الجمال التاريخي والذوق الرفيع في مبنى «غوم» في موسكو

مركز تجاري على الطراز الكلاسيكي تأسس في عهد الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية

نافورة تتوسط المركز التجاري
نافورة تتوسط المركز التجاري
TT

الجمال التاريخي والذوق الرفيع في مبنى «غوم» في موسكو

نافورة تتوسط المركز التجاري
نافورة تتوسط المركز التجاري

لا بد لكل زوار العاصمة الروسية موسكو من الذهاب إلى الساحة الحمراء، ومن لا يفعل كأنه لم يكن يومًا في موسكو. وإلى جانب الكرملين والكنائس التاريخية على طرفي تلك الساحة وسط العاصمة الروسية يلفت أنظار الزوار من روسيا وخارجها المبنى التاريخي الجميل الذي يبدو مثل قصر ممتد على طول الساحة الحمراء قبالة جدار الكرملين. ويظن غالبية من لا يعرفون تاريخ هذه الساحة أن هذا المبنى واحد من القصور القيصرية الروسية القديمة، وتابع لمجمع قصور الكرملين، بينما يظنه آخرون مقرًا للإمبراطور وتحول مع الوقت إلى مقر من المقرات الرسمية، والبعض يخمنه متحفا تاريخيا، لكن ما أن يلتف الزائر نحو الطريق على جانب ذلك المبنى يدرك أنه أمام مركز تجاري ضخم، يُعرف باسم «غوم» أي «المتجر المركزي للدولة»، لكن هذا لا يلغي حقيقة أن مبنى «غوم» هو من أجمل المباني التاريخية وتحفة فنية تنشط في داخلها التجارة منذ عدة قرون.
تعود بدايات مبنى «المتجر المركزي للدولة» إلى مرحلة مبكرة من تاريخ موسكو، حيث وجد التجار والباعة في الموقع الذي يقوم عليه اليوم هذا المركز مكانًا مناسبا في المدينة لممارسة التجارة والبيع. ومع الوقت ظهرت سوق أطلق عليها اسم «الصفوف التجارية العليا». وكلمة صفوف للدلالة على توزع المحال التجارية على شكل صفوف متقابلة، أما «العليا» فالأرجح أن التوصيف جاء نسبة لموقع السوق في نقطة على الهضبة الصغيرة على ضفاف موسكو، فالسوق إذن «أعلى من مستوى النهر» وربما يكون للكلمة دلالات أخرى.
في القرن الثامن عشر، في عهد الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية بدأت أعمال تصميم بناء مركز تسوق كبير عوضًا عن صفوف المحال التجارية المتهالكة القديمة، ووُضعت التصاميم الأولى وفق النمط الكلاسيكي. وكانت حكومة مدينة موسكو قد حاولت على مدار سنوات إقناع التجار أصحاب المحال التجارية بتشييد مبنى تجاري يكون بديلا عن محالهم القديمة، وفي كل مرة كانت هذه المحاولات تصطدم برفض التجار. في نهاية المطاف أقنع حاكم موسكو التجار بتشكيل شركة مساهمة تحدد مصالحهم وحصصهم في المشروع الجديد، وتضمن تأمين مصادر التمويل الإضافية من المساهمين، ولهذا الغرض تم إصدار سندات مالية خاصة حينها. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1888 تم الإعلان عن مناقصة هندسية مغلقة لوضع تصميم للمركز التجاري بأسلوب يتناسب مع نمط المباني التاريخية في الساحة الحمراء. وبعد أقل من عام تم وضع أساسات المبنى الجديد، واستمرت أعمال البناء ثلاث سنوات تقريبًا، بعدها وتحديدًا في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) عام 1893 تم الافتتاح الرسمي لمركز التسوق التجاري الحديث (الصفوف التجارية العليا) بحضور كبار المسؤولين في المدينة بما في ذلك حاكم موسكو الأمير سيرغي ألكسندروفيتش والأميرة إليزابيث فيدوروفنا، وحشد من الطبقات الراقية في تلك المرحلة. ومنذ لك الحين تحولت منطقة (الصفوف التجارية العليا) إلى مكان مفضل للتنزه.
منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا ما زال مبنى «غوم» (المتجر المركزي للدولة) صرحا عمرانيا يبدو بواجهاته الخارجية مثل أفخم قصور أمراء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وفي داخله حياة أخرى يختلط فيها التجاري مع الترفيهي، إذ لا يمكن للزائر وهو يبحث عما دخل لاقتنائه أن يتجاهل فن العمارة الجميل الذي يجعل من «التبضع» هناك مثل رحلة عبر الزمن، رائحة الإبداع الفني التاريخي تعبق في المكان بينما تمتلئ رفوفه وواجهات محاله وصالاته بمختلف أنواع البضائع الحديثة. أما الساحات من حوله فما زالت أفضل مكان للتنزه، ولا سيما أن وجود المبنى في الساحة الحمراء يمنحه خصوصية جمالية تاريخية وعصرية، وكأنه يرفع شعار «التجارة تحب الجمال والذوق الرفيع».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».