بيروت تشهد أول عرض أزياء للمصمم الراحل باسيل سودا

تميزت مجموعته بالألوان الزاهية وغاب عنها الأسود.. كما أوصى

فستان من مجموعة الـ«هوت كوتور» التي غلب فيها الأخضر  -  فستان الزفاف نجم عرض الأزياء الذي أقيم في مشغل المصمم الراحل باسيل سودا («الشرق الأوسط»)
فستان من مجموعة الـ«هوت كوتور» التي غلب فيها الأخضر - فستان الزفاف نجم عرض الأزياء الذي أقيم في مشغل المصمم الراحل باسيل سودا («الشرق الأوسط»)
TT

بيروت تشهد أول عرض أزياء للمصمم الراحل باسيل سودا

فستان من مجموعة الـ«هوت كوتور» التي غلب فيها الأخضر  -  فستان الزفاف نجم عرض الأزياء الذي أقيم في مشغل المصمم الراحل باسيل سودا («الشرق الأوسط»)
فستان من مجموعة الـ«هوت كوتور» التي غلب فيها الأخضر - فستان الزفاف نجم عرض الأزياء الذي أقيم في مشغل المصمم الراحل باسيل سودا («الشرق الأوسط»)

حلّق طيف المصمم اللبناني الراحل باسيل سودا في سماء بيروت التي شهدت أول عرض أزياء له بعد رحيله. فقد أطلقت مجموعة تصاميمه الجديدة لخريف وشتاء 2016، في المبنى الذي يضمّ مشغله ومعرضه الدائمين في منطقة سن الفيل، تماما كما كان يرغب. وتضمن العرض نحو 50 قطعة الـ«هوت كوتور». تمسّك باسيل سودا الغائب الحاضر في هذا العرض، بلعبة الألوان والقصّات البسيطة ذات الخطوط الرياضية للمرأة العملية. فغلبت الألوان الفاتحة على المجموعة، بحيث برز فيها الأبيض والأزرق والزهري والبرتقالي، وغاب عنها الأسود تماما كما أوصى قبل رحيله، إذ أصر أن يقدّم في هذا العرض الذي كان يعلم مسبقا أنه لن يكون حاضرا فيه ألوانا تبعث على الحياة بعيدا عن الموت.
«هو أراد أن تبدو مجموعته بأبهى حلّة، زاهية فيها الكثير من الأمل، تسكنها روحه المرحة، ولذلك ابتعد عن الأسود الذي استبدله بألوان قوس قزح». هكذا تصف زوجته دينيز آخر مجموعة تصاميم قام بها باسيل سودا قبل رحيله، فيما أخذ مساعداه تشارلي وكارين على عاتقهما، تصميم باقي الفساتين من مجموعته التي تنتمي لخانة الـ«هوت كوتور».
الدانتيل وأحجار السواروفسكي والتطريز، إضافة إلى قصّات بارزة على الأكمام والتنانير والصدر، استخدمها المصمم الراحل كعنوان لمجموعته هذه التي تليق بالأنثى العملية والرومانسية معا.
أما ابنه جاد الذي حرص طيلة مدة عرض الأزياء أن يتواجد بين الحضور ويردّ على أسئلتهم، فقد أكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن والده لطالما كان يريد الأفضل فلم يكن يرضى بسهولة، ولا يتعب من إعادة التصميم أكثر من مرة إذا لم يعجبه. وقال: «أشعر أنه موجود بيننا فهو عاملنا كأفراد من فريق عمله، واستشارنا وعرض علينا أفكاره. ولو كان اليوم موجودا لكان بالتأكيد فرحا ومستمتعا بما يشاهده لأن المشهد عامة يلبّي رغباته بأكملها».
التأثّر كان باديا على الجميع فكل من كان يدخل صالة العرض، كان يجول بناظره لاشعوريا في أرجائها وكأنه يبحث عن المصمم الراحل. «إننا نشعر به بيننا فالأهم أن طيفه معنا هنا، وأنا شخصيا أشعر وكأنني برفقته»، تعلّق زوجته دينيز التي لم تفارقها الابتسامة طيلة مدة عرض الأزياء الذي استمر لنحو ثلاث ساعات متتالية.
