أبطال الثورة الكوبية يخشون تلاشي إرثهم السياسي

الأجيال الجديدة لا تحمل الارتباط نفسه بمبادئ الثورة وتفضل الانفتاح الثقافي والاقتصادي

هربيرتو أولوما لورا وهو يتحدّث عن الثورة الكوبية في بيته مدينة بسانتياغو دي كوبا («نيويورك تايمز»)
هربيرتو أولوما لورا وهو يتحدّث عن الثورة الكوبية في بيته مدينة بسانتياغو دي كوبا («نيويورك تايمز»)
TT

أبطال الثورة الكوبية يخشون تلاشي إرثهم السياسي

هربيرتو أولوما لورا وهو يتحدّث عن الثورة الكوبية في بيته مدينة بسانتياغو دي كوبا («نيويورك تايمز»)
هربيرتو أولوما لورا وهو يتحدّث عن الثورة الكوبية في بيته مدينة بسانتياغو دي كوبا («نيويورك تايمز»)

مرّ أكثر من 60 عاما على اندلاع الثورة التي غيرت معالم كوبا، وإلى حد ما، العالم بأسره، إلا أن هذه الثورة وأبطالها أخذوا في الذبول والاختفاء تدريجيا.
يقول هربرتو أولموا لورا، وهو أحد الرجال المحاربين الذين اختبأوا في جبال سيرا ماسترا بكوبا أثناء فترة ما قبل الثورة: «حفرنا قبورنا بأنفسنا في أحد الأيام»، وإن «ثلاثة من مجموعته ماتوا في ذلك اليوم».
اليوم، وبعد أن بلغ 79 عامًا من العمر، أصبح الوقت هو العدو الأول بالنسبة لأولمو، فهو يعيش حياة هادئة متواضعة في مجمع سكني في أطراف مدينة سانتياغو دي كوبا، التي تعتبر ثاني أكبر مدينة في الجزيرة. لم يبقِ على قيد الحياة سوى القليل من رفاقه، ربما عددهم خمسة أو ستة، فهم يختلفون عندما تسألهم عن العدد، غير أنهم يتقابلون مرة كل ثلاثة شهور، وليس من المستغرب أن يرحل أحدهم في الفترة التي تفصل تلك اللقاءات.
ويعتبر هؤلاء الرجال آخر حاملي لواء الثورة من منبعها الأول، من المدينة التي بدأ منها فيديل كاسترو ورفاقه النضال لإزاحة الديكتاتور فولشنسيوا باتيستا.
يمكنك أن تقرأ على لوحات الإعلانات المعلّقة على امتداد الطرق «سانتياغو هي سانتياغو»، وكأن ليس هناك شيء آخر يمكن أن يقال عن فضائل وشجاعة أهلها، غير أنك تلمس بعض اليأس في تلك اللافتات، إذ إن المعركة الآن أصبحت ضد ضمور الذاكرة. وفي حين لا تزال الثورة تحظى بالاحترام في البلاد، فإنه بالنسبة للكثير من الكوبيين، لم تعد الثورة عذرًا لتحمل شح الغذاء والإمدادات، ولا الرواتب الشهرية المتدنية، والبنية التحتية المتهالكة.
وقال ليساندرو بيريز، أستاذ الدراسات اللاتينية والأميركية بكلية جون جاي للعدالة الجنائية بنيويورك، إن «هناك من هم لا يزالون على إيمانهم بالثورة ولا يريدون التزحزح عنها، لكنني لا أرى جيلا آخر على استعداد لتقديم التضحيات نفسها في سبيل استكمال مشروع التقشف».
بألوانها الزاهية وبنيتها التي خلفها عهد الاستعمار وتلالها المموجة، حفرت مدينة سانتياغو دي كوبا مكانها في التاريخ قبل زمن بعيد من قيام الثورة. وعلى أطراف المدينة يقع أقدس مكان في البلاد، ضريح سيدة البر، أكثر الأيقونات الكاثوليكية تبجيلا، وهو عبارة عن تمثال خشبي صغير للسيدة العذراء ماري، حيث تجد الثوار القدامى يتساءلون عما إذا ستحافظ الأجيال الجديدة على الأفكار التي ناضلوا من أجلها أجدادهم، أم سوف تنثر في الهواء.
بكل تأكيد الثورة لم تجعل كوبا غنية ولم تجعل الكثير من الكوبيين أغنياء، وعلى الرغم من كل ما مرت به كوبا من صعوبات اقتصادية، لا يساور هؤلاء الكوبيين الكبار أدنى شك في أن ما قدموه لكوبا كان سببًا في تطورها للأفضل. يفيد إرنيستو ماتو رويز (75 عاما)، وهو محارب ثوري آخر من منطقة سانتياغو «لو أنه بإمكاني إرجاع الزمن إلى الوراء، فسوف أكرر ما فعلته كما فعلته مرة أخرى»، في إشارة إلى الثورة.
ويعتبر ماتو أحد المشاهير في المنطقة، خصوصا بين أقرانه من الجيل الأكبر سنًا، ويحظى بالكثير من الإعجاب لشجاعته التي أبداها خلال عمله تحت قيادة قائده الثوري ذائع الصيت فرانك بايس.
وبيد أن ماتو اعترف أن مستقبل كوبا لن يكون على قدر طموحاته أو طموحات أصدقائه، لكنه سيكون بمستوى جيل الكوبيين الصغار ممن تعتبر صلتهم بفترة النضال غير مباشرة. ويضيف: «نتحدث عن تغيير الأجيال، فذلك شيء واضح تماما وبديهي».
في المقابل، ينظر الكثير من الكوبيين الصغار للثورة كتحدٍّ لمستقبلهم، لا كأساس لبناء المستقبل، والدليل على ذلك جلي وواضح في شوارع سانتياغو، حيث ترى الشباب يتبع آخر صيحات الموضة الصادرة من البلد الذي طالما اعتبرته كوبا عدوًا، الولايات المتحدة». وتساءل سوريز (24 عامًا) بهذا الصدد: «ماذا أقول، فأنا لا أومن بالسياسية، والثورة ما هي إلا سياسية محضة»، مضيفا: «ينصبّ اهتمامي على عائلتي، وليس على السياسة والأحزاب».
ولا يتحلى الكثير من الكوبيين في مثل سن سويريز بالصبر عند الحديث عن الثورة، ولا يفضلون الحديث عن الضائقة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، على الرغم من الانفراجة الدبلوماسية الحديثة مع واشنطن. في المقابل، يقوم الثوار، أمثال أولموا، بما بوسعهم للحفاظ على شعلة الثورة وتمريرها للشباب. وأوضح أولمو وهو جالس على مقعده الخشبي بالبيت الذي يعيش فيه مع ابنته وزوجها وأولادها: «بالنسبة لي، الثورة فتحت آفاقًا للمستقبل»، مضيفا: «صحيح أن الثورة ارتكبت أخطاء، لكن في جوهرها، كانت شيئا في غاية النقاء».
غير أن الأمل في بقاء الأهداف الاشتراكية يتلاشى يومًا بعد يوم، ويمكنك أن تلحظ هذا حتى على عتبات بيت أولمو نفسه، حيث تسللت أشعة الشمس بين أوراق شجرة السنط الضخمة في فناء البيت تحت شقته، بينما يلعب نحو عشرة أطفال الكرة بأقدامهم الحافية، وتتعالى صيحاتهم لتصل للنوافذ المفتوحة بالطابق الأعلى. عندما سألناهم عن أولمو وما يعرفون عن بطولته في الثورة، أجابوا بالاستفهام وقال أحدهم: «أعرف أنه صديق جدي فحسب».
* خدمة «نيويورك تايمز»



