الاشتراك المصري في دورة مهرجان القاهرة السابعة والثلاثين، المنعقدة حتى الحادي والعشرين من الشهر الحالي، تبلور عن فيلمين في المسابقة الرسمية وحفنة من الأفلام المشتركة في مسابقات مساندة وتظاهرات أخرى، من بينها فيلم واحد في مسابقة «أسبوع النقاد»، وفيلم في تظاهرة «عروض خاصّة».
فيلما المسابقة متباينان. تم يوم أول من أمس عرض أحدهما وهو «الليلة الكبيرة» لسامح عبد العزيز، الذي قال في تصريح له إنه أراد منه النظر إلى ما يحدث في الموالد الشعبية والتعامل مع شخصياتها عن كثب.
الفيلم الثاني هو «من ظهر راجل» لكريم السبكي، حول ذلك الشاب الذي يهوى الملاكمة ويكاد يشق فيها طريق نجاح لولا أن لوالده عليه تأثيرا كبيرا نتج عنه، كما تنص الحبكة المنشورة، قلب حياته رأسا على عقب.
«الليلة الكبيرة» معالجة قريبة من الشخصيات بالفعل.. ربما أكثر من اللزوم.
دراما عن حياة عدد من الأشخاص، رجال ونساء، يتمحورون حول عيد صوفي في يوم حدث واحد. ويدلف المخرج سريعا لاستعراض هذه الشخصيات ويتماوج بينها بسهولة وفاعلية. لكن الفيلم أثقل مما يجب. الشخصيات نافرة. الخطوط الموضوعة تحت كل جانب منها تزيد عن المطلوب. الفيلم يريد أن يبدو كبيرا ومدهما وهو بالفعل كذلك.. أحيانا بسبب تلك الكاميرا المرتفعة التي تلاحق الحياة الحاضرة بما يشي بالهيمنة عليها كما لو كانت جاثمة على شخصياتها، وأحيانا لمجرد أن الممثلين ينفعلون أكثر بكثير مما يجب. هنا، وفي ثلاثة أرباع الساعة الأولى على الأقل، يقتحم كل ممثل بعتاده من الانفعالات مستخدما الصوت والحركة بلا منهج فني فعلي. ذلك التمثيل الانفعالي يشبه الأداءات المسرحية الكلاسيكية أو أداءات تلك الفترة من تاريخ السينما عندما كان الممثل الصامت عليه أن يؤكد ما يقصده بالإشارة والحركة. خلال تلك الفترة يتم تقديم لا معتوه واحد بل أربعة. آخرهم واحد يقفز في شعائره على نحو مجنون ثم يلقي بنفسه على الأرض وهو يردد: «مداااااااد.. مدد».
* خان إلى دبي
الملاحظ أن شركة السبكي للإنتاج الفني تقف وراء الفيلمين المشتركين في المسابقة الرسمية. وهذا قد يوحي بأن المهرجان اضطر إلى ذلك، فعلاقة مهرجان القاهرة بالسينما المصرية ذاتها لم تكن يوما (في السنوات العشر الأخيرة على الأقل) مريحة. ذلك أن المنتجين والمخرجين يفضلون التوجه بأفلامهم إلى مهرجانات الخارج. في البداية بلور مهرجان دبي نفسه كمحطة أولى للسينما العربية فاستجاب له صانعو السينما المصريون كما سواهم من العالم العربي سريعا. ثم ازداد هذا التوجه مع نشوء مهرجاني أبوظبي والدوحة. لكن حتى من بعد توقف هذين المهرجانين فإن المخرج والمنتج المصريين يفضلان الذهاب إلى دبي (أو ربما «برلين» و«كان» إذا ما استطاعا) على عرض الفيلم في المهرجان المصري.
المخرج محمد خان، الذي يرأس لجنة تحكيم «أسبوع النقاد» في هذه الدورة لديه فيلم جديد سيتوجه به إلى دبي. العذر الذي يستند إليه في ذلك هو أن الفيلم ما زال في مرحلة ما بعد التصوير وسيصير جاهزا لكي يطير مباشرة إلى المهرجان الإماراتي الذي ينطلق مطلع الأسبوع الثاني من الشهر المقبل.
الفيلم عنوانه «قبل زحمة الصيف»، وما استطاع هذا الناقد مشاهدته منه هو «تريلر» من الجودة بحيث دفع بالسؤال مباشرة إلى المخرج: «يبدو أنه مختلف تماما عن أفلامك السابقة.. هل هذا شعور صحيح؟».
أجاب: «الفيلم مختلف كثيرا عن أفلامي السابقة. يخرج من حكايات المدينة إلى الساحل. يصور السماء والبحر وفيه مشاهد ساخنة أكثر قليلا من المعتاد».
في تلك المسابقة التي يرأسها المخرج خان، الفيلم المصري الثالث وهو «توك توك». فيلم تسجيلي عن المركبة الشبيهة بالدراجات النارية المستخدمة من قبل أولاد دون الخامسة عشرة لنقل الركاب.
