المهرجان قوي بحضوره رغم ظروف الداخل والخارج

«الشرق الأوسط» في مهرجان القاهرة السينمائي ـ 2

حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي (أ.ف.ب)
حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي (أ.ف.ب)
TT

المهرجان قوي بحضوره رغم ظروف الداخل والخارج

حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي (أ.ف.ب)
حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي (أ.ف.ب)

بعد افتتاح ناجح تميّـز باختصار الخطب وبالتأكيد على أن أهمية المناسبة تتأتى بتنظيمها الإداري الفعال، تتوالى أيام مهرجان القاهرة الـ37 حتى الحادي والعشرين من هذا الشهر فاردة أمام النظارة 16 فيلما في المسابقة ونحو 200 فيلم خارجها في 8 أقسام رئيسية وتظاهرات مصاحبة.
الشعور العام هنا هو أن المهرجان هو إعلان حالة مناهضة لما تمر به مصر من مخاضات وأزمات كان آخرها سقوط الطائرة المدنية الروسية وما تبع ذلك من نتائج. عناوين الصحف المحلية أجمعت على أن المهرجان إنما يعقد الآن ليقول إن «مصر بخير» وأنها «بلد الأمان». في ذلك نصيب من الصحة التلقائية، فهو في انعقاده يجاهر بأن حضور الفن والثقافة والسينما في مثل هذا الظرف تحديدًا يجسد التحدي الأمثل للأوضاع السائدة. هذا كان حال نيويورك بعد كارثة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 عندما انطلق مهرجان ترايبيكا السينمائي ليكون ردًّا على الفعل الإرهابي الكبير الذي وقع وتأكيدًا على مكانة مدينة نيويورك وطقوسها الثقافية والفنية.
لكن الجانب غير المصيب هو ذلك الذي يحاول، كما في كل مرّة وفي كل عام، التأكيد على أن مهرجان القاهرة بات حدثًا سينمائيًا عالميًا منتظرًا. حسب ترداد محطة تلفزيونية «المهرجان الدولي الذي أصبح حديث العالم كله»، وكل ذلك ليس صحيحًا وبل يناوئ الغاية المنشودة بالوصول إلى الصرح الدولي فعلاً.
* ظروف خارجية
ما مهرجان القاهرة عليه الآن، كذلك جل مهرجانات العالم العربي، هو استعادته لزمام مبادرة أفلت من بين يديه في السنوات الأخيرة وحتى العام الماضي. كان قد تحوّل إلى تنفيذ وظيفي مع هالات أكبر من حجمه منذ مطلع القرن الحالي وازداد الأمر سوءًا مع نهاية العقد الأول منه لكنه الآن يقف على قدمين ثابتتين أكثر ويتحرك بمنهجية مسؤولة على نحو أفضل. وهذا كاف لأن يُثنى عليه لأن هذا ليس إنجازًا ضئيل الشأن على الإطلاق.
لكن العالمية هي أمر آخر تفرضها ظروف خارجية أكثر مما تطلقها ظروف محلية. الأماني، مهما ارتفعت، لا تهم إذا ما كانت السوق العربية ذاتها غير مؤهلة لتتفاعل إيجابًا مع كل هذا الجهد. لا يوجد طموح لدى المنتجين والمخرجين العالميين لبيع أفلامهم، من خلال مهرجان القاهرة، أو من خلال أي مهرجان عربي آخر، إلى موزّعين عرب. في الجانب الآخر، الكثير من الأفلام المشتركة شهدت عروضها العالمية في بقاع أخرى حول العالم. وإلى أن يحين الوقت الذي يفضل فيه صانعو الأفلام، وبعدد ملحوظ وكبير، أن المهرجان العربي مكان لعرضه السينمائي الدولي الأول، فإن الوضع باق على حاله باستثناء التقدّم الذي يستطيع المهرجان فرضه إداريًا وتنظيميًا والثقة المتدرجة به التي تتأتى من خلال ووراء نجاحاته الفنية والإعلامية.
