في منشور على صلة بالحرب في غزة، نشرته صحافية على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتحقق شرطة إسيكس في جنوب شرقي البلاد، مع الكاتبة في صحيفة «ديلي تلغراف»، أليسون بيرسون، بتهمة إثارة الكراهية العنصرية؛ بسبب منشور نشرته في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وزارت منزلها (الأحد) لدعوتها لإجراء مقابلة طوعية.

وقالت الكاتبة إن الشرطة لم تبلغها بمَن قدّم الشكوى أو المنشور الذي كان محور التحقيق.

لكن وسائل الإعلام البريطانية، بما في ذلك هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، ذكرت أن بيرسون أعادت نشر صورة لشرطيَين يقفان بجانب رجلَين يحملان راية «حركة الإنصاف» الباكستانية، خلال احتجاج.

وكتبت في منشورها: «انظروا إلى هذه المجموعة المبتسمة مع كارهي اليهود». لكن منصة «إكس» أضافت إشعاراً ينص على أن العلم لحزب سياسي باكستاني، وأن الاحتجاج «لا علاقة له بفلسطين»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وحذفت بيرسون المنشور لاحقاً، وقالت إن الشرطة تتعامل مع ذلك على أنه حادث غير إجرامي على صلة بالكراهية.

لكن الشرطة قالت إنها تجري تحقيقاً جنائياً في «التلفظ بكلمات كانت تهدف إلى إذكاء الكراهية العنصرية».

وأثارت هذه القضية ضجة، وأبدى كبار السياسيين والمحامين وحتى مالك شركة «إكس»، إيلون ماسك، رأيهم. وكتب ماسك على موقع «إكس»: «يجب أن يتوقف هذا».

وأكدت بادينوك لصحيفة «تلغراف» اليمينية: «نحن أمام مشكلة طويلة الأمد مع عدم أخذ حرية التعبير على محمل الجد»، مضيفة: «نحن بحاجة إلى النظر في القوانين».