العُلا.. عاصمة الآثار والنقوش منذ عهد النبي صالح

تضم «الحِجْر» والطنطورة وجبل الورد

جبال شرعان الشاهقة أشكال فريدة ومميزة وذات أشجار دائمة الخضرة  -  لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو أعلنت عن إدراج منطقة الحجر «مدائن صالح» كموقع أثري عالمي
جبال شرعان الشاهقة أشكال فريدة ومميزة وذات أشجار دائمة الخضرة - لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو أعلنت عن إدراج منطقة الحجر «مدائن صالح» كموقع أثري عالمي
TT

العُلا.. عاصمة الآثار والنقوش منذ عهد النبي صالح

جبال شرعان الشاهقة أشكال فريدة ومميزة وذات أشجار دائمة الخضرة  -  لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو أعلنت عن إدراج منطقة الحجر «مدائن صالح» كموقع أثري عالمي
جبال شرعان الشاهقة أشكال فريدة ومميزة وذات أشجار دائمة الخضرة - لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو أعلنت عن إدراج منطقة الحجر «مدائن صالح» كموقع أثري عالمي

للمعالم خصوصية، وللجمال مقومات، وللإبداع قصة نطالع تفاصيلها من بوابة عاصمة الآثار وعروس الجبال، محافظة العلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة، التي من جمال طبيعتها وخصوبة أرضها وطيبة وكرم أهلها وحبهم لهذه الأرض تأتي البداية. فمن حجارتها صنعوا حجر الرحى والمسن والمهراس، ومن بقايا نخلها حاكوا المكتل والقفة والمجلاد والمهفة، مفكرة الروعة والجمال لهذه المحافظة الحالمة دلف بها للدخول من بوابة التراث العالمي.
وأوضح الدكتور تنيضب الفايدي، الباحث والمهتم بتاريخ منطقة المدينة المنورة لـ«الشرق الأوسط»، أن العلا سميت قديمًا وادي القرى، وديدان، وتاريخها يعود إلى ما قبل الميلاد بآلاف السنين، مرت بحضارات عدة، ويروى أن سبب تسمية العلا نسبة إلى عينين مشهورتين بالماء العذب، عرفت بهما هما «المعلق وتدعل».
ويحيط بمدينة العلا جبلان كبيران، وبينهما وادٍ خصب التربة، يزرع فيه النخيل والفواكه. وبيّن الدكتور الفايدي، أن العلا الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من السعودية بين المدينة المنورة وتبوك، تبعد عن المدينة المنورة نحو 450 كيلومترًا، وهي من أكبر وأهم المناطق الحضارية القديمة، كونها تقع على الطريق الرئيسي للتجارة لشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر والعراق.
وتبلغ مساحة محافظة العلا 29.261 كيلومتر مربع، ويتبع لمحافظة العلا 14 مركزًا هي «الهجر الثلاث، وأبو راكة، ومغيرا، والحجر، والسليلة، والأبرق، وفضلا، والعذيب، وشلال، والبريكة، والنشيفة، والفارعة، والنجيل، والورد التي مر بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في السنة السابعة للهجرة في غزوة تبوك، وهي بلد موسى بن نصير الذي أنشأ فيها قلعته الشهيرة».
ويبرز الدكتور الفايدي من خلال مؤلفه الموسوم بالعلا وطبقات التاريخ أنها عرفت عند الباحثين بعاصمة الآثار وبلد الحضارات، وسماها أهلها «عروس الجبال»، وعلى مقربة منها تقع مدائن صالح أو قرى صالح أو الحجر، وهي تسميات تطلق على مكان قوم ثمود والأنباط، حيث مقابرهم المنحوتة في الجبال التي تعرف عند أهل المنطقة بالقصور لروعة النحت وجماله.
وأضاف أن العلا كانت على مر الزمان طريقًا للقوافل، وكذلك طريق سكة قطار الحجاز، معتبرا أن الموروث الحضاري الذي تحتضنه بمثابة ميدان فسيح للسياحة والأبحاث لطلاب العلم من المهتمين بهذا الجانب، لما تزخر به من موجودات ومعالم مكانية.