عمد باسيل سودا إلى استخدام الأقمشة الهدلة والناعمة في مجموعته هذه، والتي تضفي على التصميم الكثير من الحلم والسوريالية. فمن أقمشة الساتان والغران والكريب والكريب جورجيت تألّفت مجموعته، التي استوحى قصّاتها من الأناقة المحدّثة بقصّات على العنق والصدر والخصر والأكمام، والتي تشبه إلى حدّ بعيد الثياب الرياضية. وجاء بعضها بتنورة طويلة منسدلة ببساطة على طول الجسم، فيما اتخذت غيرها قصّات استذكرها من موضة السبعينات والثمانينات. وبينها تلك المنفوخة، أو المطّعمة بالريش والأحجار الكريمة من كريستال وغيرها.
وبرز الزمردي كلون غلب على مجموعته من فساتين السهرة (هوت كوتور)، والتي كما شرح لنا مساعده تشارلي لها دلالة أولى على الحياة التي كانت تعني للمصمم الراحل الكثير. ويقول تشارلي في هذا الصدد: «حرصت أن أنفذ تصاميم الـ(هوت كوتور) من فساتين طويلة وأخرى قصيرة بعين باسيل سودا الحالمة من ناحية وعيني الواقعية المتشبّثة بالأرض ذات الهيكلية الحديثة من ناحية ثانية». ويتابع: «نعم لقد وقّع باسيل سودا هذه الفساتين قبيل رحيله بأشهر قليلة، وعندما وقفت لأكمل ما بدأه في مجموعة الـ(هوت كوتور)، قررت أن أركز على هندسة الفستان هو الذي كان لديه شغف كبير بهذا العلم، فصمم وهندس المبنى الذي نحتفل فيه اليوم. لقد استخدمت القصّة الديكولتيه المحافظة، وعدت إلى موضة أكمام الـ(ريغلان) والـ(كورسيه) التي راجت أيام الملكة فيكتوريا، وتخيّلت بعين باسيل سودا المرأة الرياضية وتركت العنان لقصّات واسعة من الخلف تذكّرنا بقصّات قميص السبور من دون أكمام التي بدت أنيقة بعد تطعيمها بالتول والدانتيل».
وتسنّى للزوّار خلال العرض مشاهدة فيلم تصويري ومدته دقيقتان، يحكي عن الراحل باسيل سودا بلغة تصاميمه. وقد تضمن بعض العبارات الخاصة بالمصمم الراحل بصوت معلّق تحدّث بالإنجليزية. وأبرز ما جاء فيها كلمته الشهيرة التي كان يكررها أمام المقرّبين منه والتي يقول فيها: «هذه هي طريقتي وهذا كلّ ما أعرفه!» ويقول منفّذ الفيلم محمد عابدين الذي عمل مع المصمم الراحل لنحو السنة، بأن هذا العمل كان بمثابة تحدّ كبير له، فباسيل سودا شخص لا يمكن تلخيص حياته بكلمات قليلة، إلا أنه في النهاية فكّر في شخصيته وبالخطوط العريضة التي كانت تتسّم بها فجاء الفيلم يشبهه قلبا وقالبا.
«التشارلستون» والقصّة المتدرّجة، والخصر المعدني والتنورة الرياضية المخرّمة، إضافة إلى صور خيالية استوحيت من سلبيات الصور الفوتوغرافية (negatives) ولباس الغوص وكورسي الملكات، عنونت مجموعة باسيل سودا لخريف وشتاء 2016. فتركت لدى مشاهدها انطباعا اتسّم بالغرابة والخروج عن المألوف.
أما نجم هذا العرض الذي حضره حشد من أهل الإعلام والفن، فكان فستان الزفاف الذي أراده باسيل سودا مسك الختام لمشواره المهني بأسلوبه الخاص. فبرز فيه التطريز الأنيق والقصّة المثالية على خصر يبرز جماليته، إضافة إلى خلفية تحمل «بابيون» ضخمة استخدم فيها المصمم الراحل أدوات هندسية (من البلاستيك)، ليعطيها حجما وشكلا متناسقين، يكشفان عن نظرة رائدة لباسيل سودا عما قد تحمله الألفية الثالثة.
غاب باسيل سودا في شهر مارس (آذار) الماضي، إلا أن كلّ شيء يدلّ وكأنه ما زال حاضرا بيننا. ولعلّ هذا الحدث الذي شهدته بيروت، يعدّ فريدا من نوعه، كونها المرة الأولى التي يتم فيها إكمال مشوار مصمم أزياء راحل. ويعود ذلك لإصرار زوجته دينيز وتمسّك ابنه جاد بأحلام باسيل سودا التي لم يستطع أن يحققها جميعها بعد أن فاجأه الموت بعمر مبكر (47 عاما). وتقول زوجته: «سأكمل مشوار باسيل سودا ما دمت قادرة على ذلك، وأتمنى أن أكون عند حسن توقعاته وآماله».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».