لبنان: الإجماع حول تفجيري الضاحية لا ينسحب على التسوية السياسية المصطدمة بخلافات الأفرقاء

«المستقبل» يؤكّد على ضرورة أن تبدأ بانتخاب رئيس ويطالب حزب الله بإعادة بناء الثقة مع الآخرين

لبنان: الإجماع حول تفجيري الضاحية لا ينسحب على التسوية السياسية المصطدمة بخلافات الأفرقاء
TT

لبنان: الإجماع حول تفجيري الضاحية لا ينسحب على التسوية السياسية المصطدمة بخلافات الأفرقاء

لبنان: الإجماع حول تفجيري الضاحية لا ينسحب على التسوية السياسية المصطدمة بخلافات الأفرقاء

رغم مواقف التضامن والإجماع الوطني التي تجلّت إثر وقوع انفجار برج البراجنة في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت مساء الخميس، وما تلاه من دعوات لرص الصفوف والاتفاق على تسوية سياسية تبدأ بانتخاب رئيس، لا يبدو أنّ هذا الأمر سيجد طريقه نحو التحقّق في لبنان. ذلك أن كل فريق سياسي يبدو متمسكًا بموقفه من جهة، وارتباط الأزمة اللبنانية بالخارج ولا سيّما الملف السوري. ويأتي ذلك، بينما يقول البعض إنه لا يزال يعوّل على موقف من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، حيال مبادرة أمين عام حزب الله حسن نصر الله، الأخيرة، بشأن «تسوية وطنية»، ليبنى على الشيء مقتضاه.
وفي هذا الإطار، قال النائب في تيار المستقبل أحمد فتفت، لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه «المؤسف أننا كلنا نكرّر الكلام وعبارات التنديد نفسها عند أي عمل إرهابي، لكن لا نرى أي خطوات عملية على الأرض لإخراج لبنان من المأزق الذي يعيش فيه». وأوضح فتفت «التسوية الشاملة يجب أن تبدأ في مكان ما في وقت لا يبدو أن هناك أي بوادر أي إشارات جدية من قبل حزب الله وفريقه السياسي للسير بها»، مضيفًا «على حزب الله العمل على إعادة بناء الثقة مع الآخرين، ولو كان مستعدا للتسوية ولديه نيه في هذا الاتجاه، عليه البدء بانتخاب رئيس للجمهورية، ومن ثم التجاوب على طاولة بحث قانون الانتخابات النيابية». وحول طبيعة التسوية الرئاسية، قال فتفت «سبق لنا أن أبدينا استعدادنا للقبول برئيس تسووي وعلى حزب الله والتيار الوطني الحر أن يتجاوبا مع هذا الطرح إذا كان لديهم أي نية نحو التسوية، لكن لا يبدو أن هناك بوادر في هذا الاتجاه».
في المقابل، اعتبر ماريو عون، القيادي في التيار الوطني الحر، أن ما حصل يجب أن يكون حافزا لرصّ الصفوف ومواجهة العدو المشترك والأخطر على الاستقرار. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن التسوية تعني إجراء بعض التنازلات في المواقف التي من شأنها تسهيل الوصول إلى حلول فيما يتعلّق بإقرار قانون الانتخابات النيابية ومن ثم الذهاب إلى انتخاب رئيس للجمهورية، على أن يشكّل التوافق الذي حصل في التشريع بمجلس النواب وأدى إلى إقرار القوانين البداية نحو هذا الهدف. وفي حين رأى عون أن الفريق الآخر لم يقدّم شيئا بشأن تسهيل انتخاب رئيس، قال «نحن من طالبنا ولا نزال برئيس قوي وجامع»، مضيفا «في ظل الوضع الحالي والمجلس النيابي الممدّد له نعتبر أنّنا القوّة الأكبر ولن نتنازل عن الرئاسة».
الدعوات والمواقف الإيجابية التي أطلقت على ألسنة مختلف الأفرقاء، كانت قد أتت بعد ساعات على التوافق السياسي الذي نتج عنه عودة العمل التشريعي في مجلس النواب، وبعد أيام على مبادرة كان قد أطلقها أمين عام حزب الله حسن نصر الله داعيا خلالها إلى تسوية سياسية شاملة على المستوى الوطني، تشمل رئاسة الجمهورية، والحكومة وقانون الانتخاب. وفي حين لم يصدر أي ردّ فعل أو موقف من الطرف الآخر على مبادرة نصر الله، يرى المحلل السياسي، سركيس نعوم، أنّ الكرة اليوم في ملعب رئيس الحكومة، رئيس تيار المستقبل، النائب سعد الحريري وإمكانية تحقيق هذه المبادرة تبقى رهنا بتجاوبه واصفا ما طرحه نصر الله بالتسوية المؤقتة نظرًا إلى ارتكازها على مواضيع لبنانية أساسية، هي الرئاسة والحكومة وقانون الانتخاب، متجنبًا خلافًا أساسيًا، هو الاستراتيجية الدفاعية وسلاح المقاومة، وهو الأمر الذي يصب في خانة الحزب وطهران، معتبرا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنّ التوصّل إلى تسوية شاملة في لبنان لا تزال مستحيلة قبل الحسم في سوريا.
وبينما رأى نعوم، أن نصر الله لم يكن ليطرح مبادرته لولا موافقة إيران، حليفه الإقليمي الأساسي عليها، قال «لا بدّ من انتظار موقف الحريري سلبا أو إيجابا ليبنى على الشيء مقتضاه، وحتى إن لاقى تجاوبا للانطلاق في الحوار والمباحثات الثنائية (بين الحزب والمستقبل)، أو موسّعة، فذلك لا يعني أن التوصّل إلى نتائج إيجابية أمر مضمون.
ويوم أمس، نوّه وزير الإعلام رمزي جريج، المحسوب على حزب القوات اللبنانية، بـ«الوقفة التضامنية الشاملة لمختلف القوى السياسية» التي تلت تفجير الضاحية، مشددا على أن مفتاح حل القضايا في لبنان هو انتخاب رئيس. واعتبر في حديث إذاعي، أن المؤشرات تدل على أننا نبتعد عن الفتنة، فتضامن فريق «14 آذار» مع أهالي الضاحية وعدم الخوض في مسببات الإرهاب، يدل على أن اللهجة ليست للتصعيد إنما للتهدئة، معتبرا أن خطاب نصر الله كان معتدلا فلهجته تنبئ عن إمكان التوصل إلى حل قضايانا الداخلية بمعزل عن ارتدادات الأزمة السورية، لافتا إلى أن الأجواء توحي بأنه آن الأوان لتسوية شاملة في لبنان تبدأ بانتخاب رئيس وتنتهي بقانون انتخاب نيابي.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم