غاليري «آرت سمارت» في القاهرة يحتضن مغامرة 28 فنانًا

جمعهم تحدي الرسم على فضاء مركب متعدد الزوايا والتعرجات

مركب الفنانة التونسية هيفاء في صدارة اللقطة، تنتظر مغامرة الصيد في البحر. و أطفال يقلدون رسوم المراكب داخل المعرض.
مركب الفنانة التونسية هيفاء في صدارة اللقطة، تنتظر مغامرة الصيد في البحر. و أطفال يقلدون رسوم المراكب داخل المعرض.
TT

غاليري «آرت سمارت» في القاهرة يحتضن مغامرة 28 فنانًا

مركب الفنانة التونسية هيفاء في صدارة اللقطة، تنتظر مغامرة الصيد في البحر. و أطفال يقلدون رسوم المراكب داخل المعرض.
مركب الفنانة التونسية هيفاء في صدارة اللقطة، تنتظر مغامرة الصيد في البحر. و أطفال يقلدون رسوم المراكب داخل المعرض.

في تظاهرة فنية شيقة بغاليري «آرت سمارت» بالقاهرة، احتفل فنانو ملتقى البرلس للرسم على الحوائط، بمغامرتهم الفنية على ضفاف بحيرة البرلس عبر 28 مركبا قاموا بالرسم عليها في الملتقى، واستطاعوا بالخطوط والألوان والأشكال والعلامات والرموز، أن يحولوها إلى أيقونة فنية جذابة، أثارت رذاذا من الدهشة والحب لدى الحشد الكبير من الفنانين والجمهور في افتتاح المعرض مساء الاثنين الماضي، والذي نظمته مؤسسة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن الثقافية للفنون والتنمية، وهي المؤسسة للملتقى.
فبعد تحدي الرسم على حوائط خشنة ومشققة للبيوت والمحال والمقاهي وأرصفة كورنيش البحر، والذي اجتازه الفنانون باقتدار ومهارة وعفوية، واجهوا تحديا آخر أكثر تعقيدا ومتعة، في الوقت نفسه، وهو الرسم على مسطح خشبي (4 أمتار بالطول × 1 متر بالعرض وارتفاع 60 سم)، متعدد الزوايا والتعرجات والانحناءات والتجاويف، مفتوح الفضاء، بلا أبعاد ثابتة، وعلى الفنان أن يجد حلوله الابتكارية واستعاراته الخاصة للرسم، متكئا على خبرته الذاتية ورؤيته لواقع المركب، بكل تراثه ومخزونه الشعبي، في بيئة محلية، يشكل البحر وصيد السمك خبزها اليومي.
لكن هوى المراكب، والهوس بها، ومحبة اللعب على سطحها وبطنها، وأطرافها، بدا لي وأنا أتلصص على ورشة الرسم بالملتقى، أنه أصبح يشكل إيقاعا مغويا ولعوبا بين أغلب الفنانين، بكل خبراتهم الشابة والمخضرمة، حتى خيل لي أن المركب امرأة في أخريات شهر الحمل، أو أنها عروس تستعد لحفل الزفاف، وهو ما حدا بالفنانة الأردنية هيلدا حياري، لأن تدهن مركبها باللون الأبيض، مثبتة على سطحها كرسيين ومنضدة صغيرة، كستهما بقماش أبيض، بينما زينت مقدمة المركب من الأمام والخلف بقماش موشى بورود من الدانتيل، وكأنها بالفعل مركب عرس. وحملت الفنانة التونسية هيفاء مركبها بكل مستلزمات وأدوات الرحلة في البحر، فبدت المركب وكأنها امرأة مثقلة بمخاض الولادة.
