ميريل ستريب تفتتح مهرجان القاهرة السينمائي بـ «ريكي آند ذا فلاش»

المسابقة في دورتها الـ37 تحوي 16 فيلما بينها ثلاثة عربية

ميريل ستريب في فيلم الافتتاح ({الشرق الأوسط})
ميريل ستريب في فيلم الافتتاح ({الشرق الأوسط})
TT

ميريل ستريب تفتتح مهرجان القاهرة السينمائي بـ «ريكي آند ذا فلاش»

ميريل ستريب في فيلم الافتتاح ({الشرق الأوسط})
ميريل ستريب في فيلم الافتتاح ({الشرق الأوسط})

تنطلق اليوم أعمال مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السابعة والثلاثين معبرة عن 37 سنة من الجهد المتواصل لإنجاز مهرجان مصري - عالمي كبير بأفلام من كل أركان الأرض وبمخرجين وممثلين وسينمائيين وتظاهرات وبرامج ومسابقات.
غاب المهرجان سنة هنا وسنة هناك، وتغيّرت أسماء القائمين عليه أكثر من مرّة. أصيب بنكسات وخرج من المآزق أكثر من مرة. غطس وعام وحلّق. عرف نجاحات وعرف إخفاقات. صفق له الكثيرون وذمّه كثيرون، لكن الإيمان به بقي ثابتًا. 37 سنة تبرهن على هذا الإيمان وتدفعه، كل سنة، إلى الأمام ولو بقدر.
في الواقع، ما حققه المهرجان في سنته الماضية وما يبدو أنه سينجزه هذه السنة، هو تقدّم شاسع عما كان انتهى عليه أمره خلال السنوات الخمس عشرة السابقة للدورتين الماضيتين. ما بين 2005 و2013 بدا كما لو أن المهرجان طوى آخر صفحات انتصاراته وبدأ يلوك الكم ذاته من الإخفاقات مكتفيًا، بعدما تغيّرت القوانين والظروف المحيطة بعمل المهرجانات العالمية، بتهنئة نفسه والتصفيق لإنجازاته في حفلتي الافتتاح والختام في كل دورة وتوزيع الكم ذاته من الشعارات غير الواقعية.
لكن دورة العام الماضي، تحت إدارة سمير فريد، ودورة هذا العام، بإدارة ماجدة واصف، التي لا تقل خبرة وإصرارًا، يبددان إحباطات الماضي القريب. تمنحان المهرجان لونًا واقعي الآمال والمنطلقات ويدفعان بالأهداف المعلّقة إلى الأمام بحذر ومسؤولية. لن يفاجئنا المهرجان إذا ما أنجز في دورته الحالية قفزة أمامية أو صعد السلم بضع درجات في طريق استعادته للحلم الكبير السابق بأن يكون فعلاً مهرجانًا دوليًا منتظرًا ومرتقبًا ولو أن المهمّة ليست سهلة.
شركة سوني بيكتشرز قدمت فيلما جديدًا من إنتاجها عنوانه «ريكي آند ذا فلاش» من إخراج جوناثان ديمي وبطولة ميريل ستريب وكيفن كلاين ومامي غومر (ابنة ميريل ستريب في الواقع). ليس معروفًا السبب في اختيار هذا الفيلم تحديدًا، هل أراد المهرجان فيلما أميركيًا وهذا كان أفضل المتوفر؟ أو أن الفيلم أعجب، بعناصره من الفنيين والفنانين، اللجنة الإدارية؟
مهما يكن هذا ليس أفضل أعمال صاحب «مارفن وهوارد» و«فيلادلفيا» و«صمت الحملان» و«راتشل تتزوج»، كذلك ليس أفضل أدوار ميريل ستريب. بالنسبة لهما هو عمل مقبول وفوق العادي قليلاً لكنه لا يساوي مستوى أعمالهما السابقة.
