إيلي صعب.. فخامة الفرو والمخمل في أسبوع باريس للأزياء

بين تأثير الفنان مارك روثكو ووصفته الدائمة

إختار إيلي صعب «الفخامة الداكنة» عنوانا لتشكيلته الأخيرة
إختار إيلي صعب «الفخامة الداكنة» عنوانا لتشكيلته الأخيرة
TT

إيلي صعب.. فخامة الفرو والمخمل في أسبوع باريس للأزياء

إختار إيلي صعب «الفخامة الداكنة» عنوانا لتشكيلته الأخيرة
إختار إيلي صعب «الفخامة الداكنة» عنوانا لتشكيلته الأخيرة

الأيام الأخيرة تكون دائما الأصعب بالنسبة للمتابعين والأكثر تحديا بالنسبة للمصممين. بعد عدة أيام من العروض المتتالية على مدار الساعة، ليس هناك من مهرب من التعب، الذي قد يولد الشعور بحالة من الشبع، أو بالأحرى التخمة وعمى الألوان، وهذا يعني، بالنسبة للمصممين، أن عليهم أن يزيدوا من جرعة التشويق والإبداع حتى يهونوا التعب ويوقظوا الحواس، وهذه عملية ليست سهلة بالنظر إلى حجم المنافسة. يوم الاثنين الماضي، لم يكن هنا أي خطر من كل هذا على إيلي صعب؛ فالكل تابع حفل توزيع جوائز الأوسكار مساء يوم الأحد، ولا حديث لهم سوى فستان أنجلينا جولي، الذي يحمل بصماته وكأنه فاز بالأوسكار، في مشهد يستحضر اللحظة التي فازت فيها النجمة السمراء هالي بيري بالجائزة منذ أكثر من عقد من الزمن، في فستان من تصميمه، لتطلق اسمه إلى العالمية.
أنجلينا جولي، سواء فازت أو لم تفز بالجائزة فهي مكسب لكل مصمم. آخر حفل توزيع لجوائز الأوسكار حضرته كان في عام 2012، وهو تاريخ لا ينسى بسبب صورة التقطت لها في فستان أسود من دار فرساتشي بفتحة عالية، زادته حركة جريئة بساقها، إثارة، ما جعل الصورة تتداول في كل وسائل الإعلام، وتحصل على نسبة عالية من التعليقات والدعاية المجانية؛ لأن هذه الصورة أصبحت شبه أيقونية، فإنه كان من الصعب أن تمَّحي من الذاكرة سوى بلقطة مماثلة أو تصميم أجمل، وهو ما أدركته النجمة، فقررت أن لا تكرر نفسها، بل تفاجئ المتابعين لحفل الأوسكار بفستان لا يحتاج منها إلى أي مساعدة لكي يتألق ويشد الأنظار.
لهذا كله، كان الحضور في حدائق التويلريز مستبشرين قبل العرض، ويتوقعون تشكيلة سخية بالبريق والفخامة. ما زاد من قوة هذا الإحساس أن الورق الذي وزعه المصمم على الضيوف جاء فيه أن الفخامة هي عنوان تشكيلته.
بدأ العرض، وتلاشت صورة أنجلينا جولي، لتحل محلها صورة امرأة راقية نقابلها دائما في عروضه. فكل إطلالة كانت تذكرنا بوصفة نستعذبها ولا يرى المصمم حاجة إلى تغييرها، بشكل جذري على الأقل. نعم، قد يجري عليها تغييرات بسيطة، أو يضفي عليها تفاصيل مبتكرة في بعض الأجزاء، لكنها تبقى دائما مخلصة للأساس؛ فقد كانت هناك مثلا فساتين بفتحات جانبية عالية، كما لم يغب التطريز الذي غطى مجموعة أخرى إلى جانب تصاميم تكشف جزءا من الأكتاف أو مجموع الظهر، أو تحدد الخصر. ورغم أن قوته تكمن عادة في فساتين السهرة، فإن أزياء النهار تنافست بقوة في هذه التشكيلة لكي تحصل على مكانة راوغتها من قبل، إلى حد القول إن المعاطف والتايورات والفساتين القصيرة والإكسسوارات سرقت الأضواء في الكثير من الأحيان.
حسبما شرح المصمم، فقد اختار «فخامة داكنة» عنوانا لهذه التشكيلة، مضيفا أنه استوحاها من أعمال الفنان مارك روثكو، ما يفسر درجات ألوانها الغامقة والمتدرجة أحيانا. لكن تأثير روثكو لم يدم طويلا، إذ تلاشى بعد ظهور العارضات في مجموعة فساتين بأطوال مختلفة، مطبوعة بالورود على أرضية سوداء، خففت من توهج ألوانها، لينهي العرض بمجموعة أكثر درامية، كانت فيها الإطلالة بلون واحد من الرأس إلى أخمص القدمين، هي الغالبة. وهي إطلالة يميل إليها المصمم، وأصبحت حاضرة في كل عروضه تقريبا، خصوصا عندما يضفي إليها لمساته الخاصة التي تنجح في إكسابها المزيد من الجمال وليس التجديد فحسب. الملاحظ هذه المرة أنه رغم استعماله أقمشة مترفة متنوعة، فإن المخمل كان لافتا بدفئه وأنوثته كما بفخامته. وهي فخامة زادت جرعتها في معاطف بياقات من الفرو، ظهرت أيضا بألوان شهية فوق فساتين وتايورات، كما في فساتين قصيرة، من دون أن ينسى المصمم أن يطرحها بحقائب يد بجلود لا تقل ترفا، حتى تكتمل الصورة التي رسمها للمرأة في ذهنه. بيد أن الجميل في هذه التشكيلة، أنها رغم بريقها وفخامتها، ليست منسلخة عن الواقع، بل على العكس، تخاطب امرأة تعيش حياتها بالكامل، بكل مسؤولياتها ومتعها. امرأة تريد أزياء قوية وديناميكية وفي الوقت ذاته لا تتنكر لأنوثتها أو تتملص منها. وهذا ما يعرفه إيلي صعب، ويتقنه جيدا. فكما يعرف أن المرأة العصرية تريد أن تتألق في كل المناسبات اليومية، فهو يعرف، أكثر من أي مصمم، أن النهار لا يكتمل من دون ليل، عدا أن قوته تزيد عندما تغرب الشمس، لهذا أنهى العرض بمجموعة مطرزة بسخاء، كلها بدرجات غامقة تتباين بين الأحمر والأخضر الزمردي وطبعا الأسود.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».