احتمال تعرّض الطائرة الروسية لتفجير إرهابي ينذر بإزدياد خطر «داعش»

الهجوم يمثل نقلة نوعية من حيث الاستهداف والقوة

جنود مصريون يجمعون حقائب ضحايا ركاب الطائرة الروسية في صحراء سيناء (أ. ب)
جنود مصريون يجمعون حقائب ضحايا ركاب الطائرة الروسية في صحراء سيناء (أ. ب)
TT

احتمال تعرّض الطائرة الروسية لتفجير إرهابي ينذر بإزدياد خطر «داعش»

جنود مصريون يجمعون حقائب ضحايا ركاب الطائرة الروسية في صحراء سيناء (أ. ب)
جنود مصريون يجمعون حقائب ضحايا ركاب الطائرة الروسية في صحراء سيناء (أ. ب)

تثير الاحتمالات المتزايدة بسقوط طائرة الركاب الروسية فوق شبه جزيرة سيناء المصرية، نتيجة تفجير إرهابي، المخاوف بأن التهديدات الصادرة عن تنظيم داعش الإرهابي قد توسعت وبشكل كبير، كما أنها تشير إلى الأدوار القاتلة التي قد يلعبها الإرهابيون الذين قد أعلنوا ولاءهم وتحالفهم مع التنظيم المتطرف، في جميع أنحاء العالم.
تتزايد المخاوف بأن تكون طائرة شركة «متروجيت» الروسية المحملة بالسياح، والمتجهة من شرم الشيخ في شبه جزيرة سيناء إلى مدينة بطرسبرغ، قد استهدفت من قبل إرهابيين يوم الجمعة الماضي إثر التقارير الفرنسية التي تفيد بأن الصناديق السوداء للطائرة المنكوبة تحتوي على أصوات انفجارات.
جاءت تلك التقارير الإخبارية بعد إعلان روسيا تعليق جميع رحلات طائراتها إلى مصر، في إشارة قوية من جانب الكرملين، الذي ظل إلى وقت قريب يرفض قبول إضفاء ملامح العملية الإرهابية على الحادث. وبات يخشى الآن جديًا من أن تكون قنبلة إرهابية وراء سقوط الطائرة نهاية الأسبوع الماضي، وهي الحادثة التي أسفرت عن مقتل كل الـ224 راكبا الذين كانوا على متنها.
وإذا ما أثبتت التحقيقات أن تنظيم داعش وراء تلك العملية، فمن شأن ذلك أن يضرب عرض الحائط بكل التوقّعات التي تفيد بأن التنظيم محاصر وقد تعرّض لهزائم مروعة في العراق وسوريا، وهي المنطقة التي استولى فيها التنظيم المتطرف على مساحات شاسعة من الأراضي وأعلن «خلافته» المزعومة.
كذلك، كما يقول المحلّلون، فإن من شأن تلك العملية أن تعكس كيفية تمكن تنظيم داعش من تحويل روافده البعيدة إلى أذرع عملياتية فاعلة، إذ ألقي القبض على عدد من التابعين للتنظيم الإرهابي في إقليم كوسوفو وفي ألبانيا خلال الشهور الأخيرة إثر مزاعم عن تخطيطه لشن هجمات داخل أوروبا، كما يقول بروس هوفمان، خبير الإرهاب لدى جامعة جورجتاون الأميركية، الذي أضاف «ولكنها المرة الأولى التي تجاوز فيها تنظيم داعش عتبته المحلية منطلقًا لشن عملياته الإرهابية فعليًا على الساحة الدولية».
الرئيس الأميركي باراك أوباما، من جهته، صرح الخميس الفائت بأن قنبلة إرهابي قد تكون السبب وراء تحطم الطائرة الروسية وأن ذلك احتمال قائم، وأردف «نحن نأخذ الأمر على محمل الجدية». غير أن المسؤولين حذروا من أن هناك كثيرا من التساؤلات ما زالت من دون إجابة، بما في ذلك درجة التنسيق الحالية ما بين قيادة «داعش» في سوريا من جهة والمتطرفين المسلحين في مصر وليبيا واليمن وغيرها من جهة أخرى، وكل هؤلاء يرفعون رايات التنظيم الإرهابي السوداء.
ومن جهة ثانية، صرح أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية، شريطة التكتم على هويته لدى مناقشته التقديرات الاستخبارية بأنه «إذا ما أسفرت التحقيقات عن أن إثبات أنها عملية إرهابية، وحتى إذا كانت إحدى الجماعات التي ترتدي عباءة (داعش) وراءها، سيظل هناك سؤال مهم حول ما إذا كانت تلك الجماعة تعمل حقًا بناءً على أوامر من (داعش)، أم بصورة مستقلة تماما، وما مدى السيطرة العملياتية، إن وجدت، التي يمارسها قادة تنظيم داعش في سوريا على مثل تلك الهجمات الإرهابية؟».
مع ذلك، سواء كانت تلك العملية مستقلة أو موجّهة، فإن ذلك الهجوم سيمثل «نقلة نوعية من حيث الاستهداف وقوة الهجوم»، على حد وصف ويليام ماكانتس، خبير الإرهاب ومؤلف كتاب جديد حول تنظيم داعش بعنوان «يوم الانكشاف مع داعش». وحسب كلام ماكانتس فإن الهجمات الإرهابية المنفردة هي الأكثر إثارة للقلق، لكنها لا تشيع القدر نفسه من الخوف الذي يبعثه استهداف طائرات الركاب المدنية، «وإذا ما استمرت تلك الأنماط من الهجمات ضد الدول التي تقاتل (داعش)، فستشكل ضغوطا كبيرة للغاية» على التحالف الدولي.