أما الفيلم المصري المعروض في تظاهرة «عروض خاصة» فهو «هدية من الماضي»، الفيلم الطويل الأول لمخرجته الشابة كوثر يونس وموضوعه حميمي الوقع يدور حول طالبة في معهد السينما (ذلك الذي تخرجت المخرجة فيه) تهدي والدها المحتفل بعيد ميلاده الخامس والسبعين تذكرة إلى روما لكي يبحث عن حبه السابق: امرأة تعرّف إليها في فترة شبابه، لعله يستعيد بعض هذا الشباب الزائل.
* أفلام غربية
في المسابقة الرسمية التقطنا بضعة أفلام مجدية نجح المهرجان في استحواذها من بينها فيلم آيسلندي - دنمارك بعنوان «جبل عذري» (أو «فوسي» كما تمت تسميته بالعربية نسبة لاسم بطله).
يتناول «جبل عذري» حياة رجل في الثانية والأربعين من العمر لم يقدم بعد على تجربة جنسية. يختار المخرج دوغار كاري رجلا بدينا وطويل القامة من ذلك الصنف الذي يسميه البعض «الدب الدافئ» أو «الأخ الكبير». يكتب المخرج شخصية تُحب تلقائيا ويجسدها ممثل لا يخون المهمّة الملقاة على عاتقه، فيؤدي الدور جيدا هو غونار يوهانسون.
نراه يعمل على أرض المطار ويتحمل سخرية رفاقه في العمل بسبب وزنه وخجله. إنه من النوع الذي قد يساء فهمه فيعتقد أنه يشكل خطرا على المجتمع بينما يحمل بين ضلوعه قلبا أبيض جميلا. هذا يستمر إلى أن يلتقي بامرأة تتقرب إليه. يدرك أنها فرصته اليتيمة، في مثل هذه السن، لكي يلج عالما محروما منه (يوضح الفيلم الوازع الديني والخجل المبكر كسببين رئيسين). لكن المرأة في النهاية ليست ملاكا ولديها مشاكل توازي بحجمها وتأثيرها مشكلة فوسي.
لا يخون المخرج موضوع الفيلم وشخصياته بنهاية مفبركة، بل يلتزم بخط رقيق يزداد حزنا كلما اقترب الفيلم من النهاية.
فرنسيًا، فإن فيلم «ديبان» (انتزع جائزة مهرجان «كان» الأولى) يعرض في البرنامج الموازي «عروض خاصّة») ويتناول ثلاث شخصيات سريلانكية (رجل، امرأة، طفلة) تم جمعها من دون سابق صلة لتكون بمثابة عائلة واحدة ومنحها جوازات سفر مزوّرة لكي تنتقل بها إلى فرنسا. الجزء الأول من فيلم جاك أوديار يدور في سريلانكا حيث حارب ديبان (أنتونيساثان جيسوثان) مع ثوار التاميل ويجد الآن الطريق مسدودا أمامه بعد الهزائم الأخيرة وفقدانه زوجته وابنه. بوصول العائلة إلى باريس يتسلم ديبان عملا كمشرف على نظافة مبنى سكني من تلك المباني المخصصة للمهاجرين، بينما تعمل الزوجة المزيّفة ياليني (كالياسواري سيرنيفاسان) كمنظّفة ترعى شؤون رجل شرس له ماض في الجريمة ولديه الآن ولد شاب اسمه إبراهيم يدير إحدى عصابات المخدرات التي تقطن ذلك المشروع السكني.
يتعامل الفيلم مع هذا الوضع جيدا طارحا عدة مواضيع تخدم الحبكة المستندة إلى حياة بطل الفيلم نفسه، ولو جزئيا. من بين تلك المواضيع الهجرة بحد ذاتها تبعا للحروب الأهلية المستعرة والوصول إلى بلد آمن ليكتشف المهاجرون أن الحياة في القاع والتعايش مع الوضع المدقع ليست سوى حرب خفية وطويلة الأمد بدورها. ما يُثير الاهتمام هو الفكرة الكامنة حول جمع ثلاثة أفراد عليها أن تتصرّف كما لو كانت عائلة واحدة وما ينتج عن هذه الفكرة من مفارقات. في حين أن الفتاة الصغيرة لا تفهم الكثير مما يدور حولها وتتذمر من إدخالها مدرسة تزيد من شعورها بالاختلاف، هناك المرأة التي لا تحب هذا الزوج المفبرك ولا تلك الفتاة التي تبنتها ولا الحياة التي وجدت نفسها فيها.
توجه الأفلام المصرية لمهرجانات الخارج يؤثر سلبًا.. وأفلام متميزة في المسابقة الرسمية
«الشرق الأوسط» في مهرجان القاهرة السينمائي (3)
خلال تصوير «الليلة الكبيرة»
توجه الأفلام المصرية لمهرجانات الخارج يؤثر سلبًا.. وأفلام متميزة في المسابقة الرسمية
خلال تصوير «الليلة الكبيرة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

