التمارين الرياضية.. هل يمكنها أن تبطئ الشيخوخة؟

تساعد في الحد من تسارع هرم خلايا الجسم في أواسط العمر

التمارين الرياضية.. هل يمكنها أن تبطئ الشيخوخة؟
TT

التمارين الرياضية.. هل يمكنها أن تبطئ الشيخوخة؟

التمارين الرياضية.. هل يمكنها أن تبطئ الشيخوخة؟

رجحت دراسة حديثة أن أي نوع - وأي مقدار تقريبا - من النشاط البدني، يثمر إبطاء الشيخوخة الموجودة في أعماق خلايانا. وتعد فترة أواسط العمر حاسمة في إبطاء الشيخوخة، على الأقل بمقياس واحد، وهو: شيخوخة الخلية.

شيخوخة الخلايا
ليس من السهل معرفة عمر الخلية، نظرا لأن الأعمار البيولوجية والزمنية نادرا ما تتطابق. ويمكن للخلية أن تكون شابة نسبيا من حيث فترة وجودها، ومع ذلك، تعمل ببطء أو بطريقة متقطعة، كما لو أنها شائخة.
وحاليا، يبدأ كثير من العلماء في تحديد العمر البيولوجي للخلية - بمعنى جودتها الوظيفية وعمرها الفعلي - من خلال قياس طول التيلوميرات telomeres الخاصة بها.
وبالنسبة لهؤلاء الذين لا يعرفون كل جزء من المكونات الداخلية للخلية فإن التيلومير، عبارة عن قطعة نهائية صغيرة موجودة في نهاية خيوط الحمض النووي (دي إن إيه)، مثل نهاية رباط الحذاء البلاستيكية. ويُعتقد أن الهدف من وجوده هو حماية الحمض النووي من التلف أثناء انقسام الخلايا وتكاثرها.
وبينما تتقدم الخلية في العمر، تقصر تيلوميراتها، وتبلى بشكل طبيعي. لكن يمكن أن تتسارع العملية عن طريق السمنة، والتدخين، والأرق، ومرض السكري وغيرها من جوانب الصحة وأسلوب الحياة. وفي هذه الحالات، تشيخ الخلايا المتضررة قبل الأوان.
ومع ذلك، يشير العلم الحديث إلى أن التمارين يمكن أن تبطئ من هرم التيلوميرات. وأظهرت دراسات سابقة، على سبيل المثال، أن كبار الرياضيين يمتلكون عادة تيلوميرات أطول من الأشخاص كثيري الجلوس من الفئة العمرية نفسها، وبالمثل بالنسبة للنساء الأكبر سنا اللواتي يمارسن المشي غالبا أو ينخرطن في أي تمارين أخرى معتدلة.
وركزت تلك الدراسات في معظمها على البالغين الأكبر سنا الذين يركضون أو يسيرون كثيرا. ولم يتضح بعد إذا ما كانت التمارين المتنوعة ستظهر آثارها على تيلوميرات الأشخاص من مختلف الأعمار أيضا.
دور التمارين الرياضية
لذلك بالنسبة للدراسة الجديدة، التي نشرت في مجلة «الطب والعلم في الرياضة والتمارين»، قرر الباحثون من جامعة ميسيسيبي وجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو النظر بشكل أوسع في تفاعلات التمارين والتيلوميرات على عدد كبير من الأميركيين.
ومن أجل القيام بذلك، استخدم الباحثون البيانات الصادرة عن «استطلاع الصحة الوطنية وفحص التغذية»، الذي يجيب عشرات الآلاف من البالغين خلاله سنويا على أسئلة تتعلق بصحتهم، التي تتضمن عادات ممارسة التمارين، واستكمال فحص الصحة الشخصي، وتوفير عينة من الدم.
وخلال السنوات الأخيرة، جرى اختبار عينات الدم - من بين مؤشرات أخرى على الصحة - لقياس طول التيلومير في خلايا الدم البيضاء لدى المشاركين.
وجمع الباحثون بيانات نحو 6500 شخص من المشاركين، تتراوح أعمارهم بين 20 و84 عاما، ومن ثم جرى تصنيفهم إلى أربع مجموعات، بناء على كيفية إجابتهم على الأسئلة المتعلقة بالتمارين.
ومالت الأسئلة لأن تكون فضفاضة، بسؤال الناس فقط إذا ما كانوا - وفي أي وقت خلال الشهر الماضي - شاركوا في رفع الأثقال، أو غيرها من التمارين الأخرى المعتدلة مثل السير، أو ممارسة التمارين الأكثر نشاطا مثل الركض، أو السير أو ركوب الدرجة أثناء الذهاب إلى العمل أو المدرسة.
وإذا أجاب المشارك بنعم على أي من تلك الأسئلة الأربعة، فإنه يحصل على نقطة من جانب الباحثين. لذلك، يحصل شخص قال إنه يسير كثيرا على نقطة. وإذا ركض أيضا، يحصل على نقطة ثانية، وهكذا، بحد أقصى يبلغ أربع نقاط.
وبعد ذلك، قارن الباحثون الإجابات بطول التيلوميرات الخاصة بكل شخص.
واستنتج الباحثون أن هناك صلات واضحة بين التمارين وطول التيلوميرات. ولكل نقطة يحصل عليها الشخص مقابل أي تمرين، تتقلص مخاطر حصوله على تيلوميرات قصيرة بشكل كبير.
وعلى وجه التحديد، تقلصت نسبة التيلوميرات القصيرة لشخص شارك في تمرين رياضي واحد، ذي نقطة واحدة، بنسبة 3 في المائة، بالمقارنة مع شخص آخر لم يمارس أي تمارين.
وتقلص الخطر بشكل أكبر لكثير مع الناس الذين مارسوا تمارين أكثر. وكان الأشخاص الذين مارسوا نوعين من الرياضة أقل عرضة للتيلوميرات القصيرة بنسبة 24 في المائة، ونسبة 29 في المائة للأشخاص الذين مارسوا ثلاثة تمارين، ونسبة 59 في المائة للأشخاص الذين مارسوا الأنواع الأربعة من الأنشطة الرياضية المذكورة.

