الشماغ الأحمر.. هوية عربية بصناعة غربية

محاولات تغيير ألوانه باءت بالفشل.. والولاء للقديم أقوى من الرغبة في الجديد

تختلف جودة الشماع حسب الخيوط المستعملة فيه ودقة غزلها (تصوير: سلمان مرزوقي) والشماغ المصنوع في إنجلترا أو سويسرا مرغوب فيه أكثر (تصوير: سلمان مرزوقي)
تختلف جودة الشماع حسب الخيوط المستعملة فيه ودقة غزلها (تصوير: سلمان مرزوقي) والشماغ المصنوع في إنجلترا أو سويسرا مرغوب فيه أكثر (تصوير: سلمان مرزوقي)
TT

الشماغ الأحمر.. هوية عربية بصناعة غربية

تختلف جودة الشماع حسب الخيوط المستعملة فيه ودقة غزلها (تصوير: سلمان مرزوقي) والشماغ المصنوع في إنجلترا أو سويسرا مرغوب فيه أكثر (تصوير: سلمان مرزوقي)
تختلف جودة الشماع حسب الخيوط المستعملة فيه ودقة غزلها (تصوير: سلمان مرزوقي) والشماغ المصنوع في إنجلترا أو سويسرا مرغوب فيه أكثر (تصوير: سلمان مرزوقي)