وتشتهر العلا بالزراعة نظرا لخصوبة أرضها ووفرة مياهها، وكانت تجري في العلا عيون عدة، بلغت أكثر من أربعين عينًا، منها (العادلية، وفتح الخير، والزهرة، وسهلة، والعلوية، والسعة، والعطية، والجادة، وغيرها). وامتهن أهل العلا حرفة زراعة النخيل، وتعد «الحلوة والبرنية» من أهم أنواع التمور، كما اشتهرت بزراعة الحمضيات، ومنها البرتقال، والليمون الحلو والحامض، واليوسفي، بالإضافة إلى الرمان، والعنب، والمانجو.
واشتهر أهل العلا في الماضي بالصناعات اليدوية المشتقة من النخلة، فصنعوا منها المكتل والقفة والنفية والمجلاد والخصفة والمهفة، بالإضافة إلى الصناعات الخشبية وصناعة الجلود والصناعات الحجرية، والرحى والمسن والمهراس.
ويمتاز موقع المحافظة بتباين عناصره الطبيعية، مما يعد من أهم عوامل التنوع في الأنشطة الاقتصادية، حيث توجد الموارد الزراعية بالعلا ومغيرا والجديدة، بينما المناطق السياحية الواعدة توجد في جبل شرعان، أما الثروات المعدنية فتظهر في حرة عويرض وجنوب مغيرا، وثروة الآثار بالبريكة والحجر وفضلا والخشيبة والقليعة، كما تتمتع المحافظة بغطاء نباتي وحيواني وبري، وتوجد مواقع مثل جبل دخان وجبل نهر وحرة عويرض، يمكن الاستفادة منها في السياحة البيئية.
ويعد الحجر «مدائن صالح» من أهم معالم العلا السياحية وأكثرها زيارة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم كحاضرة ثمود قوم نبي الله صالح، عليه السلام، وسكنها فيما بعد الأنباط، وازدهرت كثيرا في عهدهم، وتبعد عن العلا نحو 20 كيلومترا تقريبًا ناحية الشمال، وتتميز بالواجهات المعمارية المنحوتة بالصخور ذات الأنماط المعمارية المميزة بأشكالها الهندسية الجميلة التي تسمى محليا القصور، بالإضافة إلى منطقة الخريبة التي تقع شرق العلا، وبها الكثير من الآثار والنقوش وحوض حجري يسمى محليًا «محلب الناقة»، +++بينما هو في حقيقته معبد نبطي قديم».
وكذلك جبل عكمة ويضم عددًا كبيرًا جدًا من النقوش والرسوم الصخرية لحضارات متعددة، فضلا عن منطقة الديرة أو البلدة القديمة التي تعود إلى القرن السابع والثامن الهجري، بها منازل مبنية بالطين والأحجار، ويوجد بها قلعة موسى بن نصير التاريخية، ومسجد العظام، بالإضافة إلى الطنطورة أو «الساعة الشمسية»، وهي بناء حجري هرمي يتميز بالدقة الهندسية، يستخدم كمزولة شمسية لمعرفة الفصول ودخول مربعانية الشتاء، كما تستخدم في توزيع مياه العيون على المزارعين، وكذلك المابيات وهي آثار مدينة إسلامية تعود للعهد العباسي وتقع جنوب العلا.
بالإضافة إلى محطة سكة حديد قطار الحجاز، ومتنزهات مداخيل البرية ذات الطبيعة الخلابة، ومنخفض الهوية الجبلي السحيق الذي يقع على بعد 65 كيلومترا شرقًا من العلا، ويعد جبل الورد من أعلى الجبال في شمال غرب السعودية، خاصة عندما تغطي سفوحه الثلوج شتاءً، كما يقع بأعلى حرة عويرض متنزه الملك عبد العزيز المطل على مدينة العلا ونبع القطارة المائي المتدفق على مدار السنة في الجبال التي تقع جنوب شرق مدينة العلا، ويتميز بالتكوينات الجبلية البديعة.
وتجسد جبال شرعان الشاهقة أشكالاً فريدة ومميزة وذات أشجار دائمة الخضرة، وفي الجانب السياحي بمحافظة العلا دُشن الكثير من المشروعات السياحية، منها فندق أراك العلا، وفندق منتجع مدائن صالح، إضافة إلى منتجع صحاري، بالإضافة إلى بعض الشقق والاستراحات التي تستقبل زوار المحافظة بقصد السياحة وزيارة الآثار والمعالم التاريخية بها.
يذكر أن لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو أعلنت عن إدراج منطقة الحجر «مدائن صالح» كموقع أثري عالمي، وتسعى الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني إلى تطوير المعالم التراثية والسياحية بالعلا ومنها البلدة القديمة، وتفعيلها اقتصاديًا، وجعلها مناطق إنتاج للفرص الوظيفية ولاقتصادات السياحة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».