يوم السبت ادعت جماعة «أنصار بيت المقدس»، الذراع التابعة لـ«داعش» في شبه جزيرة سيناء، مسؤوليتها عن إسقاط طائرة الركاب الروسية. وزعمت الجماعة المتطرفة في بيانها المقتضب «لقد تمكن جنود الخلافة من إسقاط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء»، وفقا لموقع «مجموعة سايت الاستخبارية».
كما هو معروف، روسيا تدخلت أخيرًا في الصراع السوري، وادعت أن غاراتها الجوية ركزت على مهاجمة مواقع «داعش» في سوريا، وهذا على الرغم من أن غالبية الضربات الجوية قد استهدفت حقًا جماعات متمردة أخرى تقاتل حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، حليف موسكو القديم. أما جماعة «أنصار بيت المقدس»، التي تطلق على نفسها الآن مسمى «ولاية سيناء»، فإنها نشأت من صفوف تنظيم محلي متطرف ومسلح تشكلت في أعقاب ثورة عام 2011 في مصر، قبل تأسيس تنظيم داعش في العراق وسوريا. وفي أواخر العام الماضي، أعلنت هذه الجماعة المصرية المتطرفة ولاءها لـ«أبو بكر البغدادي» زعيم «داعش»، بيد أن مستوى الدعم الذي يتلقاه المتطرفون المسلحون في سيناء من قيادة «داعش» المركزية في العراق وسوريا لا يزال مجهولا.
ولكن مع هذا، نفذت الجماعة المتطرفة في مصر مجموعة من الهجمات المروّعة، شملت عمليات نسف خط أنابيب الغاز الطبيعي بين مصر وإسرائيل، إلى جانب عدة هجمات على السياح الإسرائيليين في سيناء. وخلال الصيف المنصرم، ادعت الجماعة المتطرفة مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات الكبيرة التي طالت أهدافا مصرية وأخرى أجنبية، بما فيها عمليات نفذت في العاصمة المصرية القاهرة.
بروس ريدل، وهو محلل سابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ومن خبراء الإرهاب لدى معهد بروكينغز يقول شارحًا: «تتمتع هذه الجماعة بقوة ملحوظة. ولذا لا يعتبر امتدادًا ضخمًا بالنسبة لها الانتقال من مهاجمة الأهداف (الكافرة) إلى ملاحقة الروس بالذات».
هذا التطور قد يُعدّ مؤشرًا على وجود تهديد جديد للغرب من منطقة لم تكن في الماضي موضع تركيز كبير من جانب جهود مكافحة الإرهاب. وهنا يتابع ريدل قائلاً إن «ذراعًا لتنظيم إرهابي في دولة كبيرة بحجم مصر يسكنها أكثر من 80 مليون مواطن، وتضم قناة السويس، وتنشط فيها صناعة السياحة، تشكل معضلة كبيرة جدًا هي حتمًا أخطر وأكثر تهديدًا بكثير من ذراع أخرى تعمل في الأرياف النائية بجنوب اليمن أو أعماق الصومال. فليست هناك رحلات جوية يومية إلى مقديشو، لكن هناك المئات من تلك الرحلات اليومية إلى مطار القاهرة الدولي».
إن القدرة الواضحة عند «داعش» على تهريب قنبلة أو مواد متفجرة إلى داخل طائرة ركاب روسية محمّلة بالسياح، لا شك، من الأمور المزعجة والمقلقة لمسؤولي الأمن الأميركيين، الذين كانوا قد طمأنوا أنفسهم في الآونة الأخيرة إلى الفكرة القائلة بأن التنظيم المتطرّف منشغل جدًا بتوطيد أركان «خلافته» المزعومة، وبالتالي، ما عاد مستعدًا لتوجيه ضربات خارج مجال عملياته الحالي، أو قادرًا على ذلك.
عودة إلى بروس هوفمان، فإنه يرى أن «هذه الحادثة هي أكبر حادثة إرهابية ذات صلة بالطيران التجاري منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ولذا ستكون تداعياتها عميقة للغاية». ويضيف أنه من خلال الاستيلاء على فرصة ما في سيناء «فالتنظيم الإرهابي يتخذ خطوة أخرى على طريق تدويل الجماعة».
من بعض النواحي، فإن تنظيم داعش الذي أبصر النور إثر انقسام داخل تنظيم القاعدة، يبدو أنه يقرأ من كتاب قواعد لعبة «القاعدة» عبر رعايته للجماعات الخارجية الموالية له. وعلى الرغم من أن القيادة المركزية لتنظيم «القاعدة» تعرّضت لاهتزازات مدمّرة خلال العقد الماضي بنتيجة ضربات الطائرات من دون طيار الأميركية، فإن الأذرع الحليفة التي أنشأتها «القاعدة» في اليمن وشمال أفريقيا وغيرها من المواضع ساعدت كثيرا في الحفاظ على زخم نشاطه حتى الآن.
وختامًا، يعلق ماكانتس بالقول: «بالإمكان أن نلحظ محاولة من (داعش) للتحوّط من غدرات المستقبل وضمان تأمين عمق استراتيجي له. فإذا ما حوصروا في منطقة ما، سيكون لديهم الوسائل لتوجيه الضربات في مكان آخر، بمعنى أنهم إذا ما تعرضوا للضرب في سوريا سيردون الصاع صاعين في مصر».

*مراسلة شؤون الأمن الوطني في جريدة «واشنطن بوست»



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