جوهرة الفن الإسلامي في الهند «تاج محل» يواجه خطر التلف والانهيار

أرقى مثال للعمارة المغولية.. يجمع بين الطراز الفارسي والعثماني والهندي

بنى شاه جاهان تاج محل كضريح لزوجته المفضلة ممتاز محل التي توفيت أثناء وضعها مولودا
بنى شاه جاهان تاج محل كضريح لزوجته المفضلة ممتاز محل التي توفيت أثناء وضعها مولودا
TT

جوهرة الفن الإسلامي في الهند «تاج محل» يواجه خطر التلف والانهيار

بنى شاه جاهان تاج محل كضريح لزوجته المفضلة ممتاز محل التي توفيت أثناء وضعها مولودا
بنى شاه جاهان تاج محل كضريح لزوجته المفضلة ممتاز محل التي توفيت أثناء وضعها مولودا

يعد تاج محل أكثر معالم القرن السابع عشر الرومانسية شهرة وتمتعا بالاحتفاء. وهو أحد التحف المعمارية للتراث العالمي التي تنال إعجابا عالميا، ومصنف ضمن المواقع التراثية العالمية بواسطة الأمم المتحدة. لكن تلك المعلمة الرخامية البيضاء تذبل، فتاج محل الآن ملطخ بالبقع الصفراء ومبقع وباهت، والحجر الرملي الأحمر ينسلخ ببطء في طبقات.
ويعد الكثيرون تاج محل أرقى مثال على العمارة المغولية، ففيه أسلوب يجمع بين عناصر من طراز العمارة الإسلامية والفارسية والعثمانية والتركية والهندية. وكشفت دراسة حديثة، قامت بها وزارة البيئة الهندية، عن أن مستويات التلوث في مدينة أقرا التي كانت عاصمة المغول في الهند حيث تاج محل، قد ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
وقد أكدت تلك المعلومات مجموعة تجارية من ولاية تاميل نادو زعمت وجود غاز طبيعي قليل التكلفة في منطقة تاج ترابيزيوم التي يقع فيها تاج محل (في مساحة تبلغ 10.400 كلم مربع)، كما انتشرت عدة صناعات هناك تهدد تاج محل.
واشتكي ج. تاميل سيلفان، رئيس رابطة الألعاب النارية بالهند، لوزير النفط الهندي م. فيرابا الذي كان وزيرا للبيئة قبلها، لائما وزارة النفط على «التزويد غير المنظم بالغاز الطبيعي الرخيص» للوحدات الصناعية التي تعمل حول المعلمة الرخامية. وفي عام 1996، حكمت المحكمة الهندية العليا بغلق أو تحويل آلاف المسابك الحديدية التي تنفث الدخان وأفران الطوب ووحدات صنع الزجاج قرب تاج محل، ومنعت استخدام الفحم والفحم الحجري في الصناعات التي تقع في المنطقة مع أمر بالتحول إلى الغاز الطبيعي.
وارتفعت أصوات عالمية بسبب التلف الذي لحق بتاج محل. وقال الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عند زيارته تاج محل عام 2000: «فعل التلوث ما لم تفعله 350 سنة من الحروب والغزوات والكوارث الطبيعية، وبدأ بإفساد الجدران الرائعة لتاج محل». وفرضت الحكومة الهندية معدلات متشددة للانبعاث الحراري في المنطقة حول تاج محل وقيدت حركة المرور في نطاق ميل حول الضريح، حيث يسمح للسيارات الكهربائية وعربات الريكاشة فقط بالمرور، وهناك لوحات مضيئة تقيس مستوى التلوث في الجو.
ووثق المعماري والمؤرخ كروبالي كروشي الذي أجرى بحثا معماريا رقميا على تاج محل، أن تاج محل في خطر حقيقي وقوي من نهر يامونا الجاف والملوث. فخلال العقد الماضي، أخذ النهر المعمر يجف تماما خلال أشهر الصيف، ويمتلئ بمياه المجاري والنفايات، مما يعيث فسادا بأساس تاج محل. وعبر البروفسور رام ناث، وهو مؤلف 60 كتابا عن تاج محل، في أحدث كتبه عن عمارة وتاريخ تاج محل، عن قلقه العميق حول تدني مستويات المياه لنهر يامونا. ويقول ناث: «النهر من مكونات تصميم تاج محل، وإن مات النهر فلن يعيش تاج محل. وتتدنى مستويات المياه في نهر يامونا بمعدل خمس أقدام في العام، مما يؤثر بصورة كارثية في أساسات المعلمة التاريخية المصنوعة من الخشب التي تحتاج إلى الماء لتظل رطبة».