الفيلم عن سيناريو للكاتبة ديابلو كودي التي وضعت، بين ما وضعت «جونو» وأخرجت قبل عامين فيلما وحيدًا حتى الآن هو «فردوس» لم يبرح مكانه. قام جوناثان ديمي بتحقيق هذا الفيلم الذي ينتهي وجميع شخصياته تبتسم. «ريكي وذ فلاش» يتحدّث عن ريكي (ستريب) التي نتعرّف عليها تعزف الغيتار وتغني مع فرقتها ذا فلاش قبل أن تستلم هاتفا من زوجها السابق بيتر (كلاين) فتترك كاليفورنيا حيث تعيش وتعود إلى مدينة في ولاية إنديانا. ابنتها جولي في ورطة عاطفية وعلى الأم أن تقف إلى جانب ابنتها.
«ريكي…» عمل عائلي في صلبه والمخرج يريده على هذا المنوال لذلك عالجه من دون حدّة أو نزوات فنية أو أسلوبية تذكر.
الغالب أنه سيرضي ذات النوعية من الحاضرين وسيجده البعض من بين أفضل الأفلام التي افتتحت دورات هذا المهرجان السابقة.
لكن المسابقة ذاتها، وفي أي مهرجان، هي التي تبقى في صلب الاهتمام والتي تستطيع أن تؤكد أو تنفي قدرة المهرجان على احتواء الأفضل. مع العلم بأن الأذواق تختلف باختلاف أصحابها. ما يثير الاطمئنان أن مديرة المهرجان الحالي، ماجدة واصف، ناقدة سينمائية سابقًا وكانت رئيسة مهرجان «باريس للسينما العربية» لعدة سنوات خلابة من التاريخ غير البعيد.
وهي حشدت للمسابقة عددًا متنوعًا من الأفلام المختلفة. بالتحديد 16 فيلما بينها ثلاثة عربية (مصريان وجزائري) والباقي وارد من الدول الأوروبية (بلجيكا، إستونيا، المجر، بوسنيا، كرواتيا، فرنسا الخ..) وبعض دول آسيا (الهند وكوريا).
من بين هذه الأفلام «أنا جندية» للوران لاريفر (بلجيكا) و«1944» لإلمو نوجانين (إستونيا). وتعرض السينما الأفغانية فيلما آخر عن الحياة الصعبة للمراهقات في «مينا تمشي» في حين يقدم إيناس تانوش عملاً اجتماعيًا حول أزمة الحياة بعد الحرب في «حياتنا اليومية»، الفيلم الذي يمثل بوسنيا لأوسكار أفضل فيلم أجنبي. والجارة الكرواتية تقدّم «الشمس الساطعة» لداليبور ماتانيك وهو دراما عاطفية تمثل بلادها في سباق أوسكار أفضل فيلم أيضًا.
ما شوهد من هذه الأفلام مسبقًا يستحق أن يوجد في سياق هذا المهرجان. لا يهم إذا ما عرض في مهرجانات أخرى، أو لم يعرض مطلقًا. إذا ما كان العرض العالمي الأول أو العرض الخاص بمنطقة الشرق الأوسط الأول أم لا. الجمهور المصري يهتم أساسًا بالتعرّف على بعض أحدث الأفلام الجيدة ويريد أن يقع في حبّها. وهذا ما يريد المهرجان توفيره لا في نطاق المسابقة الرئيسة فقط، بل في نطاق التظاهرات الأخرى الموازية مثل «أسبوع النقاد» و«مسابقة سينما الغد» و«آفاق السينما العربية» من بين الأقسام الأخرى الحافلة.
هذا الإطار الأوسع من الأفلام يجب ألا يمر من دون اهتمام مواز بالمسابقة ذاتها. أحد أهم الأقسام الموازية هو ذلك الاحتفاء بسينما «التحريك» اليابانية. بعض الأعمال المختارة، ومنها «أرواح بعيدة» و«مهب الريح» و«جاري تورو» ستعقد ألسنة المشاهدين وهم يتابعون واحدة من أهم مدارس الأنيميشن في العالم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».