يزيد الطين بلّة، بالنسبة لكافة المهرجانات العربية، أن الجوائز الممنوحة فيها لا تشكل ثقلاً يستند إليه صانعو الأفلام في صياغة إقبال العروض المحلية لأعمالهم أو لأجل المساعدة في ترويجها على نحو فعلي. فقط جوائز المهرجانات الثلاث الأولى (برلين وكان وفينيسيا) هي التي تستحوذ على التغطية الإعلامية الكبيرة، أما سان سابستيان (إسبانيا) وكارلوڤي ڤاري ولوكارنو وصندانس وموسكو ومونتريال، وهي مهرجانات عريقة بلا ريب، فإن حالات الترقب والاهتمام بفائزيها يُـطالع في المجلات المتخصصة (مثل «ذ هوليوود ريبورتر» و«فاراياتي») لكنها لا تتسلل إلى معظم الأوساط الأخرى. تجدها في غوغل لكن لا يعيل عليها المطالعون الكثير من الأهمية.
* مشاركات فرنسية
المشكلة ليست مصرية إذن، لكن هذا لا يعني أن مهرجان القاهرة عليه أن يسعى لتأكيد وجوده في رحى المهرجانات الدولية. هو يستطيع البحث عما هو لافت. التعاون أكثر مع أصحاب قرار دوليين (مؤسسات وشركات) وتغطيتها طوال العام بأخبار الدورة الأخيرة وما هو منتظر من الدورة المقبلة.
الجهد الذي يبذله عادة مهرجان روتردام أو مهرجان كارلوڤي ڤاري أو أي مهرجان آخر، عليه أن يتضاعف، لأن تلك أوروبية تكمن في نطاق أمني مستتب وظروف لا تدعو للقلق، بينما وضع مهرجان القاهرة في هذا الظرف هو حمل ثقيل آخر عليه مواجهته.
مسابقة هذا العام تحتوي على فيلمين مصريين هما «الليلة الكبيرة»، لسامح عبد العزيز مع عمرو عبد الجليل وسمية الخشاب ومحمد لطفي في البطولة، الذي يواكب هنا حكاية تقع في يوم واحد هو يوم مولد ديني ليرصد شخصياته قبل وخلال الحفلة المنتظرة.
الفيلم الثاني هو «من ضهر راجل» لكريم السبكي، وفيه عودة حميدة لمحمود حميدة في دور البطولة مع آسر ياسين وياسمين رئيس وشرف رمزي. ويحكي قصّة ملاكم شاب يحاول الهرب من صورة أبيه الجاثمة بكل زلاتها، وعندما يخفق يتحول إلى نسخة منه.
عربيًا هو فيلم واحد يتقدم باسم الجزائر - فرنسا وهو فيلم مرزاق علواش «مدام كوراج» الذي سبق وأن شوهد في مهرجان فينيسيا.
وفرنسا موجودة، مباشرة أو بالمشاركة مع دول أخرى، في أكثر من موقع فهي في الفيلم الروماني «الكنز» لكورنيليو بورومباو والفيلم الأرجنتيني «بولينا» لساتياغو ميتري والفيلم الإيطالي «البحر المتوسط» ليوناس كاربينانو، وعلى نحو مباشر، كون معظم التمويل جاء من شركة فرنسية، في فيلم «أنا جندي» للوران لارفييه.
معظم الأفلام الأجنبية المتسابقة افتتحت في مهرجانات سابقة وهذا يشمل الفيلم الإستوني «1944» (برلين) والفيلم الدنماركي «بين ذراعيك» (غوتبيرغ، بيكينغ) والأفغاني «مينا تسير» (برلين) والفيلم البوسني «حياتنا اليومية» (سراييفو) كما جميع الأفلام الأخرى باستثناء الفيلم الكوري «مادونا» لشين سو - وون. لكن كلها جديدة ومطلوبة بالنسبة لجمهور محب للسينما ينتظر المهرجان من عام لعام للتزود بما لا يستطيع مشاهدته في أي مكان آخر ولا بأي وسيلة بديلة.