يعد الشماغ الأبيض المرقط بالأحمر والغترة البيضاء وسمًا مميزًا لسكان الشرق الأوسط ولهوية منطقة الخليج ككل. فما إن ترَ أحدًا يرتدي أحدهما مع الثوب حتى تعرف أن من يرتديه إما سعودي وإما من إحدى دول الجوار.
تاريخيا، بدأ استعماله كغطاء للرأس بسبب طبيعة المناخ وضرورة الحماية من أشعة الشمس أو الغبار وأيضًا للدفء أيام الشتاء القارسة.
ورغم المحاولات في التجديد بالسعودية باستحداث ألوان أخرى تنافس الأحمر وتزحزحه عن مكانته، فإنها باءت بالفشل إلى حد الآن. فعلى غير المتوقع، صُدم التجار والمصممون بعدم رواجها حتى في صفوف الشباب المتعطش للتغيير ومواكبة الموضة وألوانها. بعبارة أخرى، كان هناك شبه إجماع على الحفاظ على هويتها الكلاسيكية بغض النظر عن الأعمار.
فبعد أن اقتصر الشماغ في فترة زمنية مضت على كبار السن مقابل إقبال أقل من الأجيال الصاعدة، ساهمت الأنواع الجديدة من الأشمغة التي استعمل فيها القطن الممشط في زيادة إقبالهم عليه حتى بات جزءًا من أناقة الرجل السعودي إضافة إلى تعبيرها عن هويته وانتمائه.
ومع الوقت تعرفوا عليه أكثر، الأمر الذي زاد من اهتمامهم به، وإقبالهم على اختيار الأحدث والمختلف، لكن المختلف هنا ظل دائما يقتصر على خيوطه وطريقة نسجها لا أقل ولا أكثر.
ويجد المصمم السعودي سراج سند إقبال الشباب على الشماغ دافعًا لمزيد من الابتكار لتلبية كل رغباتهم، مبينًا أن الشماغ الأحمر والغترة البيضاء هي الرائجة في السوق السعودية. وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «حاولنا التنويع في ألوان الشماغ في محاولة لتقديم شيء جديد، لكننا وجدنا أن لون الشماغ مثل الثوب، هوية لا يمكن تغييرها، والدليل أن كل الألوان التي أدخلت عليه لتجديده باءت بالفشل ولم يكن الإقبال عليها كبيرا».
ويوافقهم سند الرأي كرجل ومصمم في الوقت ذاته، لأنه مقتنع بضرورة أن لا تتعرض هذه القطعة الأيقونية لتغييرات كبيرة، حتى وإن كان الأمر مجرد تغيير الأحمر المتعارف عليه، لأن هذا اللون أصبح جزءا لا يتجزأ منه ومن هويته. في المقابل، ينوه بأن الأقمشة المستعملة يمكن التغيير فيها، وإن كانت القطنية هي الأفضل كونها مناسبة لكل الفصول، باستثناء الشتاء حيث يفضل استعمال الصوف. ويشير إلى أنواع أخرى، تشمل أقمشة مصنوعة من خيوط القطن أو من البوليستر مائة في المائة أو مخلوطة بالاثنين، لكن تبقى المصنوعة من البوليستر الأسوأ لهذا ينصح بتجنبها. وقدر المصمم السعودي حجم مبيعات الأشمغة في السوق السعودي بـ17 مليون شماغ، يأتي 75 في المائة من قيمة المبيعات في شهر رمضان.
وأرجع سند تباين أسعار الأشمغة إلى جودة القطن وطريقة غزله وصباغته وآلية نسجه، فهذه العناصر مجتمعة هي التي تحدد مدى نعومته وجودته فضلا عن درجة بياضه. ويتباين سعر المتر منه ما بين 10 دولارات و120 دولارا، حيث يأتي الشماغ الإنجليزي على رأس القائمة من حيث الجودة، ونفس الأمر بالنسبة إلى الغترة السويسرية، بينما يأتي الصيني في المرتبة الأخيرة.
ويتأسف المصمم السعودي إلى توجه بعض التجار لتوفير أشمغة بأسعار زهيدة لكن بجودة رديئة، قائلا إن «السياح والمعتمرين والحجاج لهم دور في تشجيع الأمر، لأنهم يحرصون خلال زيارتهم للسعودية على شراء تذكار من البلد، وعندما يجدون أنفسهم أمام خيار بين شماغ بجودة عالية وسعر مرتفع وآخر بسعر زهيد، فإنهم يُقبلون على الرخيص لأنه لا يمثل هوية لهم.. بل هو مجرد شكل وتذكار».
وكما يشير سند فإن الأشمغة الرديئة يتم صناعتها من البوليستر، الأمر الذي ينعكس على السعر، أما «الشماغ ذو الجودة العالية فيجهز من القطن مائة في المائة، وكلما أخذت طريقة نسجه 120 إلى 160 خيطا ترتفع نسبة نعومته». ويضيف: «هناك من يزيد عدد الخيوط، وهو أمر خاطئ حيث يصعب كيها في ما بعد،، بينما هناك ما هو رخيص من القطن غير المعالج. المهم في كل هذا أن الأشمغة أنواع، لهذا فإن اختيارها يحتاج إلى دراية».
ورغم أن القطن هو الدارج في صناعته، فإن الملاحظ أن هناك إقبالا كبيرا على صوف الكشمير في فصل الشتاء نظرا لنعومته وما يؤمنه من دفء وفخامة في الوقت ذاته. ولا يقتصر التعامل مع هذه القطعة على اختيارها بجودة عالية فحسب، بل أيضًا على طريقة ارتدائها، حسب سند. في هذا الصدد يوضح بأن «الشماغ شديد الحساسية ولا تكمل جماليته إلا إذا كانت خيوطه سليمة وصحيحة».
ومع أن الشماغ جزء من اللباس الوطني في المنطقة، فإنه لا يصنع دائما في أراضيها، بل أغلبه مستورد من بريطانيا أو سويسرا أو غيرهما من الدول الأوروبية المتخصصة في صناعة الموضة، باستثناء مصنعين يتيمين في السعودية. السبب في احتكار مصانع أوروبية لهذه القطعة أن صناعتها تتطلب تقنيات عالية ومهارات كثيرة للتمكن من إنجاز تفاصيلها بدقة، من بداية الرسمة إلى اختيار أفضل خيوط القطن، وتحديد طريقة غزلها وصبغها إلى آليات نسجها. ويوجد حاليا مصنعان فقط في السعودية لصناعة الأشمغة، أحدهما «لابلين» ويملكه أبناء محمد سعد العجلان، والثاني مصنع «دسار» لصاحبه عمار فخري عزي.
يقول أحمد شاه مسؤول الأشمغة الإنجليزية في السعودية إن قلة المصانع المتخصصة في حياكة الشماغ تأتي نزولا عند رغبة الزبائن الذين يثقون أكثر في الشماغ الإنجليزي الصنع، أي المستورد، فهو بالنسبة إليهم أفضل من حيث الخامة وطريقة التصنيع والتفنيش الذي يأتي بأعلى جودة».
ويشير شاه إلى وجود آليات معينة لغسل الشماغ تضمن محافظته على جودته، وهي آليات غير متوفرة في السعودية، منها المياه الخاصة الموجودة في إنجلترا وسويسرا على سبيل المثال. كما أن الألوان التي يتم إنتاجها في هذه المصانع تشمل درجات الأحمر الفاتح والغامق فقط، لأنهم بعد محاولات لإدخال ألوان أخرى اكتشفوا أن الإقبال محدود عليها، وأن الولاء للقديم أقوى من الرغبة في الجديد.



هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
TT

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)
الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن الأوضاع لن تكون جيدة في عام 2025. فالركود الاقتصادي مستمر، وسيزيد من سوئه الاضطرابات السياسية وتضارب القوى العالمية.

حتى سوق الترف التي ظلت بمنأى عن هذه الأزمات في السنوات الأخيرة، لن تنجو من تبعات الأزمة الاقتصادية والمناوشات السياسية، وبالتالي فإن الزبون الثري الذي كانت تعوّل عليه هو الآخر بدأ يُغير من سلوكياته الشرائية. مجموعات ضخمة مثل «إل في إم آش» و«كيرينغ» و«ريشمون» مثلاً، وبالرغم من كل ما يملكونه من قوة وأسماء براقة، أعلنوا تراجعاً في مبيعاتهم.

أنا وينتور لدى حضورها عرض «بيربري» في شهر سبتمبر الماضي (رويترز)

لكن ربما تكون بيوت بريطانية عريقة مثل «مالبوري» و«بيربري» هي الأكثر معاناة مع قلق كبير على مصير هذه الأخيرة بالذات في ظل شائعات كثيرة بسبب الخسارات الفادحة التي تتكبدها منذ فترة. محاولاتها المستميتة للبقاء والخروج من الأزمة، بتغيير مصممها الفني ورئيسها التنفيذي، لم تُقنع المستهلك بإعادة النظر في أسعارها التي ارتفعت بشكل كبير لم يتقبله. استراتيجيتها كانت أن ترتقي باسمها لمصاف باقي بيوت الأزياء العالمية. وكانت النتيجة عكسية. أثبتت أنها لم تقرأ نبض الشارع جيداً ولا عقلية زبونها أو إمكاناته. وهكذا عِوض أن تحقق المراد، أبعدت شريحة مهمة من زبائن الطبقات الوسطى التي كانت هي أكثر ما يُقبل على تصاميمها وأكسسواراتها، إضافة إلى شريحة كبيرة من المتطلعين لدخول نادي الموضة.

المغنية البريطانية جايد ثيروال لدى حضورها عرض «بيربري» في شهر سبتمبر الماضي (رويترز)

هذا الزبون، من الطبقة الوسطى، هو من أكثر المتضررين بالأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي فإن إمكاناته لم تعد تسمح له بمجاراة أسعار بيوت الأزياء التي لم تتوقف عن الارتفاع لسبب أو لآخر. بينما يمكن لدار «شانيل» أن ترفع أسعار حقائبها الأيقونية لأنها تضمن أن مبيعاتها من العطور ومستحضرات التجميل والماكياج وباقي الأكسسوارات يمكن أن تعوض أي خسارة؛ فإن قوة «بيربري» تكمن في منتجاتها الجلدية التي كانت حتى عهد قريب بأسعار مقبولة.

المعطف الممطر والأكسسوارات هي نقطة جذب الدار (بيربري)

«مالبوري» التي طبّقت الاستراتيجية ذاتها منذ سنوات، اعترفت بأن رفع أسعارها كان سبباً في تراجع مبيعاتها، وبالتالي أعلنت مؤخراً أنها ستعيد النظر في «تسعير» معظم حقائبها بحيث لا تتعدى الـ1.100 جنيه إسترليني. وصرح أندريا بالدو رئيسها التنفيذي الجديد لـ«بلومبرغ»: «لقد توقعنا الكثير من زبوننا، لكي نتقدم ونستمر علينا أن نقدم له منتجات بجودة عالية وأسعار تعكس أحوال السوق».

الممثل الآيرلندي باري كيغن في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

«بيربري» هي الأخرى بدأت بمراجعة حساباتها؛ إذ عيّنت مؤخراً جاشوا شولمان، رئيساً تنفيذياً لها. توسّمت فيه خيراً بعد نجاحه في شركة «كوتش» الأميركية التي يمكن أن تكون الأقرب إلى ثقافة «بيربري». تعليق شولمان كان أيضاً أن الدار تسرّعت في رفع أسعارها بشكل لا يتماشى مع أحوال السوق، لا سيما فيما يتعلق بمنتجاتها الجلدية. عملية الإنقاذ بدأت منذ فترة، وتتمثل حالياً في حملات إعلانية مبتكرة بمناسبة الأعياد، كل ما فيها يثير الرغبة فيها.