المتحف المصري في «التحرير» يحتفل بعامه الـ113

وضع حجر الأساس عام 1897.. ويحتوي على أكبر مجموعة من آثار مصر القديمة

جانب من مقتنيات المتحف الآن
جانب من مقتنيات المتحف الآن
TT

المتحف المصري في «التحرير» يحتفل بعامه الـ113

جانب من مقتنيات المتحف الآن
جانب من مقتنيات المتحف الآن

يحتفل المتحف المصري في ميدان التحرير بقلب العاصمة القاهرة (الاثنين) المقبل، بالذكرى الـ113 على افتتاحه أمام الجمهور في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1902، كأول مبنى يصمم كمتحف، ويضم مجموعات أثرية تعد ثروة إنسانية هائلة.
وقال الدكتور محمود الحلوجي مدير عام المتحف لـ«الشرق الأوسط»، إن «المتحف سوف يستقبل زائريه من المصريين الأجانب والسياح العرب مجانًا ودون تحمل أي رسوم على الدخول طوال يوم الاحتفال»، لافتًا إلى أنه «سيتم عرض قطع جديدة لأول مرة بمناسبة الذكرى الـ113».
ووضع الخديو عباس حلمي الثاني حجر الأساس المتحف المصري القديم عام 1897، قبل ثلاث سنوات من انتهاء المهندس الفرنسي مارسيل دورونو من وضع تصميمه على الطراز الكلاسيكي، ويحتوي على أكبر مجموعة من آثار مصر القديمة، على رأسها مجموعة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون، كما يضم عددًا هائلاً من الآثار منذ عصور ما قبل التاريخ منها تماثيل «زوسر، وخوفو، وخفرع، ومنكاورع»، وبعض الآثار اليونانية والرومانية.
من جانبه، قال الدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار المصري، إن «الوزارة حريصة هذا العام على خروج الاحتفالية بشكل جديد، لتنشيط الحركة السياحية الوافدة لزيارة المتاحف والمزارات الأثرية، وحث المصريين على التعرف على معالم الحضارة المصرية وما تركه لنا الأجداد من كنوز تؤكد على العبقرية المصرية على مر العصور، الأمر الذي يعمل على تحقيق المساعي المبذولة لاستعادة الدور المجتمعي للمتاحف، باعتبارها مراكز تعمل على نشر الوعي الأثري، والمعرفي بين مختلف الفئات المجتمعية والعمرية».
وأكد الحلوجي، أن احتفالية هذا العام تتضمن عروضًا فنية وموسيقية لفرق القوات المسلحة المصرية والشرطة صباح يوم الاثنين، وفي المساء تقام احتفالية دار الأوبرا في حديقة المتحف، لافتًا إلى أن هذا العام سوف يشهد تكريم عدد من الأثريين ومديري ومسؤولي المتحف على مدار السنوات السابقة.
وأضاف مدير عام المتحف، أن «الاحتفال سوف يشهد عرض قطع أثرية جديدة لأول مرة، بالإضافة إلى الكثير من القطع المستردة والتي تم ترميمها».
وتقول مصادر أثرية، إن المتحف المصري القديم، بموقعه الحالي المطل على نهر النيل، يعد أكبر وأول متحف في العالم يضم كنوز الحضارة الفرعونية، وقد أنشئ خصيصًا ليكون متحفًا عكس متاحف أوروبا التي كانت في الأصل قصورًا وبيوتًا للأمراء.
ويضم المتحف مقتنيات الملك «توت عنخ آمون» ومقتنيات عصر الدولة القديمة والوسطى والحديثة، فضلاً عن مقتنيات تعود للأسرة 21 وحتى دخول الإسكندر الأكبر إلى مصر، بالإضافة إلى التوابيت الحجرية والتماثيل واللوحات والجداريات.
وقال محمود الحلوجي، إن أهمية المتحف ترجع لكونه أول مبنى صمم ونفذ منذ البداية لكي يؤدي وظيفة المتحف، إلى جانب ما يضمه المتحف من مجموعات أثرية مهمة تعتبر بمثابة ثروة هائلة من التراث المصري لا مثيل لها في العالم. ويمتد تاريخ المتحف المصري إلى ما قبل وضع حجر الأساس له قرب نهاية القرن التاسع عشر، حيث أمر محمد علي باشا عام 1835 بنقل الآثار القيمة إلى بيت صغير بالقرب من بركة الأزبكية بالقاهرة خصص أيضًا لتسجيل الآثار في أعقاب الطموحات الكبرى التي تلت فك رموز حجر رشيد.
ويتميز المتحف ببهوه الكبير ونوافذه الزجاجية التي تنفذ من خلالها أشعة الشمس لتنير داخل المتحف بإضاءة ذاتية، فضلاً عن عمارته الداخلية التي تتميز بالأعمدة ذات الطابع الفرعوني. وقال الحلوجي، إن فعاليات الاحتفال سوف تضمنت قيام المسؤولين بالمتحف بمصاحبة الزائرين لتقديم الشرح لأهم المقتنيات الأثرية النادرة والتوعية الأثرية والثقافية بقيمة المتحف التاريخية، لافتًا إلى أن «الاحتفال هذا العام سوف يأخذ شكلاً جديدًا بتوجيه رسالة للعالم أجمع بضرورة زيارة معالم مصر الأثرية والتاريخية، والتأكيد على توافر الأمن والأمان في كل محافظات ومدن مصر الأثرية والسياحية، ولنرد على المشككين الذين يقولون إن مصر ليست آمنة»، مضيفًا أن «حضور الأجانب والسياح العرب، وكذا المصريون سوف يسهم في توصيل هذه الصورة للعالم أجمع».
وتسعى وزارة الآثار بالتنسيق مع محافظة القاهرة إلى ضم مبنى الحزب الوطني الحاكم السابق المجاور للمتحف، والذي تم حرقة في أثناء ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2012 إلى أرض المتحف، وبذلك يصبح المتحف مطلاً على النيل، كما تساهم هذه التوسعة في عرض الكثير من الآثار المركونة في مخازن المتحف.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».