بهذه الروح نوع الفنانون بمهارة لافتة حيل اللعب على المركب أو «الفلوكة»، كما يطلق عليها أهالي البرلس، فبدت أحيانا كمرآة خاطفة، تنعكس علي سطحها خبرة الفنان، ورائحة عالمه الخاص، وشخوصه المحببة التي تشكل محور إيقاع هذا العالم، وهو ما تجسد في «فلوكة» الفنان عمر الفيومي، حيث تبرز على ظهر المركب شخوصه، بحسها الإنساني الدافق ولطشاتها المستوحاة من الفنون القبطية، كشكل من أشكال التواصل الحضاري. فيما شدت الفنانة عقيلة رياض مركبها إلى براح الحضارة الفرعونية، باللعب على أصداء أسطورة إيزيس وأوزوريس، وهي الأسطورة التي شهدت أحراش البرلس بعضا من فصولها، بحسب مؤرخين.
حولت الفنانة مقدمة المركب وبطنها إلى صورة رمزية لإيزيس، بزيها الفرعوني، محفوفة بتوريقات نباتية غضة، وكأنها أحد مظاهر الطقوس والاحتفالات الموسمية التي كان الفراعنة يقيمونها فوق سطح النيل.
وحرصت الفنانة جيهان سليمان في «فلوكتها» على الموائمة بين روح التجسيد والتجريد، وإبراز المستويات المتنوعة للصورة في فضاء المركب، عبر توازن لوني وبصري، وعنصر تشخيصي بسيط، عبارة عن رسم لامرأة تجلس على كرسي في مقدمة المركب، ينعكس ظلها في الأسفل. وكأنه شكل من أشكال توازن المركب فوق سطح الماء.
واحتفى الفنان أحمد عبد الكريم برموزه المحببة: الهدهد، والسمكة، والورود، مبتكرا لها نافذة بصرية جديدة فوق سطح المركب وجدرانه المتنوعة، تشع بتدرجات خطية وضوئية من اللون الذهبي الساطع، وحول الفنان طارق الكومي مركبه إلى مسطح نحتي، مضيفا إلى الورشة لمسة مهمة في اختبار علاقة الضوء بالكتلة بالفراغ، على سطوح غير مستوية، تشبه علاقة الأمواج بالشط.
تجاور مع الصيغ والحيل البصرية التي حفل بها المعرض، من تجريدات، وارتجاليات، ورسائل تنطوي على خبرة خاصة، حالة من الفرح بطفولة الفن والأشياء، امتزج فيها خيال الفنان بمفردات البيئة والتراث الشعبي. فاحتلت السمكة بتنويعاتها وأشكالها الجذابة، وتراثها الفلكلوري المساحة الأكبر من فضاءات الرسم والتكوينات على جدران المراكب وسطوحها الرجراجة، في محاولة لخلق معادل بصري حي، لصدى الواقع في اللوحة. تجلى ذلك على نحو ملفت في «فلوكات» الفنانين عادل مصطفى، ويارا حاتم، وناصر بلانجي، وكلاي قاسم، وجلال جمعة، وسمير فؤاد، وإسلام عبادة، ومحمد صبري، ومحمد عبد الهادي، وأشرف رضا، والفنانة الهندية بونام.
كما احتفت بعض «الفلوكات» بالتراث الشفاهي للمركب، من أغنيات وأمثال وأزجال وحكم شعبية، تحفل بها طقوس الصيد والصيادين، فوظف الفنان جميل لطشات من هذا التراث في رسوماته على المركب، من مثل «السمك مقلي كل وبرقلي» واضعا القط والسمكة في جدلية شفيفة من اللعب الحي. ولجأ كثير من الفنانين لوضع مرايا أسفل المركب، لإضفاء أبعاد متنوعة للرسوم وظلالها.
على الجانب الآخر، احتفى بعض الفنانين بالمركب كأيقونة بصرية، تنطوي على بعد روحاني، يومض بإيقاع الفسيفساء والأرابيسك، مثل: سالي الزيني، ومنى عليوة، وريم حسن، وأشرف مهدي، والفنانة البرتغالية بولينا.. والملفت أن هذه الروحانية، تفاعلت على سطح مراكبهم كحالات إنسانية، مفعمة بنغمة خافتة، للفرح والشجن والعاطفة، وكأنه إيقاع الحياة في جانبها الأعمق الخفي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».