أواسط العمر
ومن المثير للاهتمام، أن الصلات بين التمارين وطول التيلوميرات كانت أقوى بين المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و65 عاما، ما يشير إلى أن أواسط العمر قد تكون فترة مهمة للبدء في البرامج الرياضية أو الاستمرار فيها، إذا كان الناس يرغبون في منع تيلوميراتهم من التقلص، حسب ما قاله بول لوبرينزي، أستاذ مساعد في علم الصحة وممارسة التمارين بجامعة ميسيسيبي، وهو أحد معدّي الدراسة بصحبة جيريمي ليونيكي، الأستاذ في جامعة ميسيسيبي أيضا، وإليزابيث بلاكبيرن، الأستاذة في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، والتي حازت على جائزة نوبل في عام 2009 لاكتشافها الطبيعة الجزيئية للتيلوميترات.
ومع ذلك، كما ذكر لوبرينزي، تعتمد هذه الدراسة على وجود الصلات بشكل بحت، لذلك لا يمكنها أن تؤكد إذا ما كانت التمارين تتسبب فعليا في تغيير طول التيلومير، وإنما تبين فقط أن الأشخاص الذين يمارسون الرياضة لديهم تيلوميرات أطول.
ولم توضح الدراسة أيضا حجم التمارين اللازم لحماية التيلوميرات بشكل مثالي، وفقا للوبرينزي، نظرا لأن الاستطلاع لم يسأل سوى عن إذا ما كان الأشخاص مارسوا الرياضة بشكل عام أم لا، وليس مدى تكرارها.
وربما الأكثر أهمية، لا تخبرنا النتائج إذا ما كانت التيلوميرات الأطول يمكن ترجمتها إلى صحة أفضل. لكن لوبرينزي ذكر أن «دراسات أخرى أوضحت أنه يمكن توقع الوفاة بناء على طول التيلوميرات»، حيث تعادل التيلوميرات القصيرة حياة أقصر.
لذلك، تبدو الرسالة واضحة، حسب لوبرينزي: الرياضة جيدة لخلاياك، و«مزيد من التمارين بشتى أنواعها» تكون أفضل لصحتك على الأرجح.
* خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».