زيادة الوزن في حد ذاتها لا تجعل الإنسان مشوشا، لكن المزاح والنصيحة غير المرغوب فيها التي توجه للأشخاص ذوي الوزن الزائد هي ما يشكل الضرر النفسي الأكبر.
وحسب جيفري هنغر، طالب درجة الدكتوراه في السيكولوجيا الاجتماعية من جامعة كاليفورنيا بسانت باربرا، «يفترض الناس ثمة علاقة مباشرة بين الوزن والصحة النفسية»، مضيفا: «تظهر أبحاثنا والأبحاث التي أجراها غيرنا أن المشكلة لا تكمن في وزنهم، لكن في المعاملة التي يتلقونها وفى قلقهم مما سيلاقونه من الناس».
وفى تقرير نشر مؤخرا في مجلة «بوصلة السيكولوجية الشخصية والاجتماعية»، أفاد جيفري وزملاؤه بأن الأشخاص أصحاب الوزن الزائد أو البدينين يشتكون من مشكلات مثل الاكتئاب، والقلق، وتعاطي المخدرات، ونقص احترام الذات إذا ما تعرضوا لتمييز في الماضي بسبب الوزن. ومن الممكن أيضًا أن يتسبب التمييز بسبب زيادة الوزن في تصرفات لتدمير الذات مثل الامتناع عن الذهاب لصالة الألعاب الرياضية أو عيادة الطبيب لإنقاص الوزن لتفادي أي انتقادات من المحيطين.
ووفق هنغر: «ندرك أن البدينين وأصحاب الوزن الزائد لديهم دافع أكبر لتجنب التمرين أمام الناس»، مضيفًا أنهم «تعمدوا تأخير الخضوع لبرامج الرعاية الصحية الوقائية، وتحديدا عرض مقاطع مصورة لتجنب تعليقات حتى من يقومون بتقديم الخدمة».
وبحسب كروتني بيلي، أخصائية إعلامية في الثقافة العامة وأستاذ مساعد بكلية أليغني كوليج بولاية بنسلفينيا، تعتبر الانتقادات التي يوجهها الأطباء جزءا من التحامل ضد أصحاب الوزن الزائد، ويساهم الإعلام في تضخيم ذلك، بدءا من تلفزيون الواقع، والإعلانات إلى المجلات الطبية، مضيفة أن «الأمر مؤلم وأشبه بعقوبة، ويتم ذلك بحجة كونها نصائح طبية، مما يجعل الاعتراض عليها أمرا صعبا».
وأضافت الدكتورة بيلي أن عادة وصم الآخرين بالسمنة زادت حدتها بعد أحدث 11 سبتمبر (أيلول) عندما ترجم الأميركان إحساسهم بإمكانية هزيمتهم إلى شعور متنامي بالعداء تجاه البدينين، مضيفة: «فكر فيما يعنيه الجسم البدين في ثقافتنا.. الضعف الأخلاقي، العجز، إلى نهاية القائمة، وكل هذه الصفات تعمل على إضعاف الوحدة الوطنية».
وأفادت سارة دوموف، زميلة كلية الطب النفسي بجامعة ميتشغين، أن برامج الإعلام الترفيهي تساهم في تعزيز الآراء الشائعة عن البدينين؛ بدءا من برامج الأطفال إلى تلفزيون الواقع.
وفى إحدى الدراسات، أخضعت الدكتورة دوموف الطلاب لبرامج مثل «الخاسر الأكبر» حيث يحدث نقصان الوزن بسرعة كبيرة وبشكل لا يخلو من قسوة، وخلصت إلى أن المشاركين في الدراسة الذين لم يحاولوا العمل على نقصان وزنهم عبروا عن سخط شديد على البدينين مقارنة بمن عملوا على نقصان ووزنهم. كذلك عبر الكثيرون عن إيمانهم القوي بأن نقصان الوزن أمر يمكن التحكم فيه وأن الشخص الذي يفشل في إنقاص وزنه لا يمتلك إرادة قوية.
وأفاد الدكتور دوموف: «نرى قدرا كبيرا من المسؤولية ملقى على عاتق الأشخاص أنفسهم»، وهي نغمة تدل على الاستمرار في إلصاق وصم أصحاب الوزن الزائد والبدينين جميعا بعار الخطأ في حق أنفسهم.