في عهد المغول، استخدم الخشب لوضع الأساسات القوية. وبني تاج محل على رابية مرتفعة على تلة تقع تحتها آبار. ولم يكن الإمبراطور المغولي شاه جاهان والمعماريون الذين بنوا تاج محل ليتوقعوا جفاف نهر يامونا. وبنى شاه جاهان تاج محل كضريح لزوجته المفضلة ممتاز محل التي توفيت أثناء وضعها مولودا، وهو أشهر معالم الهند السياحية، حيث يزوره ثمانية ملايين زائر سنويا. ويقول الآثاري إن كي باثاك من الدراسات الآثارية للهند «لوحظت الشقوق في الأساسات، لكن جرى إصلاح تلك الشقوق ونقوم بفحص منتظم لأي شقوق في الأساسات». الدراسات الآثارية للهند هي الجهة المشرفة على جميع المباني التاريخية في الهند، وقد ركزت انتباهها على الحفاظ على تاج محل ذائع الصيت. ووضعت موازنة خاصة لعام 2014 للحفاظ على تاج محل. وقال منذر علي، رئيس المشرفين على تاج محل، إنه بدأ العمل في ثلاثة مشاريع مختلفة للحفاظ على المعلمة التاريخية التي يبلغ عمرها 366 سنة.
وظهرت الشقوق على المدخل الملكي الذي يبلغ طوله 200 قدم والبوابة التي تربط بين الجزء الخارجي والضريح وأصيبت بعض الأقسام بالبلى الذي يهدد بالانهيار. وجرى صنع سقف جديد ضمن مشروع الحفاظ على تاج محل. وتجرى عمليات الصيانة على غرفة الضيوف (مهمان خانة) في الناحية الشرقية أيضا.
ويقول منذر علي إن المادة المستخدمة في الصيانة هي المادة ذاتها التي استخدمت في بناء تاج محل وهي الحجر الجيري وليس الإسمنت. ولأن استخدام الماكينات والآلات الحديثة في الحد الأدنى فإن العمل يستغرق وقتا طويلا.
وستجرى لتاج محل عملية قناع تجميلي من الطين المعروف بمولتاني ميتي والمكتشف منذ القرن السادس عشر. ولا يزال هذا الطين الموجود بعين الأكبري شمال الهند يستخدم منذ أيام المغول كقناع لتجميل الوجوه والعلاج ويخلط مع الحبوب والحليب والجير.
وكان الطين البني يستخدم على القبور المغولية في القرن السابع عشر لإزالة اللون الأصفر من الجدران التي تغسل بالماء المقطر. وأثبت فريق من العلماء من معهد في روما مختص بدراسة الحفاظ على المباني نجاعة الوصفة في عملية الترميم. وسافر الفريق إلى أقرا ليرى عملية الخلطة ونسخها لمعالجة التماثيل الرخامية التي اسودت في روما وفلورنسا. وأجريت عمليات صيانة مماثلة لتاج محل في أعوام 2002 و2008 و2011. وخططت المعلمة رقميا بواسطة كاميرا تريكر تابعة لـ«غوغل» استخدمت لتخطيط الأخدود العظيم (غراند كانيون) بالغ العمق والاتساع في ولاية أريزونا الأميركية وبرج خليفة في دبي أعلى ناطحة سحاب في العالم. وصرح سورين روهيلا، المدير الجيولوجي لـ«غوغل» الهند، لـ«بي بي سي»، قائلا: «ننشئ سجلا رقميا لهذه المعالم وستعيش هذه السجلات للأبد». وسيسمح بدخول الكاميرا إلى مناطق لا يسمح بدخول الزوار إليها. وأكد منذر عمل الدراسات الآثارية للهند مع «غوغل» لتخطيط تاج محل قائلا: «سيسمح بدخول الكاميرا إلى داخل الغرف المغلقة وجميع الموقع والقبر في البدروم، وبذلك سيرى الناس أخيرا تاج محل كما لم يروه من قبل».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».