مناطيد مهرجان «تازونغداينغ» تُنسي البورميين أجواء النزاع

محتفلون في مهرجان «تازونغداينغ» (أ.ف.ب)
محتفلون في مهرجان «تازونغداينغ» (أ.ف.ب)
TT

مناطيد مهرجان «تازونغداينغ» تُنسي البورميين أجواء النزاع

محتفلون في مهرجان «تازونغداينغ» (أ.ف.ب)
محتفلون في مهرجان «تازونغداينغ» (أ.ف.ب)

تجمّع آلاف البوذيين، أول من أمس الأحد، في وسط بورما؛ للمشاركة في إحياء طقوس دينية شعبية شكّل الاحتفال بها فاصلاً ملوّناً، وسط النزاع الدامي الذي تشهده الدولة الآسيوية.
وحالت جائحة «كوفيد-19» وانقلاب فبراير (شباط) 2021 لعامين متتاليين دون أن تشهد بيين أو لوين، هذا الاحتفال باكتمال القمر الذي يصادف نهاية موسم الأمطار المعروف بـ«تازونغداينغ» أو مهرجان الأضواء. وارتفعت مناطيد الهواء الساخن في الليل البارد وعليها صور لبوذا وأنماط ملونة تقليدية؛ ومنها الدب الأبيض.
ووفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، تتولى لجنة تحكيم اختيارَ الأجمل منها، الذي يصل إلى أكبر علو ويطير أطول وقت بين 76 منطاداً تشارك في الأيام الخمسة للاحتفالات.
ويترافق هذا الحدث مع كرنفال وعرض رقص تقليدي يوفّر جواً من البهجة بعيداً من أخبار النزاع الأهلي، الذي أودى بحياة ما بين 2400 و4000 شخص في نحو عامين.
وإذا كان الاحتفال بـ«تازونغداينغ» راسخاً في التقاليد البوذية، فإن البريطانيين الذين كانوا يستعمرون بورما هم الذين كانوا وراء مسابقة المناطيد في نهاية القرن الـ19.
ودرَجَ عشرات الآلاف من البورميين والأجانب الفضوليين في السنوات الأخيرة، على حضور هذه الاحتفالات المعروفة على السواء بألوانها وبالخطر الذي تنطوي عليه، إذ تُحمَّل المناطيد بالألعاب النارية التي قد تسبب كارثة إذا انفجرت قبل الأوان.
ويعود الحادث الأخطر إلى عام 2014 عندما قُتل 3 متفرجين بفعل سقوط منطاد على الحشد في تونغي، وسط بورما.