فيلم «1944» (مشترك بين إستونيا وفنلندا) هو أحد تلك الأفلام التي تمثل بلدانها في سباق الأوسكار. لكن علاوة على ذلك، شهد إقبالاً ضخمًا في عروضه الإستونية كونه فيلما حربيًا يتناول انقسام الجنود الإستونيين إلى فريقين واحد يحارب في الصف الروسي والآخر في الصف النازي.
* فيلمان جزائريان
فيلم مرزاق علواش كان أثار لغطًا كبيرًا بين صانعه والحكومة الجزائرية عندما قرر، عبر الفرع الفرنسي للشركة الممولة («بايا فيلمز») الاشتراك به في مهرجان حيفا الأخير. الوضع نفسه كان نشأ عندما وافق المخرج الجزائري لياس سالم على إشراك فيلمه الأخير «الوهراني» في المهرجان الإسرائيلي لكنه امتنع عن ذلك في اللحظة الأخيرة بسبب معارضة الحكومة الجزائرية، ممثلة بوزارة الثقافة، هذه الخطوة.
والفيلمان الجزائريان بينهما تحالف الموضوع: «مدام كوراج» لعلواش هو نقد للواقع الجزائري اليوم عبر حكاية بطلها شاب يعيش على ما يسرقه من مجوهرات وحقائب نسائية ويدمن المخدرات ويؤم كوخ والدته التي ترعى عمل ابنتها (شقيقته) كعاهرة بينما تستمع (بإيمان) إلى خطب الفتاوى على الشاشة الصغيرة. عالم عمر (عدلان جميل) مقفل وبلا أمل حتى من بعد أن يلتقي، من دون قصد، بالفتاة سلمى (لاميا بزواوي). كان لطش عقدها وهي في طريقها إلى المدرسة. حين خروجها يرصدها ثم يتقدم منها ويعيد العقد إليها. من تلك اللحظة، حياته ازدادت اضطرابًا. هناك عاطفة لا يفهمها نحوها، وبالنسبة إليها، هو شاب «لا يشكل خطرًا» كما تقول لشقيقها.
يوصم مرزاق علواش المجتمع بأسره (من فوق متمثلاً بالشقيق والنظام الذي يستند إليه) ومن تحت (الطبقة الشعبية ذاتها) بالشلل والعجز الذي يشبه تمامًا عجز عمر عن أي فعل لإنقاذ نفسه وللتواصل مع الفتاة التي يحب أو مع المحيط الذي ينتمي إليه.
أما «الوهراني» فقد سعى لنقد الأمس واليوم معًا، فهو دراما مؤلّـفة من مواقف تصاحب شخصيات خاضت حرب الاستقلال ثم استوت في مناصب إدارية منقلبة على المبادئ ومستخدمة نفوذها لمصالحها الخاصّـة. العيّنات التي يوفرها المخرج في هذا الفيلم لا يمكن دحضها بالمطلق. هناك حميد (خالد بن عيسى) الذي استثمر وصوله السياسي لمحاربة سواه ممن سبق وشاركوه النضال. يستمر الفيلم لساعتين من عرض الحال والانتقال منه إلى النتائج. معظم الوارد قد يحدث رد فعل غاضبة لدى البعض، لكنه في الواقع ليس سوى تنفيذ لسيناريو تقليدي الكتابة يبني نقده على مشاهد معيّنة تفي بالحاجة وعلى الكثير من الحوار المتبادل. والمخرج، فرنسي من أصل جزائري، يحرص على استخدام لغة شوارعية لإيصال رسالته ما يمنح حضوره لدى الجمهور قدرًا من الواقعية. رغم كل ذلك، وبسبب ركاكة عمله - لدرجة التفاصيل أحيانًا - لا يمكن إلا اختزاله إلى فعل سينمائي مؤقت خال من المعالجة الفنية التي تستطيع رفع شؤونه المتداولة إلى ما بعد الإثارة العامة.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».