قد يكون لوصمة البدانة تأثير على جسم الإنسان أيضًا، حيث أكدت دراسة نشرت في مجلة «أوبسيتى» بداية هذا العام تأثير التمييز بسبب الوزن على زيادة إفراز هرمون الكولسترول الذي يشير إلى القلق. وكشفت الدراسة أن سيدات في عمر طلبة الجامعة أُُبلغن أنهن سوف يشاركن في تجربة عن تأثير استجابة هرمونات الجسم لعملية الشراء، وأعطوا عينات من لعابهن لقياس نسبة الكولسترول، وتم قياس كتلة أجسامهن، وسُئلوا كذلك ما إذا كن يعتبرن أنفسهن بدينات.
تم تقسم السيدات إلى فريقين، وأُبلغ أعضاء أحد الفريقين، الذي اعتبر فريق التحكم، أن عملية التسوق قد انتهت وأنه لم تعد هناك حاجة لمشاركتهن، في حين أن أعضاء الفريق الثاني، الذين كانوا هدفا لدراسة وصمة عار البدانة، أُبلغوا أن «أحجامهم ونمط أجسامهم ليست مناسبة لمثل هذا النوع من الملابس»، وأن «الباحثين يريدون إرجاع الملابس للمصمم في حالة جيدة»، بما يوحي أن أجسام هؤلاء السيدات قد يشد أو يمزق نسيج الملابس. سجلت معدلات قياس المشاركات في تجربة وصمة عار البدانة ممن وصفوا بأصحاب الوزن الزائد ارتفاعا في نسبة الكولسترول، في حين أن المشاركات ممن لم يهتمن بشأن وزنهن لم ترتفع لديهن نسبة الكولسترول.
لاحظت المشاركات في التجربة أن أصحاب نسب الكولسترول المرتفعة يعمدن إلى زيادة الأكل، مما يساهم في زيادة وزنهن أكثر مما هو عليه.
وتشير دراسات أخرى إلى أن وصمة البدانة لا تحتاج إلى أن يجرى لها اختبار شخصي ليظهر تأثيرها، ففي دراسة أجريت العام الماضي في «مركز رود لأساليب الطعام والبدانة بجامعة كنيتيكت»، قسم الباحثون المشاركات من السيدات إلى فريق للتحكم وفريق آخر لوصمة عار البدانة. شاهدت السيدات من فريق وصمة عار البدانة مقطعا مصورا لمدة 10 دقائق تضمن مشاهد حديثة لممثلين ومشاركين في تلفزيون الواقع يأكلون بشراهة، ويرتدون ملابس رثة، ويكافحون في التمارين بينما ينظر آخرين لهم بنفور. وبعد مشاهدة المقطع ارتفعت معدلات الكولسترول بشكل كبير مقارنة بزملائهم في مجموعة التحكم الذين شاهدوا مقطعا مصورا عاديا.
وفى دراسة مكملة استخدم الباحثون نفس طرق البحث ونفس المقطع المصور لاختبار السعرات الحرارية بعد التجربة السابقة، حيث قدم الباحثون وجبات خفيفة وحلوى الجيلي، ورقائق البطاطس أثناء ملئهم للاستبيان. قام الفريق الذي يعاني من زيادة الوزن والذي شاهد المقطع المصور بتناول ثلاثة أضعاف السعرات الحرارية التي تناولها السيدات ممن شاهدن مقطعا عاديا.
وقالت روبيكا باول، أحد القائمين على الدراسة ومديرة مركز رود، إن «كلا الدراستين أظهرتا أن إحساسي وصمة العار والخجل الشائعين في مجتمعنا لا يحفزان الناس للتخلص من الوزن الزائد».
وقال الدكتور باول إن «البحث أظهر أن العكس صحيح»، مضيفًا أن «الرسائل التي تتسبب في إحساس الناس بالخجل، وتوجه لهم اللوم، وتوصمهم بالعار بسبب زيادة الوزن كلها ذات تأثير سلبي يتعارض مع الجهد المبذول لتحسين صحتهم».
*خدمة «نيويورك